د. غيضان السيد على يكتب: تهافت النهايات فى الفلسفة والأدب والتاريخ

السبت، 25 أبريل 2015 02:05 م
د. غيضان السيد على يكتب: تهافت النهايات فى الفلسفة والأدب والتاريخ صورة ارشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتشرت فى الآونة الأخيرة فى الكتابات الحداثية وما بعد الحداثية المتعددة، بل وانعقدت المؤتمرات والصالونات الثقافية فى مجالات الفلسفة والتاريخ والسياسة والأدب التى تتحدث عن النهايات، بل أصبحت تلك النهايات السمة السائدة التى تتردد بلا انقطاع فى جل المنتديات الثقافية وفى معظم المجالات الفكرية والأدبية بصفة عامة، فكثيراً ما نسمع عن تعبير "نهاية الفلسفة" و"نهاية التاريخ" و"نهاية الأدب" و"نهاية الأيديولوجيا" الأمر الذى بات يحتم علينا مواجهة تلك التعبيرات وبيان حقيقتها للقارئ.

فإذا بدأنا بتعبير "نهاية الفلسفة" فإننا يمكننا القول بأن هذا التعبير قد ظهر فى الفكر الحديث عند الفيلسوف الألمانى هيجل المتوفى عام 1831، بمعنى أن للفلسفة فى التاريخ رحلة هى بنوع ما "أوديسه " للفكر الإنسانى الكلى، سوف تصل غايتها أى نهايتها عندما تصبح الروح الكلية أى العقل واقعا محسوسا يعيشه البشر. فى حين يرى البعض فى تعبير "نهاية الفلسفة" أن الفلسفة بما عهدناه فيها من مشكلات مطروحة للبحث ومن مناهج فى تناولها، قد تجاوزها التطور التاريخى فى العلم والسياسة، هذا التطور جعل من الفلسفة علما عقيما لا يؤدى دورا إيجابيا فى المعرفة المعاصرة، ولهذا فسوف ينصرف عنه الناس، وذلك ما ذهبت إليه الوضعية والماركسية ومدرسة التحليل النفسى والبراجماتية.

فذهبت الوضعية إلى الزعم بأن الفلسفة من خلال موضوعها وهو المفاهيم المجردة ومنهجها العقلى التأملى لا تستطيع الكشف عن المشكلات الحقيقية التى يعانيها الإنسان فى الواقع، ولهذا ينبغى ترك هذا النشاط الفكرى والاتجاه إلى دراسة الواقع الموضوعى وما به من علاقات اجتماعية واقتصادية تخضع لمعيار التحقق. كما ادعى كبير الوضعيين أوجيست كونت أن مراحل البشرية الثلاث قد تخطت وتجاوزت الفلسفة؛ حيث كانت تأتى أجوبة الإنسان فى المرحلة الدينية من الدين، وفى المرحلة الميتافيزيقية من الفلسفة، أما فى المرحلة الحالية وهى مرحلة العلم فمن العلم.

فى حين رأى الماركسيون أن الفلسفة مثلها مثل الدين تقدم للإنسان تعويضات نفسية عن الفقر المادى الذى يعيش فيه، لكن بمجرد أن تتحقق العدالة الاجتماعية وينتهى الفقر من العالم بتطبيق الشيوعية، فإن الفلسفة ستنتهى حينذاك.

أما مدرسة التحليل النفسى فرأت أن الفلسفة تتمثل فى الوعى، ولما كان اللاوعى عندهم أكثر أهمية وحسماً من الوعى، فلم تكن عندهم سوى مجرد ثرثرة عقيمة.

أما البرجماتية فجاءت لتزعم بأنه لا توجد حقائق ولكن توجد ذرائع، والبحث عن الحقيقة الذى هو مهمة الفلسفة مجرد جهد عبثى لا طائل من ورائه. بينما يرى ريتشارد رورتى أن الفلسفة المعروضة علينا اليوم سوف تنتهى لتدخل فى عصر ما بعد الفلسفة الذى تتحول فيه الفلسفة إلى نوع أدبى مثلها مثل الشعر والرواية والكتابة المسرحية، فالناس لن يبحثوا فيها عن الحقيقة وإنما عن المتعة.

أما القول بـ"نهاية التاريخ" وهى تلك العبارة التى ظهرت عند فوكوياما فى مقاله الشهير " نهاية التاريخ" والتى كان يعنى بها وضع حدا للأفكار الأيديولوجيا فى التاريخ الإنسانى وانتشار قيم الليبرالية والديمقراطية الغربية، ولا يعنى فوكوياما إن نهاية التاريخ تعنى نهاية أحداث الظلم والاضطهاد وإنما التاريخ هو الذى انتهى، حتى وإن عادت نظم استبدادية للحكم فى مكان ما، فإن الديمقراطية كنظام وفلسفة ستقوى أكثر مما قيل.

أما القول بـ"نهاية الأيديولوجيا" تلك العبارة التى تعود إلى عالم السياسة الأمريكى "دانيال بيل" الذى تنبأ بأن الأيديولوجيا فى طريقها إلى الفناء، ويعنى بذلك "انتصار فكرة حتى تبتلع بقية الأفكار" وعلامة تحقيق ذلك هو نهاية التاريخ وحروب الحضارات. ومن رأينا أن الحديث عن كل هذه النهايات "نهاية الفلسفة" و"نهاية الأدب" و"نهاية الأيديولوجيا" و"نهاية التاريخ" كلها محض "رؤى فانتازية"؛ فلا يعنى نهاية الفلسفة فى رأينا سوى صعوبة استمرارها بصورتها التقليدية ولذلك فعليها أن تبحث عن موضوعات أخرى ومناهج جديدة، تظهر حاليا فى مناقشة معضلات أخلاقية تتعلق بمعنى الموت والحياة وجدوى استمرار مؤسسة الأسرة ومشاعر الأمومة والأبوة وعلاقة الصحة بالثروة، والأخلاق بالهندسة الوراثية، وغيرها من موضوعات تستدعى المراجعات الفلسفية.

كذلك هى "نهاية التاريخ" و"نهاية الأيديولوجيا" فلن تحسم فكرة واحدة أو أيديولوجيا واحدة الصراع لصالحها، ولكن سيبقى التاريخ لرصد صراع الأيديولوجيات، وستظل الفلسفة والأدب والتاريخ والأيديولوجيا مادام وجود الإنسان على الأرض.











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة