حــســـن زايــــــــد يكتب: لـمـاذا تـفـجــير ســـوريـا؟

الإثنين، 09 مايو 2016 06:00 م
حــســـن زايــــــــد يكتب: لـمـاذا تـفـجــير ســـوريـا؟ أحداث حلب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل أن نفقد الذاكرة، ونفقد معها الوعى، لابد لنا من تساؤل أظنه مشروعاً فى غمرة الأحداث الراهنة، وهو: لماذا تفجير سورية ؟. وهل ما يحدث فى ربوعها، ثورة على النظام حقاً، أم هو تفجير من الداخل تفجيراً ذاتياً ؟. وبعيداً عن نظرية المؤامرة ـ التى أصبح الحديث عنها نقيصة فى كل من يحاول الإقتراب من حقائق الأشياء ـ لابد من الرجوع قليلاً إلى الخلف، إلى التاريخ القريب. وننظر فيما يحدث اليوم بمنظار ما حدث بالأمس، ثم ننظر إن كان الأمر ينطوى على مؤامرة من عدمه. دعك من قول القائل بأن ما يحدث فى مصر وسورية ما هو إلا تأديب وتهذيب لهما على حرب اكتوبر، فربما بَدَا هذا التصور بعيداً، وإن كان غير مستبعد، ويدخل فى إطار التفكير التآمرى المرفوض من بعضنا. ودعك من ارتباط ذلك باتفاقية السلام بين مصر واسرائيل، والتى تسببت فى تكتل العرب ـ على ما بينهم من انقسام وتفتت وتشرذم ـ فيما أطلق عليه جبهة الصمود والتصدى، ولم يكن الصمود والتصدى لمصر، وإنما للسياسة الأمريكية فى المنطقة، والتى سعت لفرض السلام على المنطقة لصالح ربيبتها اسرائيل. وفى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، كانت الحرب الباردة بين القوتين العظميين قد وضعت أوزارها، بانهيار الإتحاد السوفيتى من الداخل. ووضعت الحرب العراقية / الإيرانية ـ بعد أن أنهكت العراق والدول العربية المساعدة إنهاكاً شديداً، فى حرب عبثية بين المسلمين.ـ ودخلت سوريه على قائمة الإرهاب باتهامها بالتورط فى قضية لوكيربى 1988 م. وبذا قد تهيأ مسرح الأحداث لدخول اللاعب الأمريكى منفرداً، وهو مطمئن ألا منافس أو منازع له فى وجوده، كى يكون وصياً على المنطقة.

وقد أعطت أمريكا لصدام الضوء الأخضر لغزو الكويت، فقام باجتياحها فى أغسطس 1990 م. ومع اجتياح الكويت جرى اجتياح امور كثيرة، على المستوى العربى / العربى، وعلى المستوى العربى / الدولى. وسارعت أمريكا بتشكيل ما أطلق عليه التحالف الدولى لتحرير الكويت. واندلعت حرب الخليج الثانية 1991م، على اعتبار أن الحرب العراقية / الإيرانية هى حرب الخليج الأولى. وقد أفضت هذه الحرب إلى شروخ عميقة فى العلاقات العربية / العربية، إلى حد وأد الحد الأدنى من التضامن العربى. وكانت تلك هى الفرصة التاريخية، التى اهتبلها الأمريكان، لفرض الوصاية الكاملة على المنطقة العربية دون منازع. وقد قسمت هذه الحرب العرب إلى دول موالية مهادنة، ودول رافضة ممانعة. وكانت سوريا من دول الرفض والممانعة. وبالقطع كانت العراق ـ بحربها وحصارها ـ قد خرجت من سجلات الحسابات العربية، ومن التاريخ العربى كذلك.

وكانت لأمريكا مشاريعها فى المنطقة، يأتى على رأسها مشروع سلام بمواصفات أمريكية، بين العرب وإسرائيل، والسيطرة على منابع البترول مباشرة، بإيجاد قواعد عسكرية بجوارها، لعدم السماح بقطع البترول مرة أخرى أمريكا أو الغرب، على غرار ما حدث إبان حرب اكتوبر. وقد بدأ مشروع السلام بتجميع الأطراف المتنازعة، لمحادثات مباشرة فى مؤتمر دولى. وقد كانت سورية هى الطرف الأصعب فى الإقناع، لعدم الثقة ـ وحالة التوتر ـ بينها وبين أمريكا، ولإدراج الأخيرة للأولى على قائمة الدول الداعمة للإرهاب. ولذا بذل المفاوض الأمريكى، جهوداً استثنائية مرهقة، لإقناع سورية بالمشاركة.

أبدت سورية موافقة مشروطة، بأن يكون المؤتمر دولياً، تحت رعاية أمريكية / سوفيتية، ويضمنان معاً كل نتائجه، ويبقى المؤتمر فى حالة انعقاد دائم، وأن يكون تحت رعاية الأمم المتحدة. وإقناع أمريكا لسورية، بالدخول فى مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، يعنى ببساطة تغير موازين القوى فى المنطقة، وفى العالم، لصالح أمريكا، وإدراك القيادة السورية ـ والقيادات العربية ـ لهذه الحقيقة. فكان مؤتمر مدريد اكتوبر 1991م، الذى فشل فى التوصل إلى اتفاقية شاملة للصلح بين سورية واسرائيل. وظلت سورية من الدول الراعية للإرهاب، رغم أن التحقيقات قد أثبتت براءتها فى قضية لوكيربى. ومن هنا ظلت العلاقات بين البلدين ـ أمريكا وسورية ـ متوترة ومشدودة، مع حرص من الإدارة الأمريكية على عدم إيصال العلاقة إلى نقطة المواجهة أو اللاعودة. وترجع حالة التوتر فى العلاقة إلى: الانحياز الأمريكى المطلق لإسرائيل، واستمرار أمريكا فى اتهام سورية بدعم ورعاية الإرهاب، بالإضافة إلى فشل مؤتمر مدريد. وقد شن الأسد هجوماً ضارياً على أمريكا فى خطابه بمجلس الشعب فى مارس 1992 م، متهما إياها بالسعى لمد اسرائيل بالأموال والتكنولوجيا، وحرمان العرب من السلاح لإجبارهم على الاستسلام. وقد أدانت سورية فرض منطقة الحظر الجوى على جنوب العراق. وقد تكرر الفشل الأمريكى بتقريب وجهات النظرـ أو فرض السلام ـ بين سورية وإسرائيل عدة مرات. ثم بدأت واشنطن فى ممارسة الضغوط على سورية، باشتراط تحقيق السلام لرفع اسمها من قائمة رعاية ودعم الإرهاب، وما يترتب على ذلك من الحرمان من المساعدات. والضغط على الأرجنتين ؛ لإفشال بناء مفاعل ذرى للأبحاث فى سورية. وممارسة الضغط على روسيا، فيما يتعلق بمد سورية بأسلحة متطورة. وإثارة مسألة الوجود السورى فى لبنان. وبعد أن تأكد لأمريكا فشل سياسة الإحتواء، إلتجأت إلى سياسة الردع. وقد ساعد أمريكا فى التحول إلى سياسة الردع، أحداث 11 سبتمبر 2001 م. ورغم إدانة سورية للحادث، وتقديمها معلومات استخباراتية لأمريكا، إلا أن كل ذلك لم يحل ـ ولم يشفع ـ دون وضع سورية ضمن الدول المستهدفة، باعتبارها مدرجة على قائمة الدول الراعية والداعمة للإرهاب. ومتهمة بإيواء وتسليح جماعات وأحزاب وفصائل مسلحة، وموضوعة على قوائم الإرهاب كحماس وحزب الله. وأصبح العمل العسكرى ضد سورية غير مستبعد. ومع انتهاء الغزو الأمريكى لأفغانستان، وبدء التجهيز لغزو العراق، أعلنت سوريا رفضها العلنى للغزو، وللمخططات الأمريكية للمنطقة، مما حدا بالإدارة الأمريكية إلى تهديد سورية بفرض عقوبات عليها لإيوائها عناصر إرهابية، ووجودها العسكرى فى لبنان، وتعاونها مع العراق، وسعيها لتطوير أسلحة دمار شامل. وفى المقابل وقفت سوريا فى سبيل استصدار قرار من مجلس الأمن ـ باعتبارها عضواً غير دائم ـ يجيز استخدام القوة ضد العراق. وبعد احتلال العراق، تحولت المواجهة إلى عداء سافر، ومواجهة مفتوحة، على كل الإحتمالات. وما فتئت الإدارة الأمريكية تكيل الاتهامات، إلى النظام السورى، مصحوبة بالتهديدات، بل وبفرض العقوبات. كل ما تقدم وقائع تاريخية ثابتة، فهل يمكن معها القول بانعدام فكرة المؤامرة ؟. ربما يكون ما يحدث فى سورية ثورة، ولكنها ثورة ليست بعيدة عن هذه الأحداث، وتلك الأصابع، وهاتيك الأيادى التى تمول وتسلح وتدرب وترسل وتعاون لوجستياً، حتى يتم تفجير سوريا من الداخل، فى إطار ذلك الربيع العربى الدامى، الذى بذرت فيه الأشلاء والجماجم، لتنبت لنا زهور الدم والدمار والخرائب، ولا يبقى لنا من أوطاننا سوى تلك الخريطة الورقية القديمة، التى يتقدمها الفعل الناسخ " كان ". كانت لنا أوطان. فهل آن الأوان كى نستفيق من الغيبوبة حكاماً ومحكومين ؟ !








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة