هنا اليمن من القاهرة " الحلقة الثانية".. مصابو الحرب.. أجساد تحمل أوجاع الوطن .. "يوسف": ذهبت لزيارة خالى فانفجر فى لغم أفقدنى ساقى وتقبلت الإصابة لأنها ضريبة الحرب.. "محمد": قذيفة هاون قطعت يدى

الأربعاء، 01 أغسطس 2018 12:00 م
هنا اليمن من القاهرة " الحلقة الثانية".. مصابو الحرب.. أجساد تحمل أوجاع الوطن .. "يوسف": ذهبت لزيارة خالى فانفجر فى لغم أفقدنى ساقى وتقبلت الإصابة لأنها ضريبة الحرب.. "محمد": قذيفة هاون قطعت يدى مصابو الحرب فى اليمن
كتبت هدى زكريا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

-«الفقيه» أسس أول مستشفى ميدانى وطلق نارى أبعده عن ساحة القتال

 

- 4 لجان طبية لرعاية الجرحى فى القاهرة.. و27 ألف مصاب فى مدينة تعز

 
يحملون معهم أوجاع بلادهم أينما ذهبوا، تفوح رائحة دمائهم فى كل مكان، تضطرهم الإصابة لهجر ساحة المعركة، ولكنهم يتركون أجزاء من أجسادهم تقاتل مكانهم لحين عودتهم، فهذا فقد ساقيه جراء عمليات القصف وآخر أصابه طلق نارى فصفى عينيه، أما الثالث فقاده حظه العثر للسير فى منطقة ألغام فانفجر فيه، ولم يبق أمامهم جميعا سبيل سوى السفر للبلاد المجاورة وعلى رأسها مصر لتلقى العلاج اللازم فى رحلة لا يعلم أحد متى ستنتهى.. هذا هو حال مصابى حرب اليمن، اختلفت أعمارهم ومحال ولادتهم، ولكنهم اجتمعوا على شىء واحد وهو الألم والإصابات التى بدلت حياتهم بين ليله وضحاها، وأصبحت تلازمهم وتذكرهم بحال بلادهم وترسخ فى أذهانهم مشاهد القتل والدمار.
 

 
 
قصص الحرب جاءت معهم إلى القاهرة بموجب تأشيرة سياحة علاجية، قطعت آلاف الكيلومترات تحديدا من مدينة تعز الأعلى فى نسب الإصابة، لتُروى على لسان اصحابها الذين قُدر لهم الحياة مرة ثانية، وواجهوا صعوبات عدة للخروج من موطنهم بسبب ضعف الإمكانيات الطبية فيه، ليتلقوا العلاج فى دولة أخرى، القائمة تطول وتضم أكثر من 1000 مصاب موزعين على 4 لجان طبية فى القاهرة تتبع الحكومة الشرعية ومجلس الوزراء، غير آخرين لم يتم تسجيلهم حتى الآن ومدرجين فى كشوف الانتظار أمام أبواب اللجان الطبية المعنية بهم أو يتكفل عدد من فاعلى الخير بعلاجهم، آملين أن تتم الرأفة والنظر لحالهم، ووسط كل هذا لا يتمنى الجرحى سوى شىء واحد يدعون الله به ليل نهار، وهو أن تُرد إليهم صحتهم مرة أخرى حتى يقووا على حمل السلاح ويعودوا مرة اخرى لبلادهم ليقاتلوا وسط صفوف المقاومة.
 

«يوسف» فقد ساقه

 
لم يدرك ابن العشرين عاما، أن خطوة واحدة سيخطوها فى طريقه من مدينة تعز إلى نظيرتها آب ستفقده ساقه وتجعله ملازما للفراش طيلة حياته بسبب لغم صادفه فى طريقه وانفجر فيه، رمضان 2017 شهر لن ينساه يوسف، مرتبط فى ذهنه بمرحلة تحوله من شخص طبيعى يرغب فى استكمال دراسته ليصبح مهندس طيران إلى آخر قعيد حبيس أربعة جدران، يمسك بالورقة والقلم ليس للمذاكرة، ولكن لتحديد موعد العمليات التى سيجريها للخروج بأقل خسارة ممكنة.
 
«كنت فى طريقى لزيارة خالى فى مدينة إب، أثناء مرورى برفقة مجموعة من الناس فى منطقة استولت عليها ميليشيات الحوثيين، انفجر فينا لغم اُصَبتُ فى ساقى وفقدت الوعى ولم أسترده إلا فى المستشفى، وجدت حولى أمى وأبى وأشقائى، أخبرهم الطبيب أننا فى حاجة لإجراء عملية بتر، واضطررت لفعل هذا، فى البداية خشيت على أسرتى من الصدمة، ولكن تقبلنا الأمر وحمدنا الله على كل شىء»، بهذه الكلمات بدأ يوسف ابن مدينة تعز حكايته ساردا تفاصيل الإصابة.
 

 
 
وتابع: أمام ضعف الإمكانيات الطبية بسبب ظروف الحرب نصحنا الأطباء بالسفر إلى مصر لاستكمال العلاج، وبالفعل انتقلنا إلى عدن ومنها إلى القاهرة، أمام غلاء ثمن التذاكر لم يبق أمامنا أى شىء ثمين إلا واضطررنا لبيعه حتى نقدر على مواصلة العيش، وبدأ مشوار العلاج، فى البداية سافرت برفقة والدى ثم لحقت بى أمى واثنان من أشقائى تاركين شقيقتنا الرابعة فى اليمن برفقة أقاربنا، بسبب ضعف إمكانياتنا المادية وعدم قدرتنا على تحصيل ثمن التذكرة الخاصة بها.
 
الجهود الذاتية هى السبيل الوحيد لإتمام مراحل علاج يوسف، خاصة مع تعثر والده ماديا بسبب الحرب فى اليمن: «فور مجيئنا لمصر أنفقنا كل ما كان بحوزتنا، قدمنا طلب لجوء فى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ولم نحصل على أى مساعدات سوى 600 جنيه لشراء ملابس، وتدخلت إحدى لجان رعاية الجرحى هنا فى مصر وخصصوا لنا مبلغا قيمته 3000 جنيه، تحصلنا عليها لفترة شهرين وتوقفوا فجأة ولا نعرف السبب، وحاليا نعتمد على المراسلات المالية من الأهل والأصدقاء داخل اليمن وخارجه لاستكمال العمليات الجراحية المقررة لى».
 
لم يتبخر حلم «يوسف» بدراسة مجال هندسة الطيران رغم ما حدث، فكل يوم تزداد الرغبة بداخله مع إيمان تام بقضاء الله وقدره: «أحلم بالعودة إلى اليمن ودراسة هندسة الطيران، ومنذ نشوب الحرب ونحن على إيمان تام بأن هناك تضحية ستقدم آجلا أو عاجلا لوطننا، والحمد لله وضعى أفضل من غيرى كثيرا، فقدت ساقا ولكن مازال لدى أخرى ويدان وعينان ونعم أخرى كثيرة، وفى الوقت الحالى أتمنى السفر إلى اليمن لإجراء آخر عملية جراحية لأنها مكلفة للغاية».
اللجنة الطبية فى تعز تعانى شح الإمكانيات
 
فكرى العبسى، القائم بأعمال رئيس اللجنة الطبية لجرحى تعز بالقاهرة والمسجل فيها 71 جريحا، يقول: هناك جرحى يتلقون العلاج وفقا لمنح مقدمة من اللجان الطبية، وآخرون على نفقتهم الخاصة أو يتكفل بهم فاعلو الخير، وتواجهنا مشاكل كثيرة خاصة فى حالة الجرحى المصابين فى العظام والمفاصل، لأن علاجهم يحتاج لأموال باهظة لفترات طويلة تصل إلى ستة أشهر، وهذا يمثل عبئا ماديا على اللجنة، خاصة أننا نحدد فترة زمنية لا تتجاوز الشهرين لتحمل نفقات علاج الحالات.
 
وأضاف: «بعيدا عن إصابات العظام هناك جرحى أصيبوا بأمراض سرطانية بسبب الشظايا السامة وتلوث الجروح واستغراق فترة طويلة بين وقوع الإصابة والسفر لتلقى العلاج، وهؤلاء بالتأكيد يحتاجون لفترات طويلة من العلاج، وفى هذه الحالة تراسل لجنة جرحى تعز فى القاهرة القائمين على اللجنة الرئيسية فى اليمن لتحمل نفقات شهور إضافية من العلاج، فيما عدا بعض الحالات التى تلزم اللجنة صاحبها للسفر إلى اليمن والحصول على موافقة من جديد لاستكمال العلاج بعد انقضاء المدة المقررة».
 
وتابع: هناك 27 ألف مصاب فى مدينة تعز ولجنة هناك مسؤولة عن 6000 حالة من بينهم 2600 ينتظرون العلاج فى الخارج، وكثيرا من المصابين تكون وجهتهم الأساسية لتلقى العلاج هى مصر فى مستشفيات حكومية وجامعية على الرغم من إمكانية السفر إلى الأردن أو تركيا أو الهند والسودان، ولكن تبقى الأولى هى الأنسب بالنسبة لنا، وهذا يرجع لعدة أسباب أولها الارتباط الوجدانى الموجود بين الشعب اليمنى ونظيره المصرى، إضافة إلى أن كثيرا من المواطنين اليمنيين تلقوا تعليمهم على أيدى أساتذة مصريين ووصلوا إلى أعلى المراكز بفضلهم، فمثلا كثير من الأطباء المعالجين لنا فى اليمن هم فى الأصل تلاميذ لأطباء كبار فى مصر هم المعالجون لنا الآن هنا.
 
نوع آخر من الإصابات خاص بالعيون والشبكية، ليس له علاج فى مصر، وفقا لحديث الأطباء للحالات، وهنا يضطر القائمون على اللجنة فى القاهرة، مراسلة المستشفيات الدولية واتخاذ الإجراءات اللازمة لسفر الحالة، «نراسل مستشفيات فى ألمانيا وكندا وغيرهما عندما تصادفنا حالة من الصعب علاجها فى مصر خاصة فى مجال العيون ونتحمل تكاليف علاجهم فى الخارج، وهذا يمثل عبئا ماليا آخر خاصة فى ظل ضعف الموارد المالية وكثرة عدد الجرحى الموجودين على قوائم الانتظار، ففى تعز هناك مناطق كثيرة مازالت تحت قبضة الحوثيين الذين ينهبون أموالها فى ظل شح الإمكانيات وتعطل المصارف والبنوك، فلا يبقى أمامنا سبيل كلجنة ترعى المصابين طبيا سوى انتظار الدعم المقدم من قبل وزارة المالية فى عدن على الرغم من قلته».
 
وعن المشاكل التى تواجه عمل اللجنة فى القاهرة يقول فكرى: «أوقات كثيرة يتأخر التحويل، ونلجأ إلى السفارة للاقتراض منها لعلاج الحالات العاجلة لحين إتمام عملية التحويل من اليمن، ولكن فى كل الأحوال نحن نقدم كل ما فى وسعنا لعلاج أهالينا المصابين».
 

«محمد» فقد يدا ويحمل السلاح باليد الأخرى

 
إصابة أخرى يروى تفاصيلها صاحبها محمد فتحى ابن الثلاثين عاما ومواليد مدينة تعز، والذى أصيب بقذيفة هاون 120 أحدثت قطعا فى يده وتطايرت شظاياها فى وجهه وفخذه، يقول: أنا واحد من شباب الثورة، فى اليمن كنت أعمل مهندس صوتيات، كنت المسؤول الأول عن المجال الصوتى داخل ساحة الحرية، أقوم بتركيب السماعات وضبط الأصوات، مكثت فى الساحة منذ 2011 واتخذتها معسكرا لى أحارب منه فساد النظام بشكل عام، وفى 2015 عندما أتى الحوثيون ودخلوا تعز كانوا يريدون دخول عدن، فى البداية خرجنا لهم سلميا نطالبهم بعدم الدخول ولكنهم قابلونا بضرب النار فأسقطوا من بين صفوفنا 11 شهيدا.
ويضيف: «اتفقت مع رفاقى على تشكيل لجان حماية، وحمل كل منا سلاحه الخاص للتصدى للحوثيين على الرغم من ضعف الإمكانيات وغياب الأسلحة الثقيلة ووقعت اشتباكات عنيفة بيننا وبينهم، ولكن استطعنا أن نحرر من قبضتهم أكثر من مكان، ظلت المطاردات وعمليات الكر والفر مستمرة حتى أصبحنا أمام آخر نقطة، أذكر أنه من قلة الأسلحة كنا نتبادلها بيننا فمثلا نقوم بتوزيع البندقية ثلاث مرات على مدار اليوم حتى جاء يوم 30 مايو 2015.
 
فى هذا اليوم وقعت إصابة محمد فتحى عندما توجه إلى خيمة الأسلحة بساحة الحرية، وأبلغ رفاقه برغبته فى أخذ قسط من الراحة حتى يقوى على مواصلة القتال مرة أخرى، ولكنه فوجئ أثناء جلوسه فى الخيمة بسقوط قذيفة هاون 120 إلى جواره فقُطعت يده وأصيب بشظايا فى الوجه ومنطقة الفخذ، وبعد مكوثه فى المستشفى لتلقى العلاج قرابة الشهر ونصف الشهر، غادر برفقة 16 جريحا إلى السعودية لاستكمال العلاج عبر بعض المؤسسات الخيرية هناك، وبعدها تواصل مع وزير الصحة اليمنى الذى أصدر بدوره قرار حصوله على منحة علاجية فى القاهرة.
 
«جئت لمصر بمفردى تاركا أسرتى فى اليمن حيث يقيمون فى مناطق يسيطر عليها الحوثيون، وذهبت لأكثر من طبيب فى القاهرة، وأجريت عمليات عدة لإصلاح الكسر فى منطقة الكتف والمفصل ووصلهما من جديد، والآن أقضى عامى الثالث هنا، ولكن بداخلى رغبة شديدة فى العودة إلى اليمن، لذا أدعو الله أن أتعافى سريعا لأرجع إلى الساحة حاملا سلاحى مرة أخرى حتى لو كان ثمن هذا حياتى، فلابد من استئصال هذه الفئة إلى الأبد، أتذكر مشهد انفصالى عن حبيبتى بعدما طلب منى أهلها أن أترك المقاومة، وخيرونى إما هى أو الثورة، فاخترت الأخيرة، فلا مجال للمقايضة على حب الوطن.
 
الدكتور عبدالفتاح التميمى، عضو لجنة مأرب لرعاية مصابى الحرب، يقول إن اللجنة سبق أن تعاقدت مع عدد من المستشفيات الحكومية والجامعية المصرية لتسهيل الخدمات العلاجية للجرحى، إضافة إلى أن لجنة مأرب تقدم كل أشكال الدعم المادى والمعنوى للمصابين لتلقى الرعاية اللازمة، إضافة لتوفير السكن والمواصلات.
 
وأشار التميمى إلى نوع الإصابات التى تتلقى الرعاية من قبل اللجنة التابعة لوزارة الدفاع اليمنية، قائلا: نرعى مرضى العظام والمخ والأعصاب والصدر والقلب والعيون، ولا تواجهنا أى عقبات فى عملنا والحكومة اليمنية تجتهد لتوفير الدعم المادى اللازم شهريا عبر سفارتنا فى القاهرة، ويوجد أكثر من 450 مصاب حرب يتلقى الدعم هنا.
 

الفقيه.. أحد أهم أسلحة المقاومة

 
طلق نارى فى مفصل الركبة كان أمرا كافيا لإبعاده عن المستشفى الميدانى التى قرر تخصيصها لعلاج مصابى الحرب، 10 إبريل 2016 تاريخ لن ينساه محمد الفقيه صاحب التسعة والعشرين عاما مواليد مدينة تعز أيضا، ومتخصص فى مجال التحاليل الطبية، عندما وقعت أصابته وأعاقته عن مواصلة عمله فى مجال المقاومة: «تركت عملى الخاص، أغلقت مختبرى فى مدينة تعز، وانضممت للمقاومة كرجل مقاتل، وبدلا من أن أحمل أدوات المختبر من «سرنجة وغيره» أمسكت بالسلاح وأسست أول مستشفى ميدانى لاستقبال الجرحى وإجراء الإسعافات الأولية اللازمة لهم، ولكن فى هذا اليوم تغير كل شىء، أُصَبتُ بطلق نارى فى مفصل الركبة وكانت ساقى مهددة بالبتر، وكنت فى حاجة للسفر خارج اليمن لتلقى العلاج، ولكن بسبب حصار مدينة تعز لم أتمكن من المغادرة فى الحال».
 
ويضيف: «واجهتنى مشكلة أخرى تتعلق بالجانب المالى، فلم يكن هناك تمويل حكومى لجرحى مدينة تعز سوى بعض المنح العلاجية، وبالتأكيد لا تكفى آلاف المصابين، لذلك بعت أثاث منزلى والمشغولات الذهبية الخاصة بأمى حتى السلاح الخاص بى، وتلقيت مساعدات من الزملاء، كل هذا لأتمكن من علاج نفسى، وبالفعل سافرت إلى القاهرة بعد فك الحصار وبدأت العلاج هنا منذ 9 أشهر».
 
غادر محمد الفقيه اليمن برفقة صديقه، تاركا أمه وأسرته، وأجرى فى القاهرة ثلاث عمليات على نفقته الخاصة، حتى تواصل مع اللجنة الطبية لجرحى تعز واستكمل ما تبقى، يقول: «الإمكانيات التى منحتها الحكومة اليمنية لمدينة تعز قليلة جدا، هم يعطون جرحى تعز الفتات، على الرغم من أن عدد الجرحى كبير جدا». مشاهد بعينها لن ينساها محمد الفقيه، فصور الأطفال والنساء القتلى جراء القصف العشوائى من قبل ميليشيات الحوثى مازالت عالقة بذهنه، إلى جانب استشهاد عدد كبير من أصدقائه وأقاربه، وكل ما يتمناه هو فقط العودة إلى اليمن واستكمال القتال.

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة