منتصر الزيات

التسامح لا التمايع

الأربعاء، 01 يونيو 2011 12:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كتب واحد من الذين يمموا قلوبهم ناحية واشنطن وباريس ولندن «تشابهت قلوبهم» ينعى على الدستور المصرى اشتماله على مادة تعلن أن الإسلام هو دين الدولة الرسمى، وتساءل هذا الذى لا هوية له ولا رؤية: كيف يتضمن الدستور فى بلد متعدد الديانات أن دينه الرسمى هو الإسلام؟ وكأنه اكتشف فجأة هذا الإشكال، وتنبأ آخر بحذف المادة الثانية، التى تتضمن أيضا أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع.. هؤلاء القوم وأشباههم مكانهم الطبيعى مزبلة التاريخ، بل مزبلة الحاضر، فليست لهم قامة ولا قيمة ولا حضور لدى رجل الشارع الذى لا يقبل أبدا أن تمس هويته ولا عقيدته.

المشكلة ليست فى هؤلاء المتسولين رضا واشنطن أو فسدت فطرتهم وذهبت نخوتهم، لكن المشكلة فى الذين يسمحون لهم بترديد هذه الترهات، وكأن هؤلاء لا يهدفون إلى مناهضة الدستور أو تغيير النظام الاجتماعى والقانون المعمول به.. يجد هؤلاء الأقزام صفحات يفرغون فيها هذا الذى يتقيأونه، وبرامج فى التلفاز الرسمى يظهرون خلالها كأنهم فعلا مفكرون أو باحثون، فى الوقت الذى نمنع فيه وغيرنا من أصحاب الرؤية الإسلامية من الظهور فيه.

ألا فليعلم هؤلاء أن مصر تدافع عن إسلامها بكل ما لديها من قوة، شعبها ورجالها ونساؤها وأطفالها يحبون إسلامهم ويهيمون شوقا لسيادته وهيمنته على كل مناحى الحياة، ففيه خبر ما قبلنا وخبر من بعدنا وهو الحق الذى يعلو ولا يعلى عليه.. لن يؤثر مثل هذا الصغار الذى يتقول به غلمان علمانيون مستغربون متأمركون فى صياغة هوية مصر ودينها.

ثم من قال إن مصر متعددة الأديان؟! مصر بلد إسلامى عدد سكانه الذى يفوق السبعين مليون نسمة أكثر من 90 % من سكانه مسلمون يرتضون الإسلام دينا وشريعته قانونا، يضمون معهم إخوانهم النصارى شركاء فى المواطنة، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولست فى حاجة لأن أذكر بمواقف الإسلام من النصارى أقرب أهل الكتاب مودة للذين آمنوا، أو أذكر بمواقف المسلمين من نجدة نصارى مصر الذين كانوا يتعرضون لأشد أنواع البطش على يد الرومان وقت فتح مصر على يد الصحابى الجليل عمرو بن العاص رغم أنوف العلمانيين الكارهين له، وكيف ظهر البابا بنيامين بعد اختفاء طويل وأمنه عمرو على دينه ودور عبادته وأتباع ملته.. إن النسق الحضارى للإسلام متجذر فى مصر بدرجة أصبح معها هو ثقافة إخواننا الأقباط، إن الحديث عن توتر مفتعل فى العلاقة بين المسلمين والنصارى لا يبرر بحال الافتئات على دين مصر وهويتها وثقافتها وفكرها الأصيل ونسق حضارتها، وإلا كان على المسلمين المقيمين فى أوروبا محاولة تعديل قانونها رغم أنهم لا يقوون على رفع الأذان من على مساجدهم فى بلاد تدعى الحرية، فى الوقت الذى تدق فيه الكنائس جهارا نهارا فى بلاد العروبة والإسلام، بل تتضمن مناهج الدراسة بالمدارس الابتدائية والثانوية فى أمريكا صورة متحيزة ضد العرب والمسلمين، ووصل الأمر إلى حد تهديد كل الذين يعدونهم منتقدين لإسرائيل ومؤيدين للعرب، وفى وثيقة سرية وزعتها اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للعلاقات العامة «إيباك» لائحة بأسماء من ذكرت أنهم معارضو إسرائيل ومروجو دعايات مؤيدة للعرب، ومورست ضغوط شديدة وحملات دعائية ضد إنشاء برامج عربية فى الجامعات بحجة أنها ستكون ضد إسرائيل، أو أنها ستتعاطف مع العرب، وقد رصدت اللجنة العربية لمكافحة التمييز «ADC» عدة صور سلبية موجودة داخل مناهج التعليم الأمريكية عن المسلمين والعرب كما جاء فى كتاب صورة العرب والمسلمين فى المناهج الدراسية حول العالم، أبرزها الصورة النمطية العامة التى تصف العرب بأنهم راكبو جمال، وتصور المسلمين على أنهم سفاحون محاربون متطرفون مضطهدون للمرأة، وقد اكتسبت بالطبع زخما جديدا بعد أحداث 11 سبتمبر.

إننا نحذر أمثال هؤلاء أن يمثلوا بين يدى ربهم ومليكهم يوم القيامة مجرمين لقوله سبحانه: «إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى»، إن الإعراض عن شرع الله ونهجه يسبب الشقاء فى الدنيا والمعيشة الضنك لقوله «ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى».

قال الله سبحانه «وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» المائدة 49-50.

وعلى الدعاة والعلماء وطلبة العلم والوعاظ وآحاد المسلمين وخاصتهم وجماعاتهم وهيئاتهم مواجهة هذا المخطط الخبيث والتصدى له، إن علينا القيام بواجب البلاغ والجهاد فى سبيل الله بقول الحق والصدع به «أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين»، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس»، إن علينا خوض هذه المعركة ولا نملك خيارا بديلا مهما كلفنا من تضحيات ولو واجهنا أكبر رأس فى الدولة.

لكن الموضوعية تقتضى أن نوضح ما غاب على كثيرين فهمه أن الشريعة لا تعنى تطبيق قانونها العقابى المتمثل فى الحدود، هذا جانب من الشريعة التى تعنى العدل والمساواة بين المواطنين والكفالة الاجتماعية بالأخذ من الغنى وإعطاء الفقير وإشاعة الفضيلة ومكارم الأخلاق بين الناس، ينبغى أن نمكن الناس من مناخ الفضيلة ونعينهم على مكارم الأخلاق ونوفر سبل العيش الكريم لكل مواطن قبل أن نصرخ فى وجهه بقانون الشريعة العقابى،علينا أن نصدع فى مواجهة هؤلاء الشرذمة ومن خلفهم من حكام بما صدع به هود عليه السلام فى مواجهة حملات التخويف والترهيب «قال إنى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة