أكرم القصاص - علا الشافعي

أحمد إبراهيم الشريف

حوادث القطارات.. ثقافة انتظار الموت

الجمعة، 09 سبتمبر 2016 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للصعيد تاريخ طويل وممتد ومتراكم فى كل شىء، لكنه مكرر وليس به جديد، فكل صباح يستيقظ الرجل الصعيدى ليقول لنفسه: «لا جديد تحت هذه الشمس الحارقة، المشكلات كما هى، البطالة كما هى، الحكومات تتجاهلنا، الحياة تضيق بنا، وحوادث القطارات أيضًا لا تتأخر عن موعدها، تأتى مع عيد الأضحى كل عام، حتى أنها تحدث فى المكان نفسه، فى العياط».
 
أعتقد أن وقع المفاجأة فى حادث القطار الذى وقع أمس الأول لم يكن على المستوى المتوقع عند كثير من الناس، وذلك لأنهم ملّوا من كل شىء حتى من كثرة البكاء على ضحاياهم، يأتى عيد الأضحى، ونصبح مهيئين تمامًا لتلقى نبأ حادث قطار الصعايدة القادمين من مدن الشمال، فالحكومة من جانبها لا تنسى أبدًا أن ترسل «عيدية» باكية للفقراء فى قراهم البعيدة التى لا يعرف أحد من المسؤولين أسماءها.
 
نظل بعد الحادث دائمًا نسأل من المخطئ الذى لم يقم بدوره، لكننا عادة لا نهتم بالضحية، نعتبره مجرد رقم «مصرع كذا وإصابة كذا»، ويخرج كل مسؤول ليبرئ نفسه أمام رؤسائه، ثم يحدثونك عن تعويضات هزيلة لمن لقوا مصرعهم وللمصابين، لكننا أبدًا لا نهتم لنعرف أن ذلك الذى لقى مصرعه كان أملًا لأهله ومستقبلًا لهم أو كان حائط صد لأبنائه أو كان عصا أبيه التى يتوكأ عليها، نظنه «نفرًا» كان يعمل فى القاهرة أو الإسكندرية، ومات فى حادث عابر فى الطريق، يحدث فى أى مكان، ولا راد لقضاء الله، لكن أن نسعى لنعرف أن هناك منزلًا فى قرية أصابه الحزن بدلًا من فرحة العيد فهذا ليس شأننا، لأننا لو عرفنا لفزعت قلوبنا وحينها لسارعنا بالقيام بدورنا، والاهتمام بأخطائنا، لكننا لا نريد أن نعرف ذلك، فقط نريد أن نظل نبحث عن مبرراتنا الوهمية لنحافظ على أماكننا المسمومة.
 
لا أريد أن أتحدث عن الصعيد، وكأنه المقصود بالإهمال، فمحافظات الوجه البحرى أيضًا تتعرض للكثير والكثير، لكن الحادث هو من فرض نفسه، وجعلنا نتذكر أحزان الصعايدة التى لا تنتهى، فقد تراكمت عليهم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الدولة أن تهتم بهم بشكل حقيقى، لا أن تتركهم عرضة لحوادث الطرق الكئيبة. وأقول إن أثر هذه الحوادث لو تعلمون عظيم، فهى تفقد الهمة وتضيّع العزيمة وتجعل الناس يشعرون بعدم الاهتمام بالحياة، لأنهم عندما يحسون بكونهم لا ثمن لهم لن تعود لديهم رغبة فى العمل والإنتاج، وكل ما أرجوه أن ينصت المسؤولون لأصوات الهزيمة التى تخرج من قطارات الفقراء الذين يتوقعون فى كل خطوة يخطونها كارثة، وفى كل محطة يصلونها أنها آخر ما يرونه فى هذه الدنيا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة