أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد ثروت

ماذا يحدث فى تركيا؟ صراع السياسى والمتصوف

الأربعاء، 01 يناير 2014 06:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خرج المتصوف فتح الله كولن أو جولن بالتركية (مؤسس جماعة النور أو خدمة ربنا) من منفاه فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية، ليواجه بعنف السياسى رجب طيب أردوغان، (رئيس الوزراء التركى وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم )، بعد أن كان أكبر داعميه ومؤيديه والجناح التربوى والثقافى للحركة الإسلامية المعتدلة التى أصبحت رقما مهما وصعبا فى مجتمع التحالف بين العلمانية والجنرالات، فما الذى أدى لصراع الحليفين بعد أكثر من عقد من الزمان؟

فى السياسة مبدأ معروف وهو: أنه لا توجد عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، ولذلك تبتعد لغة العواطف والصداقات والانتماء الأيديولوجى الواحد، وتحل محلها لغة المصالح المشتركة والتحالفات المبنية على تناقضات ليصبح أقصى اليسار متحالفا مع أقصى اليمين، والليبرالى صديقا للاشتراكى والقومى الوحدوى صديقا للشعبوى الانعزالى وهكذا.. أصبح الصوفى الإسلامى فتح الله جولن وجماعته النور أقرب إلى منافس أردوغان اللدود، ذى التوجهات العلمانية كمال كيليجدار أوغلو، رئيس «حزب الشعب الجمهورى» المعارض.

الظاهر فى وسائل الإعلام التركية والعالمية أن غضب جماعة فتح الله جولن وجماعته من حكومة أردوغان، تفجر أمام الرأى العام عندما أعلنت الحكومة التركية فى نوفمبر 2013 بناء على توصية مجلس الأمن القومى، عزمها إلغاء الإعفاءات الضريبية لمعاهد خاصة بإعداد الطلاب للامتحانات التى تؤهلهم لدخول الجامعات وتسمى (درس خانة) وتعد مصدرا مهما للأموال والنفوذ بالنسبة أنصار جولن وتمتد فى جميع المدن التركية، حيث يدفع الطالب من خمسة آلاف إلى عشرة آلاف يورو فى العام الواحد.
الواقع أن تاريخ الصراع بين جماعة النور أو خدمة (ربنا) وأردوغان بدأ قبل ذلك التاريخ، عندما انتقد مؤسس الجماعة فتح الله جولن ما وصف بمواقف أردوغان المتشددة وافتعال خصومة مع إسرائيل والغرب على خلفية قضية السفينة مرمرة أو أسطول الحرية، ورأى جولن أن السفينة لم تحصل على تصريح لازم للعبور لغزة، مما أثار غضب أردوغان.

وتعقد الموقف أكثر فأكثر بين جولن وأردوغان وحزبه عندما شنت وسائل الإعلام المملوكة لجماعة جولن وخاصة وكالة جيهان للأنباء وجريدة زمان توداى، هجوما عنيفا على أردوغان بسبب أحداث ميدان تقسيم، واتهمت أردوغان بقمع المتظاهرين، بالإضافة إلى انتقاد كولن لتأخير حكومة حزب العدالة والتنمية الانتهاء من الدستور الجديد الذى يؤهل تركيا لدخول الاتحاد الأوروبى، وعدم وجود نية لدى أردوغان للاستفتاء على الدستور، وواصل زعيم جماعة النور انتقاده لسياسة أردوغان فى المصالحة مع الأكراد رغم استمرار عملياتهم العنيفة، وعدم إلقائهم السلاح.
كما رفض جولن سياسة حكومة العدالة والتنمية فى التعامل مع إيران بقلب أبيض دون أخذ الحيطة والحذر من أهدافها التوسعية فى المنطقة.

وقد وصل الصراع بين المتصوف (الأستاذ جولن) والسياسى (البشبكان) ذروته، عندما اعتقلت عناصر من الشرطة التى يتمتع مؤيدو كولن بنفوذ كبير فيها عدد من أبناء كبار المسئولين فى حكومة أردوغان كوزراء الداخلية والاقتصاد والبيئة والتجارة ورئيس بنك خلق الحكومى وغيرهم، وذلك على خلفية أنشطة فساد وغسيل أموال وتهريب والحصول على مناقصات حكومية بدون وجه حق.

لم يعترف أردوغان بوجود بفساد أو قصور بل ألقى باللائمة على قوى خارجية وقام بفصل نحو 70 شرطيا، مما جعل الأزمة تتصاعد أكثر خاصة أن حكومة العدالة والتنمية قامت ببناء جهاز شرطة قوى فى مواجهة نفوذ الجيش العلمانى وتدخله فى السياسة، وبينما حاول أنصار أردوغان التقليل من أهمية جماعة جولن التى تشكل بين 3 و5% لو رفعوا دعمهم عن أردوغان فى الانتخابات البلدية المقررة مارس 2014، رغم أن الجماعة نفسها ساهمت فى نجاح أردوغان وحزبه ثلاث دورات انتخابية.

الباحثون فى الشأن التركى ومنهم الدكتور سمير صالحة يرون أن تحالف جماعة جولن مع حزب الشعب الجمهورى المعارض قد تؤثر على فرص فوز العدالة والتنمية بالنتائج التى تؤهله للسيطرة على مقاليد الحكم فى المستقبل.

شخصيا عرفت الداعية والمفكر محمد فتح الله جولن عن قرب والتقيت به عن طريق أحد مريديه الإعلامى متين توران، حيث تجمعهما بلدة واحدة هى أزمير التى لمع فيها نجم جولن منذ كان واعظا صغيرا فى السبعينيات، يقوم بتحفيظ القرآن فى جامع صغير ونشر الصوفية المعتدلة، وشيئا فشيئا تغلغل كولن فى المجتمع التركى، وامتد نشاطه من مدرسة فاتح إلى جامعة فاتح ومدارس صلاح الدين الممتدة فى آسيا ومصر ووكالة أنباء جيهان وفضائيات تركية وإنجليزية وصحف أشهرها زمان توداى التى توزع مليون نسخة يوميا.

مستقبل تجربة حكومة أردوغان الإسلامية على المحك، فى عصر لم تعد فيه الكاريزما وحدها كافية لإدارة الصراع السياسى، مالم يكن هناك توافق وطنى ومصارحة مع الحلفاء والشركاء لجميع الفرقاء فى العملية السياسية وابتعادا عن سياسة السلطان العثمانى الذى يريد فرض نفوذه بالتدخل فى شئون الدول الأخرى باعتبارها ولايات عثمانية وليست دولا ذات سيادة مستقلة.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة