أكرم القصاص - علا الشافعي

دينا شرف الدين

مكارم الأخلاق (٤) ... "العدل "

الجمعة، 31 أغسطس 2018 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

وكما هو المعتاد نبدأ مقال اليوم  عن الأخلاق بمقولة النبي محمد صلي الله عليه وسلم  "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .

وكما ذكرت في المقالات السابقة ضمن سلسلة مكارم الأخلاق أنها قد عرفها الإنسان وتحلي بها شيئاً فشيئاً منذ بداية استقراره علي ضفاف النيل وبعد أن ظهرت المعاملات بين البشر علي كافة المستويات الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية والدينية ، وكانت الأخلاقيات المكتسبة و المكتشفة هي المنظم  الذي يحكم تلك العلاقات و يقويها ويرسخها لتتوارثها أجيال تليها أجيال قبل نزول الديانات السماوية التي شرعت  و بلورت ورسخت تلك الأخلاقيات .

وبما أننا في زمن شح به العدل وازداد الظلم وطغي سنتوقف اليوم عند فضيلة العدل بين الناس و التي هي من أهم  وأعظم القيم الأخلاقية إذ أنها صفة من صفات الله عز و جل ( العدل )  .

فقد قال سبحانه و تعالي في كتابه الكريم :بسم الله الرحمن الرحيم  "

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء:٥٨].

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: ١٨١].

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى

عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ٩٠].

فالعدل لا يقتصر فقط علي القضاء و أحكامه ولا يتحمل أمانته و نزاهته طائفة القضاة الذين يحكمون بين الناس في مجالس وقاعات المحاكم فحسب ، ولكن كلمة العدل أشمل وأوسع فالعدل بين الأب و أبنائه و بين  الزوج و زوجته وبين الحاكم  والمحكوم فالمواطن إن استظل بمظلة حاكم عادل يكون من الفائزين المطمئنين إذ أن  "العدل أساس الملك "

والأب العادل هو الذي لايفرق بين أبنائه ولا يزكي أحدهما علي الآخر لأي سبب كان ، والزوج العادل هو الذي إن كانت له أكثر من زوجه استطاع أن يساوي بينهن و لا يميز إحداهن علي الأخري  كما قال الله في كتابه العزيز " و إن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " وقد أكد المولي عز و جل صعوبة بل استحالة القدرة علي العدل في هذه الحالة  فقال " ولن تعدلوا "

وصاحب العمل العادل هو الذي لا يبخس العامل أو المستخدم  حقه ولا يجور عليه و يثقل كاهله بقدر أكبر مما يتقاضاه من مقابل مادي .

لذلك نجد أن قوانين الماعت ال 42 شريعة أمة فجر الضمير (مصر) قد كُتبت على لسان أرواح الموتى الذين انتقلوا الى العالم الآخر , وهم يقفون فى قاعة الماعت ( العدل) يوم الحساب . أى أن تلك القوانين لم تفرض على الانسان من الخارج , و انما هى نابعة من داخله .لأن بداخله الضمير ..... جوهر الفضيلة ..... و ما عليه سوى تفعيل الضمير .... و هذا ما فعله قدماء المصريين ... أمة فجر الضمير .

و قد ظهرت شكاوى الفلاح الفصيح فى عصر الدولة الوسطى , العصر الذهبى للأدب المصرى القديم الذى قدم للانسانية نصين من أروع النصوص الأدبية العالمية وهما شكاوى الفلاح الفصيح و رواية سنوحى المصرى .

فقد رفع الفلاح الفصيح شكواه الى رئيس البلاط فى تسع مرافعات , عندما تعرض للنهب من أحد كبار رجال الدولة .

لم يكن هدف الفلاح الفصيح من مرافعاته التسعه هو الحصول على ما سُلب منه و لكن الهدف كان تطبيق القانون على الموظف الجشع الذى سلبه ممتلكاته إذ أن إقامة العدل و ارساء دولة القانون كان هو الهدف من تلك القصة و من مرافعات الفلاح الفصيح البليغة والتى يقول فيها  لرئيس البلاط :  لا تقل الكذب أنك الميزان..  لا تخطئ لأنك الصواب ..أنظر , أنت و الميزان واحد , يميل بميلك ..لا تنحرف عن الطريق المستقيم ..عاقب السارق , فهذا الجشع ليس عظيما .. و ليكن لسانك المؤشر المستقيم للميزان .. و المثقال قلبك ..وشفتاك ذراعى كفتاه عندما تتجاهل المعتدى , من يقاوم الشر اذن ؟

و من الحضارة الفرعونية إلي الحضارة البابلية فيما يخص فضيلة العدل نج  شريعة حمورابي أو قوانين حمورابي والتي يبلغ عددها 282 مادة قانونية سجلها الملك حمورابي سادس ملوك بابل على مسلة كبيرة أسطوانية الشكل توضح قوانين وسنن وعقوبات من يخترق القانون. وقد ركزت على السرقة، والزراعة ورعاية الأغنام، وإتلاف الممتلكات ، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد، والقتل، والموت، والإصابات.

وتختلف العقوبات على حسب الطبقة التي ينحدر منها المنتهك لإحدى القوانين والضحية . ولا تقبل تلك القوانين الاعتذار أو توضيح الأخطاء إذا ما وقعت.

نهاية ؛ أعزائي ، فالعدل هو الإعتدال و الحق و المنطق و الخير و الصلاح  فإذا انتشر العدل بين الناس اعتدلوا واستقاموا وتصالحوا مع أنفسهم ومع بعضهم البعض ، وتلاشت الأحقاد و بالتالي اختفت السرقة و القتل و النصب والإحتيال ، فعندما يشفي الانسان من مرض الشعور بالظلم و نقصان العدل  يصِح  و تلتئم جراح نفسه و تختفي أدرانها الخبيثة التي تستفحل و تتشعب بداخله عندما يتحول إلي شخص مظلوم قليل الحيلة لا حول له ولا قوة !

العدل  ثم العدل ثم العدل  يا أمة العدل و الإعتدال و خير ختام للحديث عن قيمة العدل  كلمات النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه  :عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم.

عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ("أهل الجنة ثلاثة: ذُو سُلطان مقسط مُوفق ؛ ورَجل رَحيم رقيق القلب لكل ذِي قربى ومسلم ؛ وعَفيف متعفف ذو عيال").

وإلي لقاء وقريب  مع فضيلة جديدة من مكارم الأخلاق     .










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة