فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى.. دروس وعبر من ميلاد النبى "صلى الله عليه وسلم".. المحبة تقيم علاقة قوية بين المسلم وأخيه.. وتضفى على المجتمعات صفتى الصلابة والقوة

السبت، 27 ديسمبر 2014 08:32 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبد الكريم علام يكتب: الخطاب الدينى.. دروس وعبر من ميلاد النبى "صلى الله عليه وسلم".. المحبة تقيم علاقة قوية بين المسلم وأخيه.. وتضفى على المجتمعات صفتى الصلابة والقوة شوقى علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

تشرق علينا هذه الأيام المباركة ونحتفل بذكرى ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم، هذا الحدث الذى يعد أهم حدث فى تاريخ البشرية على الإطلاق منذ أن خلق الله تعالى الكون، كان ميلاده ميلادًا للنور الذى يضىء ظلام البشرية التى انصرفت إلى عبادة غير الله تعالى، وكان فيه الأمل الذى يشعر معه الناس بالرشاد والهدى، فقد كان ميلادًا للهداية العامة، وإظهارًا للصراط المستقيم، وبعثًا للبشرية جميع من رقاد طويل، وكذا إظهارًا للحق المبين، قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَان يرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا».

وحرى بالخطاب الدينى فى هذا الأيام أن يقرأ هذا الحدث العظيم، وهو ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم، لاستقاء الدروس والعبر منه فى ما تمر به الأمة من أحداث، وفى ظل تعطشها إلى القيم النبيلة التى كانت فى ميلاده ومسيرته العطرة، لتستقيم لها الدنيا والآخرة، فالمسلم دائمًا متشوق إلى الاقتداء وترسُّم خطى المتقين والصالحين، قال تعالى: «أولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ»، وهذا الاستشراف من المسلم هو نوع من استمداد العظمة من النماذج الصالحة والتى يكون على رأسها الأنبياء، قال تعالى: «وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِالرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِى هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ».

وأهم ما يجب أن يستقيه الخطاب الدينى من هذه الذكرى المباركة هو حب النبى صلى الله عليه وسلم الذى تحمل كل صنوف العذاب فى الفترة المكية حتى سالت منه الدماء، ثم إخراجه وأصحابه من مكة، وما كابده فى هجرته إلى المدينة، ثم مجاهدته بعد ذلك، كل هذا لأجل أمته وحرصه على هدايتهم وإنقاذهم من النار وإخراجهم من الظلمات إلى النور مصداقًا لقوله تعالى: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ.يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
ولما للمحبة من قيمة عظيمة وأهمية كبيرة فى تحقيق السعادة للفرد والمجتمع بل الأمة عامة والإنسانية قاطبة، فقد سعى النبى صلى الله عليه وسلم لتحقيقه بوسائل عديدة، بل ربّى أصحابه وأمته عليها، وحثَّ على إشاعتها بين الناس، ببناء كل العلاقات على أساس من الحب؛ حبّ الله، وحب الخير، وحب الصلاح والصالحين، وحب الإنسانية، ففى صحيح مسلم فى كتاب الإيمان عن أبى هريرة رضى الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم‏:‏‏ «‏لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا‏، ولا تؤمنوا حتى تحابوا‏.‏ أولا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم‏؟ أفشوا السلام بينكم»‏‏.‏

فهذه المحبة تقيم علاقة قوية بين المسلم والمسلم، وتضفى على المجتمعات صفة الصلابة والقوة، فلا تضعف أو تتفتت ولا تعبث بها الفتن والشائعات، قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسدالواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، فالمسلم يعد لبنة فى المجتمع يشتد البناء به ويقوى وترتفع به هامته طالما اتسم بالمحبة بينه وبين غيره.

ولا ينبغى ونحن نحتفل بميلاد خير البشرية أن ننسى بيان أن الإسلام هو دين السلام والسلم، هو الذى جاء فى أمة جاهلية كانت تشعل الحرب لعقود من الزمن وتخلف وراءها مئات الضحايا لأسباب تافهة، فدعاهم إلى السلام والوئام، ونبذ الشحناء والحروب والقتل التى لا تجنى البشرية منها غير الدمار والفساد والهلاك، ولذلك فإن الله جعل من غاية الرسالة أن يدخل الناس جميعًا فى السلم، وأن يجعلوه غاية، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً» وقد جعل من السلم مسلكًا للرد على جهالات المتشددين والمتطرفين والجاهلين فقال تعالى: «وإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَما».

ويجب أن تكون ذكرى ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم حالة يُراجع فيها المسلم علاقته مع الله ومع الناس ويعرف أين موقعه بالتحديد مع الله ومع ما أمره به «يَا أيُّها الذّينَ آمَنوُا اتّقوُا اللهَ وَكوُنوُا مَعَ الصَادقين»، يجب أن يكون على المنهج النبوى الصافى والهادى إلى الصراط المستقيم، وأن يغادر غيره من المناهج المتشددة والمتطرفة التى تؤدى إلى الخلاف والتشرذم والتى يغذيه أعداء الأمة، ولتكن هذه الذكرى معينًا لهم على التوحد والتحاب والاصطفاف متحابين فى الله لتستقيم لهم أمور دنياهم وأخراهم.

والمسلمون كغيرهم يصيبهم النسيان، فينسون أحداثًا من التاريخ ومن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، والخطاب الدينى فى هذه المناسبات عليه أن يستغلها بأن يبين ما غاب عن الأمة من حقائق حول نبيهم ودينهم، لأن الناس بحاجة إلى التذكير وإحياء المعانى النبيلة والخيرة فى نفوسهم وعقولهم، ولن يجدوا أفضل من هدى النبى صلى الله عليه ورسالته ما يستخلصون منه العبر والدروس لربطهم بسيرة وهدى النبى صلى الله عليه وسلم قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كثِيرًا»، فنحن فى أمس الحاجة إلى هذه الدروس التى تربط المسلمين بالإسلام وتربطهم بسيرة النبى صلى الله عليه وسلم ليأخذوا منه الأسوة والقدوة.

على الدعاة فى هذه الذكرى المباركة أن يبينوا كيف تغير وجه البشرية بميلاده صلى الله عليه وسلم، وكيف انتقلت الأمة من الضلال إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وكيف تخلت الأمة عن سلوكيات وعادات جاهلية، واتبعت الطريق المستقيم، وأن يبينوا لهم أننا اليوم فى أمس الحاجة للتأسى والتحلى بصفات النبى، حيث إننا أصبحنا نعانى من بعض تلك المظاهر الجاهلية فى عصرنا الحاضر، وكيف أن الأمة أصبحت- نتيجة لمسلك البعض طريقًا خطأ أو ابتعد عن المنهج النبوى الصحيح - تواجه كثيرًا من الصعاب، لذا عليهم بيان أن الصلاح والهداية فى هذا المنهج النبوى الصحيح، وأنه إذا أرادت الأمة أن تعود إلى ريادتها وخيرتها عليها أن تعيش رسالتَها، وهذه الخيرية بشروطها التى يجب ألا نخرج عنها كما ذكرها الله تعالى: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه».












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة