عطر الأحباب..سامية جمال.. عشرون سنة على رحيل فراشة السينما..ممثلة بارعة أضاءت صالات الرقص الشرقى بأداء أوروبى!

الجمعة، 05 ديسمبر 2014 02:16 م
عطر الأحباب..سامية جمال.. عشرون سنة على رحيل فراشة السينما..ممثلة بارعة أضاءت صالات الرقص الشرقى بأداء أوروبى! ساميه جمال وشكرى سرحان
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن العدد اليومى..

منذ خلق الله الأنثى، وهى تنزع دومًا إلى التمايل والرقص مع أبسط نغمة موسيقية، نرى ذلك فى دنيا البشر كما نراه فى عالم الطيور والحيوانات، فالجسد هو مستودع الفرح والبهجة، والموسيقى نسائم حالمة تطرب الأذن وتحرض المرأة على الذوبان فى عالمها الساحر.

عرف المصريون الموسيقى والرقص والغناء منذ الأزل، واحتفظت جدران المعابد والمقابر بلوحات جدارية باهرة للمصريين القدماء وهم يرقصون ويعزفون ويفرحون، وحين جاء نابليون إلى مصر بحملته المعروفة عام 1798م أعجب جنوده وعلماؤه بالرقص الشرقى الذى كانت تمارسه النساء المصريات والتركيات، وكان يطلق عليهن «عوالم»، أو «غوازى»، وسجلوا إعجابهم هذا فى الموسوعة الشهيرة «وصف مصر».

الحرب والعوالم
شهد الربع الأخير من القرن التاسع عشر حضورًا لافتا للراقصات، ذلك أن ازدهار الفن بشكل عام مرتبط مع استقرار اجتماعى ووجود طبقة تملك الكثير وترغب فى التمتع والسمر والترفيه بما ربحت من أموال، وهو ما كان بالفعل، إذ إن أحد أبرز آثار الحرب العالمية الأولى - 1914/ 1918 - أنها أنجبت شريحة ما يسمى بأغنياء الحرب، وهكذا حازت الراقصات شفيقة القبطية وبمبة كشر - رحلت عام 1930 - ثم بديعة مصابنى شهرة طاغية فى هذا المجال قبل الحرب وبعدها، لدرجة أن الأخيرة فتحت «مدرسة» لتعلم فنون الرقص، وهو ما أطلق عليه «كازينو بديعة»، مقر فندق شيراتون القاهرة حاليًا.

الأهم أن وجود الأجانب فى مصر بكثافة لعب دورًا بالغا فى تطوير كل شىء تقريبًا، ومنها فنون الرقص، وإذا تذكرنا معًا أن دار الأوبرا الخديوية افتتحت فى سنة 1871، وأنها كانت تستقبل الفرق الفنية من دول أوروبا، لأدركنا على الفور كيف تأثر الرقص الشرقى التقليدى بمدارس الرقص الأوروبية وعلى رأسها فنون الباليه، الأمر الذى حرر كثيرًا هذا الرقص الشرقى من الحركات المبتذلة أو الإيماءات الشهوانية، وجعله يحتفى بالجسد البشرى بوصفه مثالا للرشاقة والأناقة والجمال، لذا لا غرابة فى أن يحتشد شارع عماد الدين بعدد كبير من الكباريهات والكازينوهات التى تقدم عروضا فنية راقصة أبطالها من الأجانب والمصريين.

زينب اسمها سامية!
فى عام 1924 على الأغلب ولدت زينب خليل إبراهيم محفوظ، التى ستغير اسمها إلى سامية جمال بعد أقل من عقدين، وهناك من يؤكد أنها من مواليد عام 1921، المهم ولدت فى إحدى قرى مدينة «الواسطى» بالصعيد لأسرة فقيرة وأب متزوج اثنتين، أنجب منهما عددًا كبيرًا من الأبناء، ثم جاء بقبيلته إلى القاهرة وعاش فى حى الأزهر. وبعد حياة حافلة بالفقر والعذاب ماتت الأم ثم الأب وزينب مازالت طفلة، فانتقلت للعيش مع شقيقتها الكبرى التى عاملتها كخادمة، فتركتها والتحقت بالعمل فى مشغل خياطة تملكه سيدة لها قريب يرتاد كازينوهات عماد الدين كما كتب الناقد الكبير كمال رمزى فى كتابه المهم «نجوم السينما المصرية.. الجوهر والأقنعة»!

فى طفولتها انشغلت زينب بالموسيقى والغناء، فكانت تنصت إلى ما يذاع فى الجراموفونات وتردده وتتمايل على نغماته أمام المرآة، لذا ما إن عرفت الطريق إلى دنيا المسرح والكازينوهات حتى ضمتها بديعة مصابنى إلى فرقتها وخصصت لها راتبًا شهريًا مقداره ثلاثة جنيهات فى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، بعد أن غيرت اسمها إلى سامية جمال. لم تقنع سامية بالظهور فى المجموعات الراقصة التى تشكل ديكورًا حول النجمة، وحاولت أن تقتنص رقصة بمفردها، ووافقت بديعة، لكن الفتاة ارتبكت وأخفقت فسخر منها رواد الكازينو خاصة السكارى وأمطروها بتعليقات لاذعة خشنة.

لم تيأس سامية ابنة الكفاح، وقررت كما يقول كمال رمزى «أن تقتصد من راتبها الشحيح مبلغا من المال تدفعه إلى مدرب الرقص الشهير (إيزاك ديكسون) كى يعلمها كيف ترقص على أطراف أصابعها برقة ورشاقة، فتبدو كالفراشة.. خفيفة.. منطلقة.. تملأ خشبة المسرح بالحيوية والحياة.. تسيطر تماما وبليونة على جميع أجزاء جسمها.. كما تعلمت وتعودت أن تظل مبتسمة، ليس بشفتيها فحسب، بل بقلبها أولا.. ثم بعينيها المتلألئتين بالشقاوة والوعود.. ثم بشفتيها المنفرجتين عن ابتسامة عريضة.. تبدو طبيعية تمامًا، تكشف عن أسنان متسقة، يزيد من وضوحها لون بشرتها الخمرى».

أما إيزاك ديكسون هذا فيبدو من اسمه أنه أحد الأجانب المقيمين بالقاهرة، وقد سمعت النجم الراحل أحمد رمزى يحكى فى أحد البرامج التلفزيونية عن أنه كان يشاهده وهو يضرب بالعصا سامية جمال وتحية كاريوكا ضربًا خفيفا إذا أخطأت أية واحدة منهما فى أثناء البروفات، وأظنك لو تابعت اسم هذا المدرب فى مقدمات الأفلام القديمة ستجده كثيرًا.

الممثلة المجتهدة
اقتحمت سامية جمال دنيا السينما فى البداية عن طريق الرقص فقط، وذلك عندما استعان بها المخرج أحمد بدرخان لترقص فى فيلم «من الجانى/ عرض فى 31 يناير 1944»، لكن أول ظهور واضح لها على شاشة السينما عندما جعلها المخرج محمد كريم تمسك مخدة على هيئة جيتار وكأنها تعزف عندما غنى عبدالوهاب «انس الدنيا وريح بالك» فى فيلم «رصاصة فى القلب/ 17 مارس 1944». اللقطة لم تستمر سوى بضع ثوان، لكن يبدو أن الفتاة الرشيقة أعجبت مهندس ديكور الفيلم ولى الدين سامح، فأسند لها دور البطولة فى الفيلم الذى تولى إخراجه بنفسه فيما بعد وهو «أحمر شفايف/ 9 سبتمبر 1949».
على الفور انطلقت الفتاة لتحتل الصدارة فى الكثير من الأفلام حتى منتصف الستينيات بعد أن اقتنع بها الجمهور. فسامية جمال بأدائها الصادق العفوى تمكنت من استدرار عواطف المشاهدين فى عدة أفلام تعد من الكلاسيكيات الآن مثل سلسلة أفلامها مع فريد الأطرش وأهمها «حبيب العمر/ 1947 لبركات/ أحبك أنت/ 1949 لبدرخان/ عفريتة هانم/ 1949 لبركات/ آخر كدبة/ 1950 لبدرخان».

فى هذه الأفلام قدمت سامية مجموعة من الاستعراضات الراقصة البديعة التى يمتزج فيها الأداء الشرقى المعتاد مع التراث الأوروبى فى الخفة والحركة والتلاعب بالأقمشة الشفافة كما لو كانت فراشة تطير فوق خشبة المسرح.

أما المخرج عز الدين ذو الفقار فقد انتبه إلى أن هذه الراقصة الماهرة تمتلك وجها يصلح لاختزان مشاعر متناقضة، وإن كانت الطيبة ستظل العنصر البارز فى هذه المشاعر، وهكذا رأيناها دومًا امرأة أجبرتها الظروف المعاكسة على الانخراط فى عصابة والانصياع لزعيمها، لكن عند أول فرصة تنبثق من روحها أنهار الطيبة والأخلاق الحميدة، ولعلك تذكر أدوارها فى «قطار الليل/ 1953 / رقصة الوداع/ الرجل الثانى»، وكلها من إخراج عز الدين ذو الفقار، وأدوارها فى هذه الأفلام تؤكد المعدن الطيب المدفون فى غبار الشر والقسوة.

تعاونت سامية جمال مع مخرجين آخرين مثل صلاح أبوسيف فى «الوحش/ 1954»، ومحمود إسماعيل فى «زنوبة/ 1956»، وعاطف سالم فى «موعد مع المجهول/ 1959»، وغيرهم، وظلت دومًا المرأة التى تخفى أنبل الخصال فى صدرها، لولا أن المقادير تطاردها وتلقى بها فى أتون الشر المستطير.
فى مطلع ديسمبر من عام 1994 رحلت سامية جمال فى هدوء، وقد تجاوزت السبعين، ولأن آخر أفلامها «الشيطان والخريف/ 1972» لم يحقق النجاح المأمول، فقد توقفت عن التمثيل بعدها، فنسيها الناس أو كادوا، لكن الجماهير الآن تستعيد صورتها من خلال أفلامها التى تعرضها القنوات الفضائية بانتظام.

حقا.. الفنان المتميز.. لا يغيب أبدًا.



موضوعات متعلقة..

بسنت جميل تكتب : بشارة واكيم.. أشهر مصرى تخصص فى أداء الشخصية اللبنانية!

سامح فتحى يكتب : "الأصابع الذهبية" أفضل أعمال سلسلة جيمس بوند.. 50 عاماً على عرضة للمرة الأولى

منال الليثى تكتب : "دمدم".. قبح الواقع يتجسد فى أشباه الأحياء وأشباح الأموات!












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة