أحمد إبراهيم الشريف

«صلاة تشرنوبل» «2»

الأحد، 26 يونيو 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- حكايات الموت والحب الحاصلة على نوبل


«عشنا على مقربة من مفاعل تشرنوبل، كنت أعمل فى مخبز، أصنع الفطائر، كان زوجى رجل إطفاء، تزوجنا لتونا، نشبك أيدينا حتى ونحن فى طريقنا إلى المتجر، يوم انفجار المفاعل، كان زوجى فى عمله فى مركز الإطفاء، تلقوا الاستغاثة وهم فى ملابسهم العادية، حدث انفجار فى محطة الطاقة الذرية، ولم تتح لهم أى ملابس خاصة.. هكذا كانت حياتنا.. قضوا الليل بطوله فى مواجهة النار، واستقبلوا جرعات إشعاع ضد الحياة، تم نقلهم فى الصباح التالى رأسًا إلى موسكو، مرض إشعاعى خطر.. لن تعيش أكثر من بضعة أسابيع.. كان زوجى قويًا، رياضيًا، وكان آخر من مات، عندما ذهبت إلى موسكو أخبرونى بأنه فى غرفة عزل خاصة، وأن الزيارة ممنوعة، قلت متوسلة: لكننى أحبه، يرعاهم الجنود.. أين تظنين نفسك ذاهبة؟.. أحبه، وفى محاولة لإثنائى قالوا: «لم يعد الرجل الذى تحبينه، هو الآن شىء يستوجب التطهير، أفهمت؟»، كررت عليها نفسى العبارة مرارًا وتكرارًا: أحبه أحبه.

فى الليل تسلقت سلم الحريق لرؤيته، وأسأل حراس الليل، أدفع لهم ليسمحوا لى بالدخول، لم أتخل عنه، كنت بجواره حتى النهاية، وفى غضون شهور بعد رحيله، أنجبت طفلة، لكن حياتها لم تدم سوى أيام، كانت سعادتنا غامرة بقدومها، لكنى قتلتها، امتصت كل الإشعاع.. كانت صغيرة جدًا، دقيقة الحجم، أحببتهما كليهما، هل فى الإمكان أن تقتل بحب، لماذا الحب والموت قريبان هكذا؟، يأتيان دومًا معًا، من يمكنه شرح هذا؟».

هذا جانب من إحدى حكايات ضحايا مفاعل تشرنوبل الشهير الذى انفجر سنة 1986، كما ورد فى كتاب «صلاة تشرنوبل» للكاتبة البيلاروسية الكبيرة سفيتلانا أليكسييفيتش، الصادرة ترجمته حديثًا عن دار مصر العربية، ترجمة المتميز أحمد صلاح الدين، وما قرأناه فى مقدمة المقالة هو جزء من حكاية لودميلا أيجناتينكا، زوجة رجل الإطفاء الراحل فاسيلى أيجناتينكا، والتى تقول فى وصف ما حدث، وما أصاب زوجها الذى استدعوه لإطفاء الحريق: «لم أر الانفجار نفسه، رأيت ألسنة اللهب فقط، ملأ الوهج المكان، صفحة السماء بالكامل، لهب إلى حد السماء، دخان أسود، حرارة رهيبة.. يمر الوقت ولا أثر له، كان الدخان الأسود بفعل احتراق الأسفلت الذى طلى به سقف المحطة.. تذكر بعدها أنهم كانوا يمشون فوق شىء كالقطران، ورغم محاولاتهم إخماد النار، فإن النار واصلت زحفها.. ارتفعت.. دفعوا الجرافيت الملتهب بأرجلهم.. خرجوا فى مهمة إخماد الحريق دون أرديتهم المطاطية الواقية، ذهبوا بقمصانهم التى كانوا يرتدونها.. استدعوهم كما يفعلون عند حدوث حريق عادى، لم يحذرهم أحد من طبيعة الحريق.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة