منتصر الزيات

الوصية الواجبة.. جدل وأدلة وترجيح

الخميس، 28 أبريل 2011 07:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ القول بالوجوب هو قول جمع عظيم من فقهاء التابعين ومن بعد أئمة الفقه الحديث
كنا قد أشرنا إلى الإشكالية الفقهية التى أثارها المواطن مصطفى رجب حول ما ورد فى القانون المصرى فيما يتعلق بالمواريث، وتحديداً ما تضمنه من تقنين للوصية الواجبة، وأردنا قبل أن ننقل الخلاف إلى المحكمة المختصة أن ننقله للرأى العام بعلمائه وفقهائه، وقد استقبلت عددا من ردود أساتذة بالأزهر الشريف ننشرها لاحقاً.

واليوم ننشر ما ذهب إليه مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة من فتوى فى هذا الشأن، والحق أن الرجل من العلماء الذين اشتغلوا بالدعوة الإسلامية قبل تقلده منصبه وأثناء ذلك، ولم ينقطع عنها يوماً، ويسافر هنا وهناك أداء لحق الدعوة. يمكن أن نختلف مع فضيلة الدكتور على جمعة لكن يبقى احترامه كعالم من العلماء له اجتهاداته المخلصة.

يشير الدكتور على جمعة إلى الاهتمام الكبير الذى أولاه الإسلام للميراث، وتحديد الورثة، أو من لهم الحق فى تركة الميت، ليبطل ما كان يفعله العرب فى الجاهلية قبل الإسلام من توريث الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار، وغير ذلك من أمور فيها كثير من الظلم والجور، فحدد لكل مستحق فى التركة حقه. والشريعة الإسلامية تشتمل على الثابت والمتغير، وفيها القطعى والظنى، وفيها المتفق عليه والمختلف فيه، وفيها اعتبار المآلات، وفيها الموازنة بين المصالح والمفاسد، ولذلك كانت صالحة لكل زمان ومكان لجميع الأشخاص وعلى كل الأحوال، وعلى هذا المنوال جاءت قواعد الميراث ومسائله فى الشريعة الإسلامية كشأن سائر أحكام الشريعة ومسائلها على قسمين، قسم انعقد الإجماع عليه، وأصبح معلوماً من الدين بالضرورة، وهذا النوع لا تجوز مخالفته، أما القسم الثانى فهو تلك المسائل التى اختلف العلماء فى حكمها، ولم ينعقد عليها الإجماع، كمسألة الأكدرية، وميراث الجد والإخوة، وميراث ذوى الأرحام وطريقته، والوصية للأقربين غير الوارثين، وهل هو عند القول به على الندب أم على الوجوب، إلى غير ذلك من المسائل، فالأمر فيها واسع، واختلافهم فيها رحمة، ولا حجر على من أخذ بأى الأقوال فيها.

ويستطرد الدكتور على جمعة قائلاً: ومن القسم الثانى المختلف فيه مسألة الوصية الواجبة، وبيانها أن الله عز وجل يقول (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف) ولا خلاف فى أن هذا التقسيم جار إذا كان الأب أو الأم قد مات أحدهما قبل أولاده، فإذا مات الولد فى حياة أبويه وترك وراءه أولاداً ثم توفى الجد بعد ذلك، فإن الذى يرتد بموجب الآية هم الأعمام والعمات، ولا شىء لأولاد الولد المتوفى فى حياة أبيه، لأن أولاد الولد لا يرثون جدهم ما دام أولاده أنفسهم موجودين، وذلك لأن الميراث قائم على قواعد معينة، وهى أن الأقرب درجة يحجب الأبعد درجة. ولكن هل معنى هذا أن أولاد المتوفى فى حياة أبويه أو أحدهما يخرجون من التركة ولا شىء لهم من كل وجه؟.. نجد أن الشرع الحنيف والكلام لم يزل لفضيلته عالج هذه المسألة من جهة العموم بأن شرع الوصية للأقربين غير الوارثين، وذلك فى قوله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين)، فالآية تدل بظاهرها على وجوب الوصية للأقربين غير الوارثين، ومن الفقهاء من حملها على الجواز فقط، ومنهم من حملها على الوجوب, وقد نقل ابن المنذر الإجماع على مشروعية الوصية للأقربين غير الوارثين وجوازها، فقال فى كتاب «الإجماع» ص 75 / ط. دار المسلم: وأجمعوا أن الوصية لوالدين لا يرثان المرء، والأقرباء الذين لا يرثون جائزة.

ومع اتفاق الفقهاء على المشروعية لكنهم اختلفوا فى حكمها بين الوجوب والاستحباب، فذهب جمهور العلماء إلى أن حكم هذه الوصية هو الندب وليس الوجوب، وذهبوا إلى أن الوجوب فى هذه الآية منسوخ، وذهب فريق من العلماء إلى القول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين، محتجين بأن الوجوب فى هذه الآية محكم غير منسوخ للأقارب غير الوارثين، وتمام الاستدلال أن يقال: الآية الكريمة تفيد وجوب الوصية للوالدين والأقربين فى قوله تعالى (كُتب)، وهى تدل على الفرض، وذُيلت الآية بقوله تعالى (حقاً على المتقين) وهو من أبلغ الألفاظ الدالة على الوجوب.

والقول بالوجوب هو قول جمع عظيم من فقهاء التابعين، ومن بعدهم أئمة الفقه والحديث، فجاء قانون الوصية الواجبة متخيراً هذا القول، واعتبر فيه الإلزام بالقول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين فى بعض الأحوال.

وإذا كان الشرع قد أتاح للحاكم أن يتخير فى الأمور الاجتهادية ما يراه محققا للمصلحة، وأجاز له تقييد المباح، وكان حال السياسة الشرعية كحال الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فإن معنى ذلك أن الحاكم إذا تخير مذهبا رأى فيه تحقيق المصلحة، فيجب على من كان تحت حكمه التقيد به، ولا يجوز له مخالفته أو الافتيات عليه فيه.
انتهى كلام العلامة المجتهد الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية، ويبقى بعض النقاط التى ناقض فيها صاحبنا، صاحب الطعن، ما ورد فى فتوى المفتى، وتبقى أيضاً بعض الردود أو التعقيبات التى وردتنا نوجزه فى مقال قادم إذا شاء الله وقدر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة