علا الشافعى تكتب: «قدرات غير عادية» رحلة بحث داوود عن «الجمال المفقود».. هل نحتاج إلى قدرات غير عادية لنعيش؟».. و«هل تختفى قدراتنا الإنسانية غير العادية إذا لعبنا أدوارًا لا نريدها"؟

الإثنين، 14 ديسمبر 2015 09:46 م
علا الشافعى تكتب: «قدرات غير عادية» رحلة بحث داوود عن «الجمال المفقود».. هل نحتاج إلى قدرات غير عادية لنعيش؟».. و«هل تختفى قدراتنا الإنسانية غير العادية إذا لعبنا أدوارًا لا نريدها"؟ علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصعب الأشياء أن تدخل لمشاهدة عمل سينمائى لمبدع كبير وأنت تحمل انطباعًا بعينه، سواءً كان سلبيًا أو إيجابيًا.. قد يصلح ذلك مع فيلم تجارى تتعاطى معه كمادة مسلية وممتعة، ولكن فيلمًا للأستاذ داوود عبد السيد، فالأمر جد مختلف.
اليوم السابع -12 -2015

عودت نفسى أنه مع «سينما داوود» أو بالأحرى «دنيا داوود» لا يوجد شىء ثابت ولا توجد أحكام قطعية ولا أخلاقية.. هناك فقط قصص إنسانية تنساب وتتداخل تمامًا مثلما هى الحياة، هناك أيضًا أفكار تقبع خلف كل مشهد.. رؤى إنسانية عن عالمنا الذى يزداد قبحًا بشكل متسارع.
اليوم السابع -12 -2015

فى «سينما داوود» يمكنك أن تتلمس محاولة حثيثة لتكريس الجمال، بدءًا من اختيار مناطق التصوير، وتوظيف الموسيقى، وصولًا إلى الصورة البصرية «الثرية» التى تضيف جمالًا للمناطق الرمادية فى نفوس البشر، وهى المنطقة الإنسانية التى يلعب عليها داوود دائمًا - «لا خير مطلق ولا شر مطلق» - كما أن هناك دائمًا مساحة لممارسة ألعاب ذهنية مع الشخصيات التى يقدمها داوود ويصيغها دراميًا، بمعنى أنك قد تجد نفسك مكان أى منها، أو على الأقل تحمل ملمحًا واحدًا من إحدى الشخصيات.. بمعنى أنك مثلًا وأنت تشاهد فيلمًا مثل «مواطن ومخبر وحرامى» قد تجد نفسك تلعب هذه الأدوار فى مواقف مختلفة، فقد تجد نفسك مواطنًا باحثًا عن الجمال، أو مخبرا تضطره الظروف ليكون على هذا الوضع «غير الآدمى».. أما إذا أردت أن تصل إلى المتعة فى مشاهدة سينما داوود فلا يجب أن تفصل العمل الجديد عن أعماله السابقة، لأن هناك دائمًا خيوطًا رفيعة وحادة وواضحة لعشاق «سينما التأمل» أو لنكن أكثر تحديدًا «السينما التى تدفعك إلى التفكير» وليست سينما «الكلينكس» التى تنساها بمجرد أن تخرج من دار العرض.

داوود فى فيلمه الجديد والمعروض حاليًا «قدرات غير عادية» يأخذنا فى رحلة تأسر النفس والروح، وتجعلنا نطرح الكثير من التساؤلات فى هذا الزمن القبيح.. منها «هل نحتاج إلى قدرات خاصة وغير عادية لنعيش؟».. و«هل تختفى قدراتنا الإنسانية غير العادية إذا لعبنا أدوارًا غير التى نريد؟».. و«هل نتحول إلى شياطين أو تحاصرنا الكوابيس إذا تم استغلالنا كوسطاء لأمور لا نرغب فيها؟».
اليوم السابع -12 -2015

تسير أحداث الفيلم بصحبة «يحيى» الذى يعمل جاهدا على بحثه العلمى عن القدرات غير العادية فى البشر، ويُطالبه أستاذه المشرف على البحث بالحصول على إجازة من عمله وحياته المعتادة، وأنه وجد جهة ما تمول هذا البحث وأن الداخلية وكل ما يتبعها سيبحثون فى القرى والمراكز عن أصحاب القدرات غير العادية ليستقر فى «بنسيون» على البحر، بعيدا عن الإسكندرية تسكنه مجموعة من الشخصيات المتنوعة التى يجمعها شىء أصيل وهو حب الفن، فهناك المنشد والمخرج والرسام ومغنى الأوبرا وحبيب الله الذى يخدم الجميع، والسيرك ولاعبوه، ويقهرهم ويطردهم المتطرفون والمتشددون الذين يفسدون الحياة بسلطتهم الدينية أو ادعائهم امتلاكها.

فى هذا المكان الذى يشبه الجنة، تنمو علاقة حميمة بين يحيى وصاحبة البنسيون، ويتقرب من ابنتها الصغيرة ذات القدرات غير العادية، ليجد أنه قد عثر أخيرًا على الذى طالما بحث عنه.. تلك هى خيوط الحكاية.
اليوم السابع -12 -2015

ولكن هل هذا كل شىء.. هل يقرأ الفيلم أو نشاهده بهذه البساطة؟.. بالتأكيد لا فنحن أمام واحد من أجمل وأنضج أفلام «المتأمل» داوود عبد السيد. «قدرات غير عادية» فى أصله فيلمًا يحتفى بالإنسان والفن، كل أشكال الفنون موجودة بالفيلم، الرسم.. الموسيقى.. الغناء.. الإنشاد.. السيرك.. لاعبو البانتوميم.. العمارة.. ولذلك ولكى نكون أكثر دقة «هو فيلم يحتفى بالحياة».
اليوم السابع -12 -2015

لاحظ أسماء الشخصيات.. «حياة» تجسدها نجلاء بدر، امرأة مطلقة لديها طفلة سنها 5 سنوات، رسامة وصاحبة البنسيون، ولم تلمس رجلا منذ انفصالها.. والسؤال: هل تستطيع أن ترى حياة بطلة هذا العمل بعيدًا عن حياة فى «مواطن ومخبر وحرامى»؟.. الإجابة: إطلاقًا فهى تحمل شيئًا من روحها.. حياة فى «مواطن ومخبر وحرامى» كانت امرأة على سجيتها تعمل خادمة وكانت تعشق المواطن والحرامى، ولكن عندما تزوجت وارتبطت بحياة رتيبة مملة فقدت الكثير من رونقها وبهجتها، وكانت تعانى من نوبات اكتئاب متكررة.. وحياة فى «قدرات غير عادية» إنسانة تعيش آدميتها ترسم وتحب وتزوجت بمن أحبت «زميلها فى كلية الفنون الجميلة» الذى ذهب إلى الخليج ثم عاد ورأسه مكدس بأفكار وهابية، فى إشارة إلى زمن الهجرة إلى الخليج وانهيار الطبقة الوسطى، ثم عاد ليرى أن الرسم «حرام» وأن ابنته التى تمتلك شفافية خاصة وقدرة وذكاء غير عاديين هى ليست ابنته بل «ابنة الشيطان».. فريدة تلك الطفلة الساحرة التى تأخذ الروح والعقل، والتى تقمعها السلطة وتستغلها كوسيط تمامًا مثلما كانت فريدة بطلة أرض الخوف وسيطًا ليحيى ليترك عالمه ويستعيد جزءًا من إنسانيته.. فهل نستطيع أن نفصل فريدة الطفلة عن فريدة بطلة أرض الخوف والتى تاهت براءتها فى عالم يحيى؟.
اليوم السابع -12 -2015

«يحيى المنقبادى» بطل «أرض الخوف» هو نفس الاسم للشخصية التى جسدها خالد أبو النجا فى «قدرات غير عادية».. يحيى فى «أرض الخوف» كان ضابطًا ارتضى بحكم «الوطنية» أن يعيش فى عالم غير عالمه ويتحول إلى مجرم ويفقد الكثير من آدميته. ويحيى فى «قدرات غير عادية» هو طبيب يعمل على بحث علمى وهو شخص يرى نفسه عاديًا لذلك قرر أن يبحث عن غير العادى والخاص فى البشر.

«عمر البنهاوى» فى «أرض الخوف» جسده عزت أبو عوف، كان يسعى لإفساد حياة يحيى أكثر وأكثر، وعمر البنهاوى فى «قدرات غير عادية» جسده عباس أبو الحسن _(رمز السلطة)__ حاول إفساد حياة الدكتور يحيى ولكن ما حدث هو العكس كما ذكر له عمر.
اليوم السابع -12 -2015

«قدرات غير عادية» يشكل إطلالة على مشروع داوود بأكمله، من تأمل للفرد واختياراته وتداخله مع الآخر وسط مجتمع يكره المختلف، ويكاد يسجد للعادى، وكيف يقهر المجتمع المختلف الذى يرفض أن يسير خلف القطيع أو ينتمى إليه، والقيود التى يضعها الإنسان لنفسه، إضافة إلى ما يضعه المجتمع، والتنميط وتصنيف البشر، وأيضًا العلاقة بالذات والوصول إلى الإيمان أو لنقل اليقين _ (راجع مشهد حياة وهى تروى ليحيى عندما رفضت أن تعيش مع زوجها المتطرف وحملت لقب مطلقة واضطرت أن تمارس حياتها بقوانين المجتمع: "بقيت بصلى وأصوم وألبس وأعمل زيهم"، ومشهد شيخ الطريقة الصوفية جسده سامى مغاورى الذى تحدث مع الدكتور يحيى عن الشك وعن اليقين)_ الدكتور يحيى الذى يجد فى البنسيون والحياة بداخله عالمًا آخر قد يكون هو العالم المفروض أو الإنسانى.. بشر متنوعون وجميعهم فنانون يجمعهم حب الفن ولا يوجد تعارض بين رامز الذى يغنى «أوبرالى» يجسده حسن كامى، أو المنشد الدينى يجسده محمود الجندى، والرسام _أحمد كمال _ أو المخرج اإايطالى أنطونيو يقدمه أكرم الشرقاوى، الذى يصنع فيلمًا عن العاهرات بل يتزوج واحدة منهم، وحبيب الله جسده إيهاب أيوب _ النوبى الذى يراهن على الخيول _ من منا لم يراهم يومًا؟
اليوم السابع -12 -2015

فى هذا المكان الملىء بالجمال على المستوى البصرى والإنسانى - لاحظ ألوان الديكور الأزرق والأخضر بدرجاتهما وكيف يتماهيا مع ألوان البحر، وكيف تمتزج موسيقى راجح داوود لتضيف روحًا إلى الحياة، هنا يستعيد يحيى آدميته وإنسانيته ولنكن أكثر تحديدًا «قدراته الخاصة».

يطرح الفيلم تساؤلات حول لماذا نتنازل بسهولة عن قدرتنا الداخلية؟ وسط زحام وقبح الحياة لماذا نرى تلك القدرات فى الآخر الذى نفترض فيه القوة بينما نحن قد نكون أقوى ولكن نتنازل عن كل هذا من أجل أن نثبت للآخر أننا عند حسن ظنه؟. لماذا نقرر أن نصبح جزءًا من القطيع رغم قوة الإرادة التى يمتلكها كل منا بداخله؟..

كل هذه التساؤلات يطرحها داوود فى بناء درامى سلس ومتمهل من خلال حكايات وشخصيات تؤرقك من كثرة الأسئلة التى تطرحها.

يتساءل الدكتور يحيى: هل هو الذى يملك القدرات الخاصة أم فريدة أم حياة؟.. الكل يبحث عن القدرة، المواطن العادى يحيى، ورجل الأمن عمر البنهاوى الذى بسلطته يفسد حيوات الآخرين، حياة الأم والمرأة الخائفة والتى تعيش رحلة هروب التى فقدت قدرتها، وفريدة الطفلة البريئة التى يرغب كل واحد من الشخصيات أن تعوضه، ولكنها ببراءتها وظروفها ونظراتها الخبيثة تحتمل أن تكون كل شىء، مرة تقهرها والدتها وتحاول إجبارها على أن تخفى قدرتها، ولاعبو السيرك الذين يحتفون بموهبتها، ومرة يحيى الذى يرغب فى أن يثبت حالة فى بحثه العلمى، ومرة الأمن الذى يتعامل معها على أنها روح شريرة، وتارة عمر رمز السلطة بكافة أشكالها والذى يحولها لوسيط ويستغلها فى فك طلاسم القضايا الخطرة..

لكن القدرة التى يقصدها داوود ليست معرفة ما يفكر فيه الآخر، ولا تحريك الأشياء، ولا حتى دروشة المشايخ التى تحملك لعالم آخر من خلال الذكر.. فى ظنى قد تكون القدرة هنا يقصد بها القدرة على أن تكون نفسك.. أن تتجاوز عجزك.. أن تمارس إنسانيتك.. أن تختار أن تعيش وأن تمارس حريتك _( يعبر عنه داوود فى مشهد النورس المتكرر وأيضا الحمام)_ شاهد ذلك البراح والزوايا الواسعة فى التصوير والتى تصاحب مشاهد البنسيون والتواجد على البحر أو فى الإسكندرية وكيف تضيق الزوايا _( مشاهد تخفى حياة وراء النقاب ومشاهد التواجد فى القاهرة واستسلامها لسلطة عمر البنهاوى ).

فيلم قدرات غير عادية هو فيلم يحتفى بالجمال والحياة والإنسانية ساهم فى صنعه كتيبة عمل داوود من فنانين منهم خالد أبو النجا ونجلا بدر وأحمد كمال والرائع محمود الجندى وحسن كامى وإيهاب أيوب، وريم حجاب ولاعبو السيرك والطفلة مريم تامر الموهبة التى تأخذ الروح وقامت بتدريبها على الأداء ريم حجاب إضافة إلى الموسيقى التصويرية لراجح داوود والمونتاج لمنى ربيع والديكور لأنسى أبو سيف.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة