مصنع فوسفات القصير.. بناه الإيطاليون ويتنازع حوله المصريون.. قرار من «الأصول غير المستغلة» يؤكد أنه أرض فارغة.. وجولة ميدانية لـ«اليوم السابع» تكشف احتواءه على 34 مبنى

السبت، 11 فبراير 2017 11:04 ص
مصنع فوسفات القصير.. بناه الإيطاليون ويتنازع حوله المصريون.. قرار من «الأصول غير المستغلة» يؤكد أنه أرض فارغة.. وجولة ميدانية لـ«اليوم السابع» تكشف احتواءه على 34 مبنى مصنع فوسفات القصير
كتب مصطفى عبد التواب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على شاطئ البحر فى مدينة القصير، أى ما يبعد عن القاهرة بمسافة تزيد على 500 كيلو، تصارع مدينة صناعية تاريخية للبقاء والهروب من الماضى إلى المستقبل، لكن جرة قلم وقعتها لجنة الأصول غير المستغلة قضت بتسليم هذه المدينة إلى محافظ البحر الأحمر لاستغلالها بدعوى أنها عبارة عن قطعة أرض خالية إلا من مبنى قديم متهالك.
 
«اليوم السابع» زارت المدينة الصغيرة لتجد هناك 38 مبنى قائما بالفعل ما بين مخازن ومكاتب إدارية بُنيت على الطراز الإيطالى عندما أُسست «الشركة المصرية لاستخراج وتجارة الفوسفات شركة مصرية إيطالية»، فى عام 1912، ثم انتقلت المدينة نفسها للعمل فى تجارة واستخراج الفوسفات عقب التأميم فى ستينيات القرن الماضى تحت اسم شركة البحر الأحمر للتعدين، حتى انتقلت لحوزة الشركة القابضة للتعدين التى قررت لاحقا فى عام 2000 إيقاف مهام معالجة الفوسفات فى المدينة والاكتفاء بالمهمة الأساسية التى أنشئت لأجلها كمدينة إدارية.
 
بداية التجول داخل المدينة الصناعية الصغيرة، كانت من أمام المبنى الإدارى الذى ينتشر بداخله عدد من مكاتب العاملين التابعين لشركة النصر للتعدين، وأقيم بمدخله متحف للطيور والحيوانات التى حنطها أحد المهندسين الطليان الذين عملوا فى هذا المكان منذ عام 1902، فى مقابل هذا المبنى هناك محطة توليد طاقة، وبحسب العاملين فى الشركة فإنها على وضع الاستعداد وجاهزة للتشغيل اعتمادا على الوقود، خلف هذا المبنى تنتشر الهناجر والمخازن التى بنيت على الطراز الإيطالى، الأمر الذى يشعرك بأنك فى إحدى المدن الإيطالية.
 
بين هذه المخازن ينتشر العاملون القادمون من فرع الشركة فى الحمروين لتحميل قطع الغيار ومستلزمات استخراج خام الفوسفات، بالقرب من شاطىء البحر هناك مطعم للعاملين بالشركة، وعلى بعد أمتار منه تقع مبنى كنيسة العذراء مريم، التى بناها الإيطاليون، يلحق بالكنيسة مبنيان هما بيت الراهبات والفندق التابع للكنسية، وبالفعل هناك قوات أمن تؤمن هذه المبانى الثلاثة كأى مبنى كنسى آخر فى أى مكان بمصر، على جانب الكنيسة والفندق يشون ما يقرب من مليون ونصف المليون من خام الفوسفات قليل الجودة الذى ينقل إلى الشركة بحسب الطلب.
 
على بعد أمتار من الكنيسة والفوسفات، هناك 3 مبانٍ تسكنها أسر العاملين، أمامهم جراج مخصص للحافلات التى تنقل العاملين بين المناجم المختلفة، وفى المنطقة بين مساكن الأسر والكنسية هناك المدرسة الإيطالية التى أسسها الإيطاليون لتعليم أبناء العاملين فى الشركة من المصريين لينضموا لاحقا للعمل فى الأعمال الإدارية، فى حين يقع بين المساكن والمخازن سابقة الذكر مبنى كبار الزوار المخصص لاستقبال المسؤولين الوافدين، وإلى جوار الفوسفات هناك طاحونة الخام التى تعد المبنى الوحيد المتوقف منذ عام 2000، نظرًا لأنها تضر بالبيئة، فضلا عن وجود بقايا تلفريك يربط بين المصنع وميناء القصير، لكنه أزيل فى وقت سابق.
 
كل ما سبق من مبانٍ ينتظر منذ عام 2000 العودة إلى العمل بكامل طاقته مجددا بعدما تقدم العاملون بالشركة بالكثير من طلبات التطوير، إلى أن زفت إليهم بشرى عزم الحكومة المصرية البدء فى مشروع المثلث الذهبى للارتقاء بمحافظات الصعيد ومحافظة البحر الأحمر، الذى يضم مدينة القصير، فى أغسطس عام 2015، وإمكانية الاستعانة بهذه المبانى كمبان إدارية للمشروع، لكن الفرحة لم تكتمل.
 
ففى يوليو الماضى اجتمعت لجنة الأصول غير المستغلة، وقررت أن المدينة الصغيرة هى عبارة عن أرض فضاء محاطة بسور على الجزء القبلى والجزء الغربى فقط، ويقع الجزء الشرقى منها على ساحل البحر الأحمر، والجزء الشمالى فضاء بدون سور، وأن كل هذه المساحة لا يتخللها إلا مبنى قديم متهالك، وأوكلت إلى محافظ البحر الأحمر بالتنسيق مع وزير قطاع الأعمال لمخاطبة شركة النصر للتعدين وإفادتها بحسب قطعة الأرض لانتفاء الغرض من تخصيصها، وذلك مقابل تخصيص قطعة أرض بديلة عن هذه القطعة.
 
ومنذ هذا الحين توالت صرخات العاملين فى المدينة إلى المحافظ تارة، وإلى رئيس مجلس الوزراء تارة أخرى، وإلى الشركة القابضة التابعة لوزير قطاع الأعمال أيضا، لكن لم يلتفت إليهم أحد، وبحسب كلام بهاء الدين أحمد حسن، مدير إدارة المساحة بشركة النصر للتعدين قطاع القصير والحمروين وسفاجا بمحافظة البحر الأحمر، لم تأت لجنة لدراسة الموقع على الطبيعة حتى اللحظة الحالية.
 
جولة «اليوم السابع» داخل المدينة، كشفت عكس ما جاء فى توصيات لجنة الأصوال غير المستغلة التى تشير إلى أن هذه الأرض لا يشغلها سوى مبنى وحيد متهالك، كما عبر أهالى القصير والعاملون بالشركة عن أحلامهم بأن يمتد جسر بين الماضى والمستقبل، ويخصص هذا المكان كمبنى إدارى لمشروع المثلث الذهب الذى يتبناه الرئيس السيسى والحكومة الحالية، نظرا لعراقة المبانى وعودتها إلى زمن بعيد مما يجعلها جزءا من تاريخ القصير، إلى جانب احتياج المشروع الجديد إلى مبنى إدارى بنفس عدد المبانى الموجودة داخل المدينة الصغيرة تقريبا.
 
وبحسب بيان صادر عن محافظة البحر الأحمر فى 16 نوفمبر 2016 فإن المشروع الذى فكر فيه المحافظ اللواء أحمد عبدالله، هو إنشاء مارينا جديدة على البحر الأحمر، وذلك أثناء زيارته للموقع برفقة اللواء يوسف الشاهد، رئيس مجلس مدينة القصير فى نوفمبر الماضى، أى بعد قرار لجنة الأصول غير المستغلة، علاوة على رغبته فى إقامة طريق على طول الشاطئ يربط بين شارع بورسعيد بمدينة القصير وطريق القصير سفاجا بالتحديد عن الكيلو 2.
 
لكن المهندس بهاء الدين أحمد حسن، مدير إدارة المساحة بشركة النصر للتعدين قطاع القصير والحمروين وسفاجا بمحافظة البحر الأحمر، اعترض على الفكرة، مشددا على أن الأرض يشغلها العديد من المبانى وتنتظر استغلالها كمقر إدارى لمشروع المثلث الذهبى بدلا من هدم المبانى وبناء أخرى، كما أن قطعة الأرض البديلة التى تفكر المحافظة فى تخصيصها للشركة بدلاً من هذه الأرض لا تصلح، مشددا: «لا نعارض اقتطاع قطعة الأرض التى تطل على البحر لإقامة الطريق، لكن إعادة استغلال هذا المكان يجب أن يكون بما يحقق مصلحة المحافظة وكذلك الشركة ويحافظ على المبانى التاريخية.
 
بهاء الدين أشار إلى أنه قام ومعه عدد من العاملين بالشركة بزيارة عضو مجلس إدارة شركة النصر للتعدين خالد الفقى بمكتبة بالقاهرة، وشرحوا له الوضع، وطالبوه بلجنة لفحص الموقع والاطلاع عليه، لكن كل الردود التى جاءت حتى اللحظة الحالية هى مخاطبات بتنفيذ قرار التسليم وهدم المبانى.
 
كما أكد رجب محمد عوض، مدير إدارة المتابعة ورئيس اللجنة النقابية بالشركة، أن قطعة الأرض تابعة للشركة منذ 100 عام، وأنهم لا يعارضون أن يتم تطويرها، لكن بما يحقق مصالح العاملين بها والشركة التابعة لها وأهالى القصير، وإن كانت المحافظة تريد أن تقيم مدينة سياحية فالبحر كله أمامها.
 
على مستوى أهالى القصير، فرئيس المدينة السابق محمد عبده حمدان، شدد على رفض فكرة تسليم الأرض، مؤكدا أن هدم التاريخ لا يحقق مصلحة مصر ولا أهالى القصير، وأن مصلحة الجميع تتحقق بأن يخصص المكان كموقع إدارى لمشروع المثلث الذهبى، ويجب على المحافظة أن تتعظ من فكرة الجرى خلف السياحة، فمنذ 2011 والأهالى الذين يرتزقون من السياحة لا يجدون مصادر للدخل، لهذا عليهم إلحاق المبنى كمبنى تاريخى يحقق تطلعات الرئيس السيسى فى مشروع المثلث الذهبى. الشيخ يحيى القويضى، خطيب أوقاف من أهالى القصير، استنكر الفكرة هو الآخر، مشددا على أن القصير ينتزع منها الدور التاريخى لها تدريجيا، حيث انتهى الدور العسكرى لها بعد الحرب التى شنها محمد على على الوهابية، ثم انتهى الدور التجارى لميناء القصير بعد اقتتاح قناة السويس، وعاد دور المدينة المهم عام 1902 بافتتاح شركة التعدين المصرية الإيطالية، والآن يسحب من الشركة المكانة الأخيرة لها على المستوى الاقتصادى.
 
خطابات الأهالى والعاملين بالموقع لم تتوقف منذ أن علموا بالقرار وتقرير لجنة الأصول غير المستغلة بسحب قطعة الأرض، البداية كانت بخطاب موجه إلى رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدينة، أكدوا خلاله أن الموقع المشار إليه ضمن قطاع مناجم الحمراوين بالبحر الأحمر، ومازلت الشركة تمارس أعمالها عليه، يشغل المساحة 23 مبنى، كما أن هذا المبنى صادر له 3 عقود إيجار أراضى تحمل أرقام 290 و360 و361 صادرة من الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية يتم تجديدها سنويا، كما تقوم الشركة بسداد الضرائب العقارية سنويا على هذه المبانى.
 
القرار الصادر بانتزاع الأرض شمل تعويض الشركة بأرض بديلة، لكن شركة النصر للتعدين فرع القصير والحمروين شكلت لجنة لمعاينة الأرض البديلة، أوصت فى النهاية بأن الموقع الذى طرحته المحافظة بديلا عن الأرض، يبعد عن القصير 22 كيلومترا، وأن الأرض غير مستوية ويتخللها مخرات سيول، ولا توجد بها عناصر البنية الأساسية من طرق وكهرباء ومياه واتصالات، وتحتاج إلى سنوات للتجهيز، كما ارتأت اللجنة استحالة الاستغناء عن موقع الشركة فى القصير، نظرا لما تحتويه من مبان ومنشآت للمعدات وقطع الغيار والأخشاب والخامات، فى مقابل ذلك لم تتوقف المحافظة عن مخاطبة الشركة لاستلام الأرض، للوقوف على أسباب القرار وتفاصيله حاولت «اليوم السابع» التواصل أكثر من مرة مع محافظ البحر الأحمر، ولكنه لم يرد على استفساراتنا، ولاتزال الجريدة فى انتظار رده حول مطالب الأهالى والعاملين فى المكان.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة