أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

الصحافة الورقية المصرية إلى زوال .. إلا إذا؟!

الثلاثاء، 10 يناير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ردود كثيرة وردت لى فى أعقاب ماكتبته هنا الأسبوع الماضى تحت عنوان (رحيل السفير اللبنانية يفجر الأسئلة الصعبة !)، وقد لاحظت أن معظم تلك الردود تصب فى خانة العناد والمكايدة للحقائق المرة، خاصة من جانب قيادت صحفية على رأس المؤسات القومية والذين عاتبونى مؤكدين أن الصحافة الورقية تعانى أزمة وجودية.. لكنها لن تموت أبدا، بل ذهب أغلبهم مغاليا بأنها ستظل واجهة الأوطان، رغم أن الواقع يكشر لنا أنيابه قائلا : أغلب المؤسسات القومية فى مصر خلال السنوات القليلة الماضية تعانى أمراضا مزمنة من أزمات عدة، بسبب التطور التكنولوجى وارتفاع أسعار الورق والمطابع، فضلا عن أزمات اقتصادية طاحنة ، ما أدى بالضرورة إلى تناقص أعداد التوزيع لعدد من الصحف التى اضطر بعضها إلى إغلاق أبوابها، وتسريح الصحفيين العاملين بها، أو التحول إلى مواقع إلكترونية دون إصدار نسخ ورقية.

لقد طرح مقالى السابق عددا من الأسئلة الصعبة التى استهجنتها تلك الردود، ولم يكلف أحد منهم نفسه ملامسة الواقع الموجود على الأرض، ويعترف بأن نسب توزيع الصحف المصرية تراجعت بصورة ملحوظة بحسب آخر إحصاء لعام 2015 ، ولم تكن أزمة التوزيع الوحيدة التى طالت الصحف المصرية الورقية بشقيها القومى والخاص ، ومن ثم لايمكن أن نفغل الأزمات المالية كانت السبب الرئيس فى إغلاق عدد من الصحف، وهو ما أرجعه عدد من خبراء الإعلام إلى أن الصحافة الإلكترونية ستكون بديلا للصحف الورقية خلال الفترة القادمة، متوقعين توقف عدد كبير من الصحف، خاصة المستقلة عن الإصدار فى وقت قريب، على عكس رؤية نقابة الصحفيين - على لسان نقيبها يحيى قلاش – الذى يقول: إن الصحافة الورقية لن تندثر، لكنها تعانى من بعض المشكلات فقط، وفى تصريحات خاصة لأحد المواقع الالكترونية العربية، أشار قلاش إلى أن انخفاض نسب توزيع الصحف الورقية وإغلاق بعض المؤسسات الصحفية ليس له علاقة بالتحول الإلكترونى للصحافة فى مصر أو الدول العربية، لكن الأزمات المالية العالمية كانت السبب الرئيس فى تراجع الصحافة المطبوعة، مؤكدا أن الصحافة الإلكترونية ليست بديًلا عن الصحف الورقية، لكنها تستهدف جمهورا محددا أغلبه من الشباب والباحثين عن الأخبار السريعة، وأن الصحف الورقية ما زالت تحتفظ بجمهورها ومتابعيه.

وهنا لابد لى أن أهمس فى أذن النقيب الورقي، منبها: أن نسبة الشباب الآن فى مصر تبلغ 65% من عدد السكان - تحت سن الثلاثين - وهؤلاء يستمدون أخبارهم ومعلوماتهم وثقافتهم من الفضاء الإلكتروني، وأظن أن هذا الرقم الصادم يؤكد أنه ليس جمهورا محدودا بحسب زعم تصريحاتك، بل يؤكد أنه مهما كافحت من أجل وضع تشريعات وقوانين لحماية حقوق الصحفيين عن طريق عقود العمل الموحدة وقوانين الصحافة والإعلام، فلن تنجح مساعيك فى مقاومة التكنولوجيا الزاحفة نحو تآكل ماتبقى من عصر الورق، وعليه فإن مستقبل الصحافة الورقية ياسيادة النقيب يرتبط بالمهنية التى تفتقر للإبداع فى غالبية مؤسساتنا القومية، وعدم قدرتها على التطور ومجاراة الصحافة الإلكترونية عن طريق الاهتمام بما وراء الخبر من تحليل ومتابعات وآراء.

الحقائق المرة تشير إلى أن مجمل الصحف الورقية الحالية انخفض توزيعها بشكل أكبر فى الوقت الراهن، فيما استطاعت بعض الصحف القومية توزيع قرابة المليون نسخة الأربعة عقود الأخيرة من القرن الماضي، ودعونا نعترف بأن سر تراجع الصحف الورقية هو افتقارها إلى التطور أمام المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إن الصحافة شهدت تطورا كبيرا خلال الفترة الماضية، بعد انضمام وسائل جديدة لنقل الخبر وعلى رأسها الهواتف النقالة، وبحسب الأكاديمى "د.محمود علم الدين" فإن بعض الصحف العالمية المطبوعة اكتفت بإصداراتها الإلكترونية، موضحًا أن عدد متابعى الصحف الورقية على مستوى العالم بلغ 2 مليار و700 مليون، فيما يبلغ عدد متابعى الصحافة الإلكترونية قرابة 3 مليار و200 مليون شخص على مستوى العالم.. إذن نحن فى أزمة حقيقية تحتاج إلى إيجاد حلول عاجلة تحول الوصول حافة الزوال.

أذكر أننى فى أثناء حضورى لدورة تدريبية عام 2009 بالولايات المتحدة الأمريكية حول "تطور صناعة الصحافة الإلكترونية" لاحظت أن مراكز الأبحاث الأمريكية آنذاك كانت ترجح انهيار الصحافة الورقية خلال 3 سنوات أى بحلول 2012، لكن الواقع خالف كل التوقعات بعد أقل من ستة أشهر ،كما لمسنا من زيارات على الطبيعة لكل من جريدتى "واشنطن بوست ونيويورك تايمز"، وبالفعل شهد عام 2009 إنهيار توزيع "الواشنطن بوست" الورقى إلى الثلث، مما اضطر الصحيفة العريقة إلى تسريح نصف محرريها تقريبا إيذانا بتحولها إلى العصر الالكترونى على جناح القصة الإخبارية المثيرة، مع الاحتفاظ بزاوية صغيرة جدا فى الطبعة الورقية - مليون وستمائة ألف نسخة - على سبيل تأريخ الأخبار بشكلها التقليدي، فيما شهدت نفس الفترة ارتفاع مؤشر جريدة "نيويورك تايمز" إلكترونيا إلى "22 مليون اشتراك" على "أيفون" وحده، جراء استيعاب إدارتها للزحف الالكترونيا القادم، حتى أن ناشرها قال لنا فى لقاء بمكتبه أنه لم يعد يلقى بالا بالطبعة الورقية.

فى النهاية يبدو لى أن الأمل الأخير والوحيد للصحافة الورقية التى أراها إلى زوال إلا إذا تحولت إلى التميز فى شكل الكتابة التى تناسب طبيعة الحياة المعاصرة، فيظل أكبر تدفق للصورة فى التاريخ، جراء الفعل الدرامى المأساوى الكبير فى حياتنا الحالية، بما تشهد من وقائع اغتيال الإنسانية التى تفوق الخيال، وهو الأمر الذى يحتاج لحس صحفى روائي، استنادا لقاعدة تولستوى فى كتابة أحداث الرواية: "دعنى أرى ماتراه" وهو مبدأ مهم أرسته جريدة "وول ستريت جورنال" فى تدريب كودارها الجديدة، ولابد من الاهتمام أكثر بالرأى والتحليل والمتابعة، وصناعة ملفات احترافية تمس حياة المواطن اليومية، لكن بعضا من هذا وليس كله يتطلب اختيار كوادر صحفية هذه المرة ، بحيث تكون واعية بحجم الكارثة التى تتربص بنا، كوادر مهنية تدرك حقيقة العصر، حتى يستطيع الورق منافسة الفضاء الإلكترونى الذى يمتاز بالانتشار السريع.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

نورهان

برافوووووووا

مقال رائع يا أستاذ

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة