د. فاطمة الزهراء الحسينى تكتب: ”ليتك هنا“

الجمعة، 28 نوفمبر 2014 08:22 م
د. فاطمة الزهراء الحسينى تكتب: ”ليتك هنا“ صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نحن الآن فى جزيرة الورود.. حيث كل شىء يزهر عندنا إلا الورود..
مثمرة أرضنا على استحياء.. بالكاد تكفى احتياجاتنا من الثمرات
هنا تموت الأطفال من الجهل لا من الجوع.. ويبقى الفقير فقيرا حتى يموت..
الجميع يأخذ أنفاسه ببطء دون إسراف.. محاولا أن يحفظ لأهله هواءً يكفيهم لسنوات
نحن هنا أشبه بسكان كرة زجاجية.. يتمنون فى كل لحظة أن ينكسر الزجاج فيراهم العالم ويصل صوتهم إلى أبعد مكان.
عندنا.. عندما يشتد عود شاب من الشباب.. يركب الموج نحو المجهول.. إلى زحمة المدينة.. إلى أرض لا يعرفها ولا تعرفه فيعطيها من قوته وبأسه وتعطيه من كل ما يشتهى ويريد.
سؤال محير.. تتوارثه الأجيال جيلا بعد جيل.
لماذا لا يرجع إلينا كل من رحل؟
يُقال إن فى النهر ثقبا أسود يبتلع كل من يقترب من مجاله.
وقيل.. أن جزيرتنا مسحورة فمن يخرج منها لن يستطيع الاستدلال على مكانها.. إلا إذا كان صاحب قلب نبيل وروح طيبة
لا أحد يستطيع أن يجزم لك بالحقيقة..
لكن أصدق الروايات أن وحشًا فى المدينة يصطاد أبناءنا ويبتلع انتماءهم لأرضهم وحنينهم لعائلاتهم.
ولا أحد يستطيع أن ينفذ منه.. ويعود سالما إلى أرضه...
رغم كل هذه القسوة.. يولد كل يوم مولود جديد تضج به الجزيرة فرحًا يهبهم الأمل فى حياة أفضل.. ويبشرهم بمستقبل زاهر ويمنيهم بأنهم سيستطيعون العيش كبقية العوالم.

وأخيرا تحققت المعجزة وحان الدور على بيت الشيخ أمين فشع منزله بهجة وأقامت الجزيرة أفراحا لسبع ليال بميلاد الطفل الثمين الأول والوحيد للشيخ المسعود بقرة عينه ”خالد”..
أراد الشيخ من ابنه الكثير: أراد منه أن يعمر هذه الأرض، وأن تقوم على يديه ثورة الإصلاح
فعلمه مختلف العلوم...
وكيف تكون الأخلاق؟..
وكيف أن الكذب مذموم من كل الأديان؟...
علمه أن السرقة ليست تقتصر على الماديات.. فلأن تسرق العقول بزيف الكلام أشد من سرقة المال والذهبات..
حفَّظه القرآنَ فى سن صغيرة وعلمه علوم الفقة والبيان...
وكل يوم كان يعيد عليه درسا واحدا لكيلا ينساه.. أريدك أن تجعل لهذه الجزيرة بين البشر كيانا...
مرت الأعوام ووجب على الشيخ أن يودع ابنه على زورق قديم سيبحر به ليلا فى مياه النيل.. إلى مدينة القاهرة.. حتى يتعلم علوم الهندسة والمعمار..
عد يا بنى.. عد سريعا.. عد لتحقق الوعد..
وليكن على يديك الصلاح والإحسان..
مرت الأعوام.. والكل يتساءل:
أين ابن الشيخ أمين؟!
حتما ابتلعه الوحش ولن يعود..
لكن الأب الواثق كان يستمع إلى الصوت الصادق النابع من أعماق قلبه.. سوف يعود.. حتما سوف يعود...
مرت السنون.. وعاد المهندس خالد بن الشيخ أمين.. ببذلته الفاخرة.. وثرائه الذى يخطف الأنظار..
لم يعرفه أبناء جزيرته الذين جمعتهم الحياة منذ سنوات...
مَنْ هذا الوسيم؟
لعله أحد المستثمرين الكبار.. يريد أن يحول جزيرتنا إلى جنة ويعطينا بعض المال وسكنا مميزا فى العشوائيات..
أين بيت الشيخ أمين؟
سأل.. فدله إلى المنزل أحد الشبان..
هنا كان يسكن الشيخ أمين.. وهناك يرقد جثمانه منذ رَبيعيْن...
توفى بعد أن أفنى عمره فى انتظار من رحل..
قضى الانتظار على حياته.. ونقض ابنه العهد والميثاق كالتائه يحاول جاهدا أن يستوعب الموقف وأن يجمع الكلمات والأحداث.
خانته عيناه الحزينتان ففاضت بوابل من الدموع والحسرات وأبت قدماه أن تنصفه فخرَّتْ دون خجل ليسقط مغشيا عليه لعله يلامس بجسده المنهك آثار خطوات والده.
بعد لحظات استفاق صاحبنا بالكاد يذكر ما حدث.. مدركا أنه جاء بعد فوات الآوان..
فيقتله الحنين كل يوم ويرتوى على دمائه المحترقة لوعة وشوقا وإحساسا بالذنب..
أبى.. يُقال أن الأموات يسمعون من يحدثهم.. هل تسمعنى؟
لقد عدت.. عدت كى أحقق كل ما وعدتك به
هل ترى هذه الأوراق؟..
هذه هى المخططات الجديدة لجزيرتنا...
لدى لك خبر جيد آخر.. لقد وافقت الحكومة على إنشاء جسر يربطنا بالعاصمة.. سوف يتم افتتاحه فى خلال العامين القادمين...
وستبنى لنا مدرسة ومشفى..
يا أبت لقد جئت بشتلات الورد والفل والياسمين لتزهر على جزيرتنا..
كما أحببت.. دوما
من اليوم يا أبى سيرجع إلينا كل من غادرنا.. فقريتنا أصبح لها عنوان.
سيعودون جميعا.. إلا أنت!!!











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة