مارينا فارس تكتب: آثار على الرمال

الخميس، 14 يناير 2016 03:08 ص
مارينا فارس تكتب: آثار على الرمال حبيبين أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جالسا أمامى كصغير ركض تحت المطر حتى غرقت ثيابه كلها. يدك ترتعش، أنفاسك ترتعش، روحك ترتعش وكلماتك كلها تتخبط فى بعضها. تسعى فى ترتيبها كأنك تبنى بيتا على الرمال. وأنا جالسة أمامك تحولت إلى علامة استفهام، فكأنى أمٌّ أمام طفلها يعترف بذنبه الصغير.

تعدو أنفاسك وراء الكلمات لتتوقف عند كل منعطف وتنظر إلى بعينين سائلتين: "هل تفهمين ما أقول؟!"، وقبل أن أغوص داخلى لأفتش عن كلمات تناسب جلال الموقف تجيب عينى بنظرات حائرة، فتكمل حديثك المتقطع وتدخن وتدخن وكأنك تريد أن تصنع من دخان سيجارتك حاجز تختبئ خلفه، تخبئ خلفه كلماتك المشتتة كدخانك.

تحدثنى بلغة عسير علىّ أن أفهمها، تخبرنى قصة قلب كان فى سبات عميق من الوحدة والنسيان. تقول لى إن عيناى طردته من هذا السبات وإننى قد كسرت بأظافرى حاجز سكونه، وقد أقمت إعصارا بمرورى الخاطف فى أيامه. أقول: "لا أفهم"، حقاً لم يكن لعقلى أن يصدق، عقلى شرع ينتهر قلبى ويلملم قوس قزح تصنعه مشاعرى عادة عقب أمطار حنين رعدية. ككل مرة قلت: لا، من المؤكد أننى قد أخطأت فهم لغتك. من غير المعقول أنك تريد أن تخبرنى بهذا الأمر الخطير السحرى.

كنت دائما أسمع نداء عينيك، نداء أبكم خافت كأنه قادم من حضن بئر لكنه يزعج صمت سكونى ويعصف بكل وجدانى. وأنا قد اعتدت طويلا نداء عينيك كما اعتدت جفاءك وهروبك. فى الماضى اكتفيت أن أحب عينيك الصافيتين إلا من هلاكى، العميقتين ذات النظرات الواثقة. اعتدت أن أحبهم كأنهم روح مستقلة عنك، أنت كنت تختفى وتهاجر أما عينيك فهما دائمتا الوفاء. أنت كنت تختصر الحديث أما عيناك فكان حديثهما لا ينتهى ولا ينضب. فكيف تصدقنى حين أقول لك: "لا أفهم"؟!

لكن ما فائدة أخبارك بكل هذا؟! فأنا لن أخبرك عن الرياح العاصفة التى تناوبت على عقلى ولا عن الأمواج التى اقتلعتنى من هدوء وحدتى. وبالطبع لن أخبرك أننى قد أخذت قاربى الصغير وألقيته فى بحرك الواسع غير عابئة بهلاكى المحدق. وإننى قد صارعت تلك الأمواج التى تمزقك الآن وقد مر على مصرعى أعوام. سأخبرك فقط أن أجمل الأحلام هى تلك التى تقع تحت طائلة المستحيل، تلك التى ننهيها بكلمة "يا ريت". وأننا أحيانا ننسى أن نكون كالمصور البارع الذى يعرف أن هناك فقط لحظة معينة للإمساك بصورة رائعة، إذا أضاعها فى التردد ستضيع الصورة كلها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة