أولمبياد 2016.. الحكومة البرازيلية تهدم أحياء عشوائية وعلى المتضرر اللجوء للكنيسة.. المسئولون يدافعون عن الإخلاء القسرى.. والمواطنون مستاءون من ضياع منازلهم للأبد ويتهمون البطولة بإشاعة الخراب والنهب

السبت، 06 أغسطس 2016 07:40 م
أولمبياد 2016.. الحكومة البرازيلية تهدم أحياء عشوائية وعلى المتضرر اللجوء للكنيسة.. المسئولون يدافعون عن الإخلاء القسرى.. والمواطنون مستاءون من ضياع منازلهم للأبد ويتهمون البطولة بإشاعة الخراب والنهب أوليمبياد ريو
وكالات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شهدت ريو دى جانيرو افتتاح دورة الألعاب الأولمبية على ملعب "ماراكانا" فى حدث شاهده الملايين من المشاهدين حول العالم، وأبدى جميع من تابعوا الحدث انبهارهم بالجودة التى ظهر عليها الملعب، إلا أن أولمبياد البرازيل 2016 شهدت مشاكل لا تعد ولا تحصى قبل بدايتها حتى بعد حفل الافتتاح المبهر، فبعد سوء التنظيم والفوضى والمشاكل فى مقرات الإقامة ظهرت على السطح مشكلة المواطنين الذين سلبت حقوقهم من أجل بناء منشآت خاصة بالأولمبياد.

 

المتضررون يلجأون للنوم فى الكنيسة

ومن بين هؤلاء المواطنين الذين تضرروا من منشآت الأولمبياد كانت المرأة صاحبة الـ51 عامًا، ماريا دى بنها، التى عثرت على سكن لها فى أحد أجنحة الكنيسة، إلا أنها يجب أن تذهب إلى جيرانها من أجل الطبخ، لأنه لا يوجد لديها مطبخ بالطبع، وتقع حديقتها أو بالأحرى ما تبقى منها فى الجانب المقابل لها مباشرة.

وتذهب ماريا عبر منطقة مهجورة، حيث كان فى الماضى يقوم منزلها، الذى سكنت فيه مع عائلتها لمدّة 23 سنة، تُظهر شجيرات الطماطم المتيبسة أنّ حوض الخضار خاصّتها كان هنا فى يوم ما، ليبقى شاهداً على ذلك المنزل، وفى الثامن من مارس هدمت الجرافات منزل ماريا دون سابق إنذار، ماريا التى كانت قبل ذلك قد رفضت مبلغ التعويضات وجدت نفسها فى الشارع دون مأوى ودون أى أموال تساعدها.

 


أوليمبياد


كان من الواضح أن لا أحد يمكنه أن يبعد ماريا عن الحى التى عاشت فيه، وهو حى فيلا آوتودرومو، وهو أحد الأحياء العشوائية فى غرب ريو دى جانيرو، مباشرةً بجانب موقف السيارات الخاص بالأولمبياد.

رغم محاولات السلطات طردها من المكان، مُستخدمةً الترهيب تارةً والضرب تارةً أخرى، ما أى إلى كسر أنفها على يد رجال الشرطة عام 2015، إلا أنه بقى موطن ماريا حتى عندما امتلأ بمخلفات البناء والغبار وأنقاض المنازل المُهدّمة.


الأولمبياد هدمت أخلاق الحى قبل مبانيه



تقول ماريا إنّ حى فيلا آوتودرومو كان دائماً حيّاً مميزاً، قام قبل نحو ثلاثة عقود بالقرب من مضمار سباق غير قانوني، وسكن فيه حوالى 3000 شخص، حصلوا فى الثمانينات من القرن الماضى على حق الإقامة فيه، ما جعل الحى قانونياً.

وكان المكان فى السابق منطقة مستنقعات تبعد حوالى 40 كم عن وسط المدينة، أولى السكان التكافل بينهم أهميةً خاصّة، ما انعكس أيضاً على معدلات الجريمة، فقد كانت منخفضةً مقارنةً بكثير من الأحياء الفقيرة فى مدينة ريو دى جانيرو.

"كنا هنا كعائلة كبيرة"، تقول ماريا مُضيفةً: "كانت حياةً جميلةً، إلى أن بات علينا دفع ثمن استضافة الأولمبياد"، وتفرط عقد هذا الحى وانتشر فيه الخراب والسارقين وجماعات النهب.

فلقد وقع الاختيار على حى "بارا تيجيوكا" الذى تم انشاؤه فى فى ستينيات القرن الماضى للطبقة المتوسطة والواقع فى غرب المدينة، ليكون مكاناً مُهمّاً فى استضافة الأولمبياد.

لكن فى خضم الاستعداد لدورة الألعاب الأولمبية بات الحى معروفاً بعقاراته الفخمة، حيث وصفته السلطات بأنه "إرث" الأولمبياد بالنسبة لسكان المدينة، لكن لأى سكان؟.

قررت سلطات المدينة هدم حى فيلا آوتودرومو، الذى يتوسط بارا، وأغرت ساكنيه بتعويضات مالية مرتفعة أحياناً ومنخفضة أحياناً أخرى، لكن الحقيقة كانت هى الترحيل القسرى إلى حى آخر من المدينة، أمّا الذين امتنعوا عن الذهاب، فقد أصبحوا ضحية الحرب النفسية، حيث قامت السلطات أحياناً بقطع التيار الكهربائى عنهم، ووضع المخلفات مباشرةً أمام منازلهم أحياناً أخرى.

السكان يبحثون عن خطة بديلة



لم تتوقع السلطات فى مدينة ريو هذا النوع من المقاومة، إذ استند السكان الرافضون لقرار الهدم على حق بقائهم الذى أصدرته الحكومة قبل عقود، لذا سارعت السلطات للحصول على مساعدة مختصة، وبالتعاون مع منظمتين تنشطان فى التخطيط العمرانى وضعوا خطّة بديلة، نصت على إسكانهم فى أحياء سكنية أخرى من المدينة مقابل تركهم المنطقة.

سمى هذا المشروع الذى قدمه السكان للسلطات فى عام 2012، بـ"خطة الشعب"، وسمع السكان الكثير من الوعود، لكن ما قدم لهم فى نهاية المطاف تهديدات متكررة، عن ذلك تقول ماريا: " قالوا إنه لا يمكن لأى أحد أن يبقى هنا، ومن لا يخضع لهذه الشروط، فإنه سوف يخسر كل شيء".

جيزيلا تاناكا، وهى بروفيسورة فى قسم تخطيط المدن فى جامعة ريو دى جانيرو الفيدرالية، كانت إحدى الذين وقفوا إلى جانب السكان، وشاركت فى إعداد "خطة الشعب".

تقول جيزيلا: "كانت استراتيجية سلطات المدينة تقوم على تعويض بعض السكان بسخاء لإغرائهم بشقق جديدة".

وتضيف أستاذة التخطيط العمرانى بالقول: "وفيما بعد لم يمتلك ممثلو الحكومة فائضاً كثيراً من المال، فقالوا للسكان الآخرين: "خذوا هذا أو لن تحصلوا على شيء آخر"، وكانوا دائماً يتذرعون بحجج جديدة، وأضافت "كانوا أحياناً يتذرعون بسلامة البيئة، ومرة أخرى بتوسعة أحد الشوارع، وبالتالى يجب على السكان الإخلاء".

 

فقراء يتابعون افتتاح الأوليمبياد
 


وتوضح جيزيلا أنها شاركت فى تسعة اجتماعات، لم تفصح فيها السلطات عن الحقيقة كاملة، فعلى سبيل المثال توجب إخلاء أكثر من 40 منزلاً لإنشاء جسر للمشاة، "كنت على قناعة بأن هناك ثمة حل آخر".

ورغم هذه الخطة البديلة إلا أن كثيراً من السكان استسلم أمام الضغط والخوف من أن يخرجوا خالى الوفاض فغادروا الحى، ثمّ هُدمت منطقة واسعة من هذا الحى تصل إلى مسافة 60 كم.

الإخلاء القسرى دون سابق إنذار ودفاع الحكومة عن الهدم



عمدة مدينة ريو إدواردو بايس على قناعة بأن ما قامت به السلطات كان صحيحاً، ويقول فى هذا السياق: "كان ذلك إجراءً لوجستياً واحتجنا إلى هذه الوسائل"، معتبراً أن الضغط الذى مارسته المنظمات غير الحكومية من أجل حى فيلا آوتودرومو، هو ضغطٌ غير مبرر.

ويوضح عمدة المدينة بالقول: "لولا هذا الضغط لقام العديد من سكان الحى بإخلاء منازلهم طواعية، الأشخاص الذين غادروا الحى حصلوا على تعويضات، ولم نقم بإجبار أى أحد على الإخلاء".

ومن جانب آخر فإن من يستمع إلى حديث التاير أنتونيس جويمارايس الذى غادر الحي، سيرتاب بالضرورة بما قاله عمدة ريو دى جانيرو؛ صحيحٌ أن جويمارايس تلقّى تعويضاً سخياً يبلغ ثلاثمائة ألف يورو، يقول جويمارايس: "إنه مبلغ جى بالنسبة لي، لكن الإخلاء كان أبعد ما يكون عن السلمية".

ويتابع قائلاً: "حين قدموا من أجل هدم المنزل كنت على بعد ثلاث ساعات قيادة فى السيارة عن مدينة ريو دى جانيرو، حيث اتصل بى ابن أخى وأخبرنى أن منزلى قد هدم، وحين وصلت وجدت أن بيتى قد ذهب إلى الأبد".


فقراء يتابعون الأولمبياد


استأجر جويمارايس منزلاً فى حى آخر ليعيش فيه مع عائلته، ويبحث فى الوقت نفسه عن مسكن دائم جديد، ولم يستوعب حتى الآن أن يتم تجاهل حقه فى البقاء بهذا الشكل، وأن يقف بعد شهر فى فيلا آوتودرومو ينظر إلى تلك الأبنية الزجاجية العالية التى أُقيم فيها مركز وسائل الإعلام.

يُضيف جويمارايس قائلاً: "لقد جعلنى هذا حزيناً، والقضاة كانوا يميلون إلى العمدة أكثر من بقية المواطنين".

المُذنب من وجهة نظره هو العمدة بايس ومقاول البناء كارلوس كارفالو، إذ أن 75% من الأسباب تعود إليه، فهو من يقف وراء بناء المبانى الأوليمبية، ويتابع جويمارايس قائلاً:" كارفالو والعمدة كانا صديقين منذ زمن بعيد، وإن شركة البناء هى التى مولت حملته الانتخابية، لذا فهم يتعرضون لكثيرٍ من الانتقادات الحرجة".
 

الحكومة تتراجع أخيراً لكن بعد فوات الآوان


وتحت الضغط الإعلامى تنازل أخيراً عمدة ريو دى جانيرو وقدم اقتراحاً للتسوية فى مارس الماضى، ينص على السماح لـ22 عائلة بالبقاء، من بينهم عائلة ماريا دى بنها، التى كان لديها وقت إصدار التسوى مزيج من المشاعر المختلطة، حيث قالت:" من جهة شعرت أننى انتصرت، لأنه يمكننى البقاء، ومن جهة أخرى أشعر بالحزن لأننا كنا هنا 583 عائلة والحياة كانت رائعة، بالطبع تعرف ماريا أنّ هذه الحياة لن تعود مرة أخرى".

وتضيف ماريا قائلةً: "أستيقظ ليلاً بسبب آلامٍ فى حلقى نتيجة غبار البناء، غالباً ما كنت أعانى ضيقاى فى التنفس، ولكن لم يعرض أحد على المساعدة الطبية، إنه لا يهم مهما حدث، فالمهم بالنسبة لى هو أن أبقى فى بيتى ولا أغادره".










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة