أكرم القصاص - علا الشافعي

عبد الفتاح عبد المنعم

هل نجحت الثقافة الفرنسية فى توجيه لطمة للثقافة الأمريكيه فى العالم العربى؟

السبت، 28 أكتوبر 2017 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أواصل قراءاتى للعلاقات المصرية الأمريكية فى جانبها التاريخى، وذلك استنادا إلى دائرة المعرفة الدولية خلال الألفية الثالثة، فتحت عنوان «الثقافة والقوة الناعمة.. حروب أفكار فى السياسة الخارجية»، وضع الباحث نزار الفراوى دراسة خطيرة نشرها «مركز برق للأبحاث والدراسات»، حيث تقول الدراسة إن وكالة التعليم الفرنسى بالخارج تسلتهم لوحدها أكثر من 56% من الاعتمادات الموجهة للدبلوماسية الثقافية، ليتوزع الباقى على مجمل الأنشطة الأدبية والفنية والتواصلية. إنها أزمة براديغم بالنسبة للبعض: فرنسا لم يعد بإمكانها الاعتماد على الوسائل العمومية من أجل تصدير ثقافتها وقيمها. والحاجة تغدو ملحة إلى آليات جديدة للتأثير خارج نطاق القنوات المعتادة عبر وزارتى الخارجية والثقافة. إنها دعوة إلى ثورة ثقافية تعطى مزيدا من أدوات العمل والانتشار للفنانين والفاعلين المباشرين على الميدان، استلهاماً للنموذج الأمريكى.
 
والحال أن اقتصاد الثقافة الفرنسى لا يوفر نفس الحوافز وأدوات الانتشار والإنتاج التى يتيحها النظام الأمريكى القائم على حيوية السوق والقدرة الهائلة للشركات الكبرى شبه الاحتكارية.
 
قلق كبير يسود أوساط صناعة القرار والدبلوماسيين والقادة، لأن التشخيص لا اختلاف عليه: فرنسا تخسر النقاط فى معركة الإشعاع الثقافى واللغوى. وهو ما يفسر استراتيجيا على أنه نزيف فى موارد القوة الشاملة التى تحدد التنافسية السياسية والاقتصادية لفرنسا فى عالم السباقات المحمومة.
 
ليس مستغربا أن تبرز فرنسا على واجهة التحرك الدولى المضاد فى مناهضة التوجهات النيوليبرالية الرامية إلى تحرير المبادلات الثقافية والفنية واعتبار المنتج الثقافى سلعة لا تخرج عن معايير السوق الحرة وقواعد منظمة التجارة العالمية المانعة لسياسات حماية المنتوج الوطنى. الدفاع عن العلامة الفرنسية وحشد الأصوات عبر العالم للالتفاف حول شعار «الاستثناء الثقافى» يشكل حرب بقاء بالنسبة لفرنسا.
 
بالنسبة للفرنسيين، العالم اكتشف وهم التبادل الثقافى لأن الحقيقة أنها هيمنة ثقافية، مادام الإنتاج الثقافى والفنى الفرنسى والأوروبى عامة لا يستطيع المنافسة فى البر الأمريكى، الذى يظل مستعصيا على الاختراق، خارج أحضان الشركات العملاقة المتمركزة فى أمريكا.
 
أما آخرون فيرون أن الاختلالات على هذا الصعيد فى تقهقهر النظام التعليمى الفرنسى الذى طالما جذب طلبة من مختلف بقاع العالم للدراسة فى جامعات باريس ومعاهدها، اليوم، أول جامعة فرنسية تحتل المرتبة 37 فى قائمة أفضل الجامعات.
 
فرنسا تعى أنها، وهى القوة ذات الحضور الثقافى الكاسح فى عدة بلدان منتمية إلى المدار الفرونكوفونى، تواجه هى الأخرى شراسة الهيمنة الثقافية الأمريكية. ولم يكن سرا أن فرنسا تصدرت قائمة البلدان التى رفعت شعار الاستثناء الثقافى فى منظمة التجارة العالمية والتعددية الثقافية ضد محاولة فرض نمط ثقافى موحد، فى إشارة إلى القوة الاختراقية والتسويقية الهائلة لمنتجات هوليوود وصناعة الموسيقى، وتسعى أمريكا إلى إقرار التجارة الحرة فى قطاع الفنون. 
 
طموحات المارد الصينى لا تخفى فى مراودته لحلم الريادة العالمية. منذ ثمانينيات القرن الماضى التى بدأت تتوالى خلالها معدلات نمو قياسية، أعلنت الصين قدومها إلى دائرة التنافس، من باب الحيوية الاقتصادية، إنتاجا وتجديدا وتسويقا. حتى الآن تقدم الصين نفسها كقوة غير مسلحة، ذات جيش قوى وباستثمار معقول فى بناء استراتيجيات عسكرية أمنية للمستقبل، تثير شكوك بعض الاستراتيجيين فى الغرب وخصوصا فى أمريكا، لكن يبقى هذا الوجه العسكرى الأقل بروزا بدرجات مقارنة مع وضع الصين كنموذج تنموى اقتصادى يتحدى الاقتصاديات الغربية التى اعتادت الصدارة.
 
لكن الصين، وقد راكمت على مدى سنوات النمو ما يتيح لها تمويل حركية تسويق جديدة، هذه المرة لمنتوجات رمزية تختلف عن مصنوعاتها رخيصة السعر، فإنها باتت تتقدم بخطى ثابتة وفى صمت على درب تصدير نموذجها الثقافى والترويج لمقوماتها التاريخية والأسطورية. تأكيد آخر من هذا البلد ذى التقاليد السياسية الخاصة، على جدلية العلاقة بين مكونات القوة الصلبة «بوجهها العسكرى والاقتصادى» والقوة الناعمة بمفرداتها الثقافية.
 
لم يعد مفهوم القوة الناعمة غريبا على القاموس السياسى الصينى. لقد أبرز التقرير السياسى للمؤتمر 16 للحزب الشيوعى الصينى عام 2002 أنه: «فى عالم اليوم، تشتبك الثقافة مع الاقتصاد والسياسة مما يبرهن على أنها تحتل مكانة أكبر ودور أكثر أهمية فى السباق من أجل نفوذ وطنى شامل». وفى اجتماع لإدارة تجمع الشؤون الخارجية، يوم 4 يناير 2006، قال رئيس الدولة والحزب هو جينتاو إن: «تزايد الدور الدولى لبلادنا وتأثيرها يفترض أن يتم التعبير عنه بقوة صلبة تتجسد فى المجال الاقتصادى والتكنولوجى والأمنى، كما بقوة ناعمة تمثلها الثقافة».
 
المفهوم ما فتئ يكرس حضورا ويكتسى اهتماما ملفتا فى الأدبيات الاستراتيجية والدراسات والمقالات الصحافية.
 
وإن كان جوزيف ناى هو المرجع الأكبر للمفهوم فى الأدبيات الأمريكية، فإن المنظر المرجعى للصينيين حول «القوة الناعمة» هو وانغ هانينغ، الذى جمع على غرار ناى بين البحث النظرى والممارسة المؤسساتية، حيث شغل منصبا قياديا فى الحزب الشيوعى. فمنذ 1993، أكد هانينغ أن الثقافة أهم قوة ناعمة للدولة.
يجرى الاعتقاد على نحو واسع فى الصين أن الثقافة التقليدية تشكل خزانا هائلا لتفعيل هذه القوة، من خلال جاذبية تياراتها الروحية والفلسفية القائمة على التأمل والانسجام والسلام الداخلى. وهى أبعاد تثير اهتمام مواطنى العالم المسحوقين بضغوط العالم المعاصر، والباحثين عن متنفس جديد خارج حدود الحداثة والعقلانية الغربية «يتبع».









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة