إيمان رفعت المحجوب

لأن تعلمنى الصيد خيرٌ من أن تعطينى سمكة

الأربعاء، 20 أبريل 2016 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تفاءلت جدًا بزيارة هولاند وتمنيت أن يكون للتعليم النصيب الأعظم فى التعاون الفرنسى المصرى، اختارت الطفلة ذات الخمس سنوات أن تؤدى فى الحفل المدرسى دور أمير الكوابيس (le prince des cauchemars)، وهو الشخصية التى تنكر فيها "تومى" الساكن الوحيد لكوكب "القذارة" فى القصة الفرنسية التى تدرس للصف الثانى قبل الابتدائى.

بابو" بطلة القصة الخيالية، التى بدأت بأن القت ورقة الحلوى على الأرض فناداها منادٍ من بعيد يستنكر هذه الفعلة ثم يأخذها هذا المنادى فى رحلة لعدة كواكب وهمية ليريها نهاية الاستهتار بالبيئة، فتتكشف لها من خلال رحلتها معاناة أطفال كل كوكب فى إسقاط على حال العالم من تلوث وكوارث وحروب وما يترتب عليه من معاناة الأطفال، تكون أولى رحلاتها لكوكب مهجور لا حياة فيه، هواؤه خانق معبأ بدخان كريه الرائحة، يعيش فيه "تومى" البطل وحيدًا، حياته يقضيها فى حجرة مغلقة مع الحاسوب، يُصَنِّع عن طريقة كل شىء فى دنياه وأى شىء، ولكن كلها أشياء جامدة لا حياة فيها، حتى الزهور والحيوانات كلها بلاستيك، وكلها عبارة عن نسخ متشابهة، وحين سألته "بابو" عن أصدقائه لم يفهم أساسًا ما معنى كلمة أصدقاء!

تذهب "بابو" لكوكب آخر فتجد نهرًا حوله أطفال كثيرون لا يصنعون شيئًا يتأملون النهر وكأنهم نيام ولكن مفتوحو الأعين فتسألهم هل يحلمون؟ فيجيبونها نعم، فتسأل ما حلمهم؟ فيقولون شربة ماء لأنهم عطشى ثم أن يستحموا فى النهر كى تصبح أبدانهم نظيفة ويحسن مظهرهم، فتتعجب أن يكون حلمهم الماء وأمامهم نهر! لينزلوه وليشربوا منه ما يريدون! فيخبرونها أنهم لا يمكن أن يقربوه فمياهه ملوثة! ثم تكمل "بابو" رحلتها إلى كوكب آخر فتجد فيه الأطفال والنساء يهرعون تاركين منازلهم وكل ما لهم من ورائهم يتملكهم الرعب ممن يريدون قتلهم بأسلحة صنعت فى أغلب الظن فى الكوكب الأول! تستوقف أحد الأطفال الراكضين لتسأله عن حلمه فيجيبها أن حلمه أن يطير كى يذهب إلى مكان آخر بعيد! ثم تذهب "بابو" لكوكب رابع تصفه بأنه كوكب المتناقضات، حريق ورجال إطفاء فى كل مكان ووسط هذا الخراب أناس يحتفلون فى حفل تنكرى صاخب ببهو قصر ضخم تكاد أضواؤه ترى وموسيقاه تسمع من آخر الكوكب، الكل فيه يراقص بعض إلا "أمير الكوابيس" الذى حضر ولا يقبل أحد مراقصته لأنه يتنكر فى زى شيطان يضع رأس وحش! تدخل "بابو" فى زى الأميرة فتجد "أمير الكوابيس" وقد إطار عقله الغضب فأعلن عليهم الحرب وطاح فى كل شىء كى يفسد الحفل يقلب الطاولات فى الأرض ويلقى بالطعام وبالزهور من النوافذ أدركت "بابو" أن "أمير الكوابيس" هو نفسه "تومى" الذى أتى من أسوأ الكواكب وسبب الكوارث، اقتربت منه وقدمت له زهرة ليكتشف فجأة أن الفرق كبير بين رائحة وملمس تلك الزهرة الطبيعية الحية والزهور التى يصنعها وأنه خسر الكثير حين خسر الحياة الحقيقية وابتعد عن الأصدقاء !!

هكذا انتهت رحلة "بابو" إلى الكواكب وفور عودتها لموطنها قررت أن تنقل كل ما رأت من معاناة الأطفال لرؤساء العالم لأنه لا يجوز أن تتحمل الطفولة ويلات الجوع والعطش والتلوث والحروب وحرمان الأوطان وأن عليهم جميعًا أن يتكاتفوا فى سبيل الحفاظ على البيئة وعدم العزلة عن العالم والحفاظ على العلاقات الطيبة مع الناس ونشر المحبة والسلام وإنهاء الحروب لإنقاذ الأطفال الذين يدفعون الثمن ويعانون فى كل مكان.

أشفقت على الطفلة من عمق القصة فهل يستوعب عقلها الصغير كل هذه المعانى وهذا الكم من المعلومات؟ الخير والشر وكل مشاكل البشرية؟
لا أدرى لماذا اختارت الصغيرة أن تكون (أمير الكوابيس le prince des cauchemars) ؟ ظلمتِ نفسك صغيرتى أم أننا نحن من ظلمك وظلم أطفالنا بأنظمة تعليمية خارج العصر؟ ألا يستحق منا هذا مراجعة مناهجنا؟
ربما تصادف ميعاد هذه المسرحية وتوقيت زيارة هولاند كى نتذكر أن أهم ما يجب أن يكون فى التعاون الفرنسى المصرى هو التعاون العلمى والثقافى فهل تتصورون أن هذه رواية تدرس فى مدارس فرنسا بكل ما فيها من معانى لأطفال دون المرحلة الابتدائية! أما آن الأوان أن يدرس أطفال مصر كما يدرس أطفال العالم؟ فينشأ أطفالنا فى وعى تام بقضايا عصرهم ويتربون على تجنب الوقوع فى نفس الأخطاء وتتفتح آفاقهم على الآخرين ويدركون أن العالم ليس لهم وحدهم وأنه قد يصل أبعد من السماوات والكواكب وأننا نصلها وأننا كلنا عن ذلك مسئولون!

عشت حياتى احترم الثقافة والعقلية الفرنسية لكنى اليوم مبهورة من كم الدروس والمعانى التى صيغت فى هذه القصة لطفل دون الخامسة! هكذا تبدأ عملية تكويين عقلية الطفل منذ نعومة أظفاره!
ليته يكون للتعليم النصيب الأعظم من زيارة هولاند، فلأن تعلمنى الصيد خير ألف مرة من أن تعطينى سمكة.

• أستاذ بطب قصر العينى








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة