أكرم القصاص - علا الشافعي

أكرم القصاص

الرأى العام فى زمن التريند والهاشتاج والحوت الأزرق!

السبت، 21 أبريل 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما هو الموضوع الذى انشغلت به خلال الشهر الحالى، والقضية التى تراها أكثر أهمية من غيرها وأولى بالرعاية والمناقشة، هل تهتم بالمعاشات والأجور، أم تركز أكثر على تفاصيل أسعار الكهرباء والبنزين، هل تجذبك أخبار لعبة الحوت الأزرق، وعدد ضحاياها من الشباب، انتحر شاب من طنطا، ولحقته فتاة من الإسكندرية، وثالث من البحيرة، ورابعة من سوهاج قتلت أمها وشقيقها.. وهل تصدق فعلا أن يكون الحوت الأزرق وراء كل حالات الانتحار والقتل، أم تراها مجرد خدعة من خداع العصر الافتراضى؟ 
 
وإذا لم تكن تهتم بقضية الحوت الأزرق، هل تابعت الحرب فى سوريا، والصواريخ التى أطلقتها الطائرات، وهل دخلت فى مناقشة حول الاسم الصحيح للصاروخ الأمريكى، وهل هناك فرق لغوى يمكن أن يغير من نتائج الصراع على الأرض.. ومن سوريا لفلسطين قد يكون الواحد أكثر تركيزًا على قضية القضايا العربية، وربما لم يلتفت أحد إلى القمة العربية، التى انعقدت وانفضت من دون اهتمام كبير.. وكيف يمكن أن يرى الواحد منا ماطرحه وزير التعليم، الدكتور طارق شوقى، من مشروع لتطوير التعليم، والذى يمثل أحد أهم القضايا التى تتعلق بالمستقبل.
 
كل هذه قضايا تمثل أحد اهتمامات الرأى العام، لكنها تقريبًا كلها أو بعضها لم تشغل عالم التواصل الافتراضى كثيرا، وقد تكون شغلت بعض الناس بعض الوقت، ولم تشغل الباقين، وقد يكون الخلاف حول الجذر اللغوى للصاروخ، استغرق مساحة أكبر من القصف الصاروخى نفسه، لأنه يمثل إغراء لمن يخوضون عالم الدردشة، ويمنح إفيهات أكثر، حتى لو كان بلا أهمية تذكر.
 
«قضايا الرأى العام» وصف ساد لسنوات ليصف للقضايا التى تفرض نفسها على المجتمع، فى زمن الصحافة اليومية الورقية والتليفزيون، قبل عصر الفضائيات والمواقع الإخبارية وفيس بوك وتويتر وأدوات التواصل الاجتماعى. 
 
كان المقصود بقضايا الرأى العام الأحداث والقرارات الحكومية والسياسية، أو مناقشات مجلس الشعب أو الحوادث الكبرى قتل، أو سقوط عصابة، أو حريق ضخم، أو حرب إقليمية، أو مواجهات فى فلسطين مع الاحتلال.
 
 كانت مثل هذه الموضوعات تستغرق أيامًا أو أسابيع وتكون موضوعًا للنقاش والتعليقات للناس فى المقاهى والبيوت والمكاتب والحقول، لكن كل هذا تغير فى زمن «التريند». 
 
وإذا سألت ماهى قضايا الرأى العام التى تفرض نفسها هذه الأيام، لن تكون الإجابة واحدة، لأنها تتعلق بعدد كبير من القضايا قد تكون بعضها مهمة ومصيرية لشخص، وهامشية لشخص آخر.. وبعض القضايا الوهمية تبدو كأنها قضية مهمة، ومع الوقت تختفى كأن لم تكن.
 
ربما تكون قضية قانون معاشات الوزراء، الذى تمت مناقشته فى مجلس النواب، وأثار شجون أصحاب المعاشات والموظفين عموما، هو القضية الأبرز وربما يكون مشروع تطوير التعليم، الذى عرضه وزير التعليم طارق شوقى، أولى بالمناقشة.. وللمصادفة فإن القضيتين لم تحتلا التريند المعهود فى مواقع التواصل الاجتماعى وحلت مكانهما قضايا أخرى أعلى صوتا.. ولايمكن أن تكون قضايا رأى عام فى الوضع الطبيعى.. وتجد مثلا الجدل اللغوى العميق بين علماء اللغات والمصطلحات والسياسة وقل ولا تقل عن اسم الصاروخ الأرض أرض، وكيف انخرط بعض الناس فى هذه القضية، وبينما يتناقشون حول النطق السليم لاسم الصاروخ، كانت الصواريخ الأمريكية ضربت أهدافًا فى سوريا، على خلفية أفلام حول الكيماوى بدأت وانتهت مثلما انتهى النقاش اللغوى. 
 
هل يمكن اعتبار التريند تمثيلا للرأى العام؟، أم تمثيل اهتمامات مستخدمين يفعلون ذلك بشكل عفوى أحيانًا وموجه فى أحيان أخرى؟ 
قليلون هم من يمكنهم الاعتراف بأنهم لايعرفون، وهناك سيولة كبيرة فى البث والكلام والأخبار والشائعات وأنصاف الحقائق تتداخل وتتفاعل وتنتج حالة تأثير أغلبها لايصمد لأكثر من ساعات، وينتهى مفعولها مثل الكحول على الجلد.
 
لهذا يبدو الجدل حول «التريند أو الهاشتاج» أمرًا لا مجال له، لأنه جزء من أبجديات عصر تفرض نفسها، وأحيانًا ما تكون القضايا المهمة خارج الاهتمام لصالح قضايا سطحية، وتتصدر الموضوعات التافهة والمناقشات العبثية مساحات أكبر.. وهى أعراض زمنية وليس قواعد للتعامل مع الأحداث والقضايا.
 
العالم الافتراضى يفرض الدردشة، وتسلية الوقت، أكثر منه مكان للمناقشة والحوار بحثًا عن نقطة اتفاق وخلاف.. وليست دليل صحة أو خطأ.. فقط مؤشرات، لايمكن اعتبارها رأيًا عامًا.. بل إن كل شخص له قضية الرأى العام التى تخصه ويعتبرها القضية الأهم والأولى بالرعاية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة