منتصر الزيات

القضاء ولاية

الأربعاء، 24 أبريل 2013 02:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا شك أن أى تناول لملف «القضاء» ينبغى أن يكون بحساب، فالكلام عن القضاء خطر، فإذا اضطربت مهابة القاضى فى عيون الناس اضطربت قيمة العدل فى المجتمع واهتزت أركانه.

لم تخطئ الأذن ذلكم الهتاف الذى ارتفع به عقيرة الثوار فى ميدان التحرير ما بين 28 يناير إلى 11 فبراير الشعب يريد تطهير القضاء، ولا صوت فوق صوت الشعب، والقاضى حينما يصدر حكمه يفتتحه بعبارة «باسم الشعب» فهو يحكم بسم الله ثم بسم الشعب، ما بين هتافات الثوار بذلك الهتاف وبين جمعة «تطهير القضاء» الأسبوع الماضى تمر العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة القضائية بتوتر عنيف يكاد ينعكس على استقامة المجتمع.

ارتفعت أصوات لرموز قضائية بأن القضاء يطهر نفسه بنفسه، وهو أمر صحيح فتطهير القضاء لا يمكن أن يتم بالمظاهرات والمليونيات، لكنه يتم من خلال القنوات الشرعية ومن خلال قانون سلطة قضائية جيد، وجاءت غضبة القضاة فى بيان مجلس القضاء الأعلى اعتبر فيها أن تظاهرات الجمعة الماضية أساءت إلى جموع قضاة مصر.

وأكد البيان «أن قضاة مصر كانوا ولا يزالون ملاذ كل مظلوم وأنهم لا هم لهم سوى تطبيق صحيح القانون وأنهم يقولون كلمة الحق وفق ما تمليه عليهم ضمائرهم وما تسفر عنه أوراق كل قضية على حدة، وعلى كل متضرر من حكم قضائى أن يطعن فيه بالطرق التى رسمها القانون»، ولم يغض مجلس القضاء الأعلى الطرف عما يتردد من وجود تجاوزات «إن القول بوجود تجاوزات تكون قد وقعت من بعض السادة القضاة مجاله المحاسبة وفق الطرق المقررة قانونا داخل المنظومة القضائية، وهو ما يتم فعلا ومن ثم فإنه لا مجال - من بعد - لإثارة مسائل تعكر الصفو العام وتعرقل سير العدالة وتنال من استقلال القضاء».

وبرغم التسليم بحق السلطة القضائية فى تطهير نفسها بنفسها وخطورة قيام أى جهة أخرى بهذه المهمة لخطورتها وارتباطها بالخوف من تداخل سلطة أخرى فى صميم اختصاص السلطة القضائية، لكن لا يمكن إغفال تراخى السلطة القضائية فى إتمام عملية التطهير أو التطهر.

ربما أيضا بحث ازدواجية اتخاذ القرار داخل السلطة القضائية، وعدم التصدى بقول فصل فى إزالة الركام حول هذه الإشكالية، فمعلوم أن مجلس القضاء الأعلى هو المنوط به التحدث باسم القضاة واتخاذ القرارات الرسمية فى كل ما يتعلق بالشأن القضائى، لكن أثار دور «نادى القضاة» المتداخل فى صميم دور السلطة القضائية، ودخوله فى معارك سياسية شكوكا كثيرة فى حسم أحادية القرار داخلها.

ما نريد أن نناقشه بمنتهى الهدوء والاتزان نقطتان رئيسيتان، ربما نصل لارتباط بينهما، الأولى: ما هو مغزى التظاهر ضد القضاء فى هذا التوقيت بالذات إثر قرارات محاكم استئناف القاهرة، وهى بصدد النظر فى أوامر حبس الرئيس المخلوع بإخلاء سبيله، هل يمكن تحميل القضاة تبعة تطبيق القانون العام فى شأن الرئيس المخلوع؟ فالقضاة لا يحكمون وفقا للهوى أو استجابة لطلب أحد، ولكنهم يحكمون وفقا للقانون.

لقد ارتضينا منذ تنحى المخلوع وتقلد إدارة شؤون البلاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاستمرار فى الشرعية الإجرائية وتطبيق القانون العام استمرارا لسلمية الثورة، وتجاوزنا فكرة الشرعية الثورية، ومن ثمّ جرت المحاكمات وفق قواعد القانون العام، وأحالت النيابة العامة معظم رموز النظام البائد وعلى رأسهم المخلوع إلى محاكم الجنايات، ونظر القضاة فى القضايا وفقا لمواد الإحالة وطبقوا القانون.

أما الثانية فترتبط بحدود ونطاق توظيف المظاهرات المعادية للقضاة، وهنا تثور فكرة أو هاجس «أخونة القضاء» ورغبة النظام الحالى فى الإطاحة بعدد من القضاة تحت مزاعم تخفيض سن القضاة من سبعين عاما ليصبح ستين عاما، وفتح الطريق أمام تصعيد قضاة ينتمون للإخوان والجماعات الإسلامية لتتم السيطرة على المؤسسة القضائية، وهل يمكن أن يتأثر القضاء نتيجة هذه المظاهرات فيتغير وجه الرأى فيما يقضى به وهو يتصدى للنظر فى كل ما يتعلق برموز النظام البائد بالمخالفة للقوانين التى يقوم بتطبيقها!!

لم يختلف أحد حول ضرورة ارتباط «تطهر» القضاء أو«تطهيره» بتعديل القوانين والتشريعات، ولقد بدأ الدستور المصرى مسيرة المشوار بتضمينه نصوصا تقتضى بالضرورة إجراء تعديلات فى قانون السلطة القضائية، وتقدم «حزب الوسط» بمشروع قانون لتعديل بعض مواد قانون السلطة القضائية الحالى إلى مجلس الشورى الذى أحالها بدوره إلى اللجنة العامة لبحثه قبل عرضه على المجلس.

أبرز ما تضمنه هذا المشروع أربع مواد تقريبا تدور حول خفض سن عمل القضاة ليصبح ستين عاما بدلا من سبعين، وتحديد مرتبات أعضاء السلطة القضائية والهيئات القضائية وفقا لجدول موحد للمرتبات دون تمييز بين جهة أوهيئة قضائية وأخرى.
ولحين إصدار قانون بجدول مرتبات موحد لأعضاء السلطة القضائية، تبدو رغبة القضاة أيضا فى عدم القيام بأى تعديل لقانون السلطة القضائية حاليا فى ظل هيمنة الإخوان على مجلس الشورى.

لا أعتقد أن دور القضاة يمتد ليطول السلطة التشريعية عندما نتمسك بضرورة الفصل بين السلطات، وعليه فاعتراضات القضاة على تعديل قانونهم من خلال مجلس الشورى أمر فيه تزيد، اللهم إذا قبلنا من باب التجريد والعمومية اللازمين لصدور أى تشريع تأجيل عرض القانون لحين إجراء حوار مجتمعى حوله ووجود برلمان منتخب انتخابا صحيحا.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة