أكرم القصاص - علا الشافعي

د. محمد على يوسف

أهم يقسمون رحمة ربك

الجمعة، 22 يوليو 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتظنون أن يدخل الفقراء الجنة معنا؟! تفتكروا يكونوا زيهم زينا كدة ما فيش فرق بيننا ؟! مستحيل طبعا.. الجنة دى للعلماء أمثالنا ولو الفقراء دخلوها فلكى يكنسوها وينظفوها لنا !!

كانت هذه الكلمات الحادة فى وقاحتها وجرأتها وتأليها على الله هى ما فاجأنا به ذلك العالم المخضرم والذى قرر تشريفنا أيام الدراسة الجامعية بمحاضرة قيمة أبهرنا خلالها فعلا بعلمه الغزير وسعة اطلاعه وقدرته على عرض المعلومات الطبية المعقدة بطريقة سهلة ممتعة. الحق يقال؛ الرجل بالفعل كان رائدا فى مجاله وكان يعد فى تلك الأيام من أهم علماء تخصصه وكان تمكنه يظهر فى كل لحظة من محاضرته، لكن تلك الكلمات الأخيرة التى ختم بها المحاضرة وهو يرقب بتفاخر أعيننا عديمة الخبرة والمنبهرة بعلمه، كانت كلمات صادمة حقا! أيمكن للعلم أو للترقى فى أى من أبواب الدنيا أن يصل بالإنسان لهذه الدرجة من الكبر والتى تجعله يتصور أن من حقه تقسيم الخلق كيف يشاء بهذه الجرأة ؟!

"وقالوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ" هكذا تساءل المشركون معترضين على نزول القرآن على النبى محمد صلى الله عليه وسلم وهل كانت هذه هى المشكلة ؟ هل كانت كل قضيتهم أنه ليس من زعماء المجتمع أو من عظماء ماديتهم السطحية؟! والأهم.. هل هم من يقررون ويقسمون رحمة الله ؟! أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ" نفس المنطق المريض فى كل زمان ومكان، منطق الحكم من خلال الظاهر، حكم يرسخه نمط من الخلق لا يلتفت انتباهه إلا للمظاهر المبهرة ولا ينجذب بصره إلا لزينة براقة أو زخرف لامع، قوم يقيسون الحق والباطل فقط من خلال مقياس العظمة الدنيوية والمكانة المادية والمنصب الضخم والنسب الفخم والثراء الفاحش والنعيم الزائل، إنه النمط الذى تبهره زينة قارون وقوة عاد وعلو النمرود، النمط الذى يستخفه فرعون ومنطقه المعروض فى نفس السورة "الزخرف" إذ ينادى ويقول: يا قوم أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِن تَحْتِى هذا هو ما أرادهم أن ينتبهوا إليه ثم سألهم أَفَلا تُبْصِرُونَ، هو إذاً ترسيخ للحكم البصرى المظهرى والتقييم القائم على أساس الرؤية الخارجية والمقاييس المادية وحسب..لذلك كان القياس الذى ظنه فرعون منطقيا "أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِى عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أو جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِين" لقد قاس على نفس المعيار الذى ينبهر به خفيفو العقول فى كل زمان، معيار المظهر الخارجى وزخرف الفعل والقول ومن يقيس على هذا الأساس يستحق بجدارة أن يتسلط عليه فرعون وأمثاله فهم ممن قال الله فيهم فى السورة نفسها: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ. قوم فاسقون بمعيارهم الفاسد وحكمهم المنقوص وتصورهم المريض الذى هيأ لهم ولأمثالهم أنهم يقسمون رحمة ربك يعطونها لمن أعجبهم ويمنعونها من حقروه ولم تبهرهم زينته وتخطف أبصارهم لمعة نسبه ومكانته.

وبنفس الفكر وصل صاحب الجنتين الذى ذكر الله قصته فى سورة الكهف إلى تلك القناعة الغريبة والمعتقد البشع حين أعجبته ثروته وأسكرته جنته فدخلها وهو ظالم لنفسه وقالَ "مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّى لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا" من أين عرف ذلك وكيف وصل إلى هذا المعتقد؟!

الإجابة ببساطة هى نفس الاغترار بالمظهر الزائف والزخرف الزائل وما يفعله بالنفس من استكبار وغى، ومن هنا أيضا أقسم بعض أهل النار يوما أن لن ينال الطائعون رحمة " وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ"، ولقد نسى أو تناسوا أن الله هو من قسم بين الناس معيشتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات وأن.. "رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".












مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة