هل جربت رؤية القهر والأسى متجسدين فى إنسان، ويمعنان فى إثارة المشاعر ووخز القلب وهما يلمعان فى عينيك تحت فستان أبيض ومكياج ومساحيق تجميل؟ إن لم تكن رأيتهما من قبل فقصة "سعاد" كافية لإثارة كل ما يعتمل فى نفسك من خوف ورهبة وأسى وشفقة وحنان وبكاء لأحوال الناس وآمالهم الصغيرة، التى ضنّ بها الزمان عليهم، فاضطرهم إلى اختراعها واصطناعها اصطناعًا، هكذا بشكل كوميدى يثير ضحك البعض، ولكنه ينهش القلب إن اقترب ورأى.
فى مشهد ملفت ومثير للسؤال وفضول البحث والمعرفة، فوجئ أهالى الإسكندرية بسيدة عجوز تسير بمفردها فى محطة الرمل بوسط المدينة، مرتدية فستان زفاف، ما أثار انتباه الناس فى المنطقة ودفعهم للتساؤل عن السبب الذى يدفعها لهذا الفعل، وفى غضون وقت قصير انتشرت صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وكتب أحد شهود العيان فى منطقة محطة الرمل وقتها، مؤكّدًا أن السيدة أثارت حالة من الدهشة والتعجب فى نفوس كل من شاهدوها، وسألها أحدهم: "فين العريس يا عروسة؟"، لترد بصوت خفيض: "مفيش عريس"، وهو ما أثار تعاطفه فقرر المشى إلى جوارها.
السيدة التى أثارت الدهشة سرعان ما تحولت إلى حالة حيّة من البهجة فى الشارع، إذ غنى كل أهل الشارع لها، ونظموا زفة حاشدة، وكان الأمر العجيب اكتشافهم أن السيدة حجزت قاعة أفراح بالفعل، لتحقيق حلمها فى ارتداء فستان الزفاف، وبعد قضاء عدة ساعات فى القاعة قالت: "أنا كدة حققت حلمى".
"اليوم السابع" بحث عن تفاصيل الواقعة، والقصة الإنسانية التى تقف خلفها، وفى هذا الإطار تواصلنا مع سمر عبد القادر، إحدى شهود الواقعة فى منطقة محطة الرمل، التى قالت إنها رأت السيدة فى أحد محلات الكوافير بمنطقة "شدس"، وشاهدتها فى أثناء ركوبها الترام فى طريقها لمحطة الرمل، مؤكدة أنها بالفعل حجزت قاعة أفراح، لافتة إلى أنها تراها يوميًّا، وأنها عبرت لها من قبل عن رغبتها فى ارتداء الفستان الأبيض.
أحد جيران السيدة: عمرها 61 سنة ومريضة نفسيا ولم تتزوج
استكملنا رحلة البحث عن التفاصيل بزيارة منزل صاحبة الصورة الأشهر عبر مواقع التواصل الاجتماعى خلال اليومين الماضيين، فى حارة اليهود بمنطقة الجمرك غرب المحافظة، وتبين أنها تدعى "سعاد"، مريضة نفسيًّا بشهادة جيرانها، وتعيش بمفردها بعد موت شقيقها منذ أشهر قليلة، مؤكدين أنها ليست المرة الأولى التى ترتدى فيها فستان الزفاف بدون عريس.
وقال أحد جيرانها لـ"اليوم السابع"، إن السيدة سعاد تبلغ من العمر 61 سنة، لم تتزوج، ومريضة نفسيًّا، وتعيش وحدها بعد وفاة شقيقها، وكل أمنيتها على حد قولها دائمًا أن ترتدى "فستان الزفاف".
مسؤول قاعة الأفراح: حجزت القاعة من 10 أيام ودفعت 2500 جنيه
فيما قال إسلام فوزى، مسؤول قاعة الأفراح التى شهدت حفل الزفاف المصطنع، إن السيدة حجزت قاعة منذ 10 أيام، مقابل 2500 جنيه، متابعًا: "اعتقدنا أنها تحجز القاعة لابنتها، وفوجئنا فى اليوم المحدد بإحدى السيدات تلغى الحجز وتقول إن لديها حالة وفاة".
واستطرد "إسلام" قائلاً: "فوجئنا فى الثامنة من مساء الأربعاء بالسيدة التى حجزت القاعة ترتدى فستان الزفاف، وتسير وحدها فى شارع شاكور، وسار عدد من المواطنين بجوارها، ونظموا لها زفة تعاطفًا مع حالتها، حتى وصلت إلى القاعة، ودخلت وجلست على الكوشة وحيدة، والتقط المواطنون الصور معها".
سعاد ترفض الحديث.. وابن أخيها يسلمها لـ"دار مسنين"
بعيدًا عن القصص والصور المتداولة وحكايات شهود العيان، حاول "اليوم السابع" لقاء السيدة سعاد، صاحبة الواقعة، التى رفضت الحديث وامتنعت عن فتح باب منزلها للمحررة، فيما قام ضباط قسم شرطة الجمرك، برئاسة النقيب محمد الشنديدى، بأخذها من منزلها، وتحرير محضر إدارى بالواقعة، وأخذوا تعهدًا من أهليتها بعدم تكرار الواقعة مرة أخرى، لأنها جمعت المواطنين خلفها، وقد يتسبب تكرار هذا السلوك فى ضرر لأى شخص، ثمّ تم تسليمها لنجل أخيها، الذى سلّمها لإحدى دور رعاية المسنين فى منطقة الرأس السوداء.
وبعد تحرير المحضر الإدارى، وصل إلى نيابة الجمرك، متضمّنًا إثبات حالة السيدة العجوز، وأنها تعيش وحدها وتخرج من أول اليوم لتعود فى نهايته، وذلك بعد إصابتها بمرض نفسى نتيجة وفاة والدها ووالدتها وشقيقها، وبقائها بمفردها دون أن تتزوج.
السيدة فى أثناء عمل "ميك أب" بالكوافير
السيدة سعاد بالكوافير
السيدة بالكوشة داخل إحدى القاعات
سعاد ترتدى فستان زفاف وتتجول داخل شارع شاكور
