شوقى عبد القادر

كان فيه بحيرة اسمها المنزلة

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2010 07:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلما تعرضت مجموعة من الصيادين المصريين، للاحتجاز فى دول الجوار، بتهمة اختراق المياه الإقليمية، تقفز لذاكرتى مشاهد الفيلم التسجيلى الرائع "صيد العصارى"، الذى رصد مخرجه حمدى عبد المقصود منذ 20 عاماً حياة الصيادين فى بحيرة المنزلة من خلال معايشة يوم لطفل كان فى السادسة من عمره فى ذلك الوقت، نقلت الكاميرا من خلال عيون هذا الصبى وتحركاته تفاصيل الحياة اليومية لهذا المجتمع، فى البيت والمدرسة والشارع، وأثناء ممارسة الصيد بنفس راضية، وأنت لست فى حاجة إلى أن أقول لك، إن أهم مميزات السينما التسجيلية، إنها تقدم الواقع كما هو بلا رتوش أو تزييف لسبب بسيط إنها لا تسعى لإرضاء الجمهور ولا تهدف للربح.

أتذكر على وجه التحديد من "صيد العصارى" ترنيمة الصياد العجوز التى كان يرددها بصوت شجى على مسامع أبنائه وأحفاده، وهو يجهز الشباك استعداداً لرحلة البحث عن الرزق، قائلاً: "ياريس البحر خدنى معاك أحسنلى أتعلم الكار قبل العار مايحصلى"، وبالرغم من المعنى المباشر لكلمات الصياد العجوز، إلا أنها كانت بمثابة رسالة ضمنية، موجهة للأبناء والأحفاد لاحتراف مهنة الصيد، بدلاً من البطالة والعار الذى يأتى منها.

عقب أى واقعة احتجاز للصيادين، تراودنى مجموعة من الأسئلة ترى ماذا كان سيقول الصياد العجوز؟ لو قدر له البقاء ليرى أبناءه وأحفاده وأبناء الكار، تقتادهم قوات خفر السواحل فى دول الجوار مكبلين بالأصفاد والقيود، بتهمة اختراق المياه الإقليمية، بالرغم من أنهم لم يدخلوا هذه المياه على متن بوارج حربية، ولكنهم دخلوها بمراكب صيد صغيرة تتلاعب بها الأمواج كيفما شاءت، ماذا كان سيقول الصياد العجوز؟ لو أنه شاهد زوجات أبنائه وهن يناشدن المسئولين فى مصر بالتدخل لإطلاق سراح الصيادين أو استجداء القادرين لدفع غرامات الإفراج عنهم.

ماذا كان سيقول الصياد العجوز؟ لو سمع أن هناك 13 صياداً محتجزين فى ليبيا منذ شهر مارس الماضى، قد يواجهون عقوبة السجن 6 أشهر، لو مر اليوم، الأربعاء، دون أن يدفع كل واحد منهم ألف دينار، قيمة الغرامة التى حددتها محكمة طرابلس، عقاباً لهم على اختراق المياه الإقليمية، بالإضافة لمصادرة مركبهم، وبالرغم من قناعتى الشخصية بحق دول الجوار فى أن تؤمن حدودها البحرية والبرية، إلا أننى هنا أتساءل عن المسئولية الجنائية والأدبية لمسئولينا وسياسياتهم التى جلبت العار للصيادين وأبنائهم، وجعلتهم يطاردون رزقهم حتى لو كان فى مياه الغير، فأنا لا أعتقد أن المسئولين فى ليبيا أو غيرها من الدول هم السبب وراء تقلص مساحة بحيرة المنزلة من 750 كيلو متراً لـ125 كيلو متراً بعدما غضوا أبصارهم عن عمليات الردم والتجريف المنظمة التى تعرضت لها بحيرة المنزلة التى كانت تنتج وحدها ثلث الثروة السمكية، ليجد مستوردو الأسماك وأصحاب المزارع فرصتهم الذهبية فى سد العجز من الإنتاج ولا عزاء للصيادين ولا لمهنة الصيد، أو ربما بعد سنوات نقول كان فيه بحيرة اسمها المنزلة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة