"ظل الحمار" تكشف تفاهة العقل البشرى ومستغلى الأزمات

الأحد، 11 يوليو 2010 03:26 م
"ظل الحمار" تكشف تفاهة العقل البشرى ومستغلى الأزمات
شاهدها جمال عبد الناصر - تصوير محمود الحفناوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمجرد مشاهدتى لمسرحية "ظل الحمار" التى كتبها الألمانى فريدرش دورينمات وترجمها الدكتور يسرى خميس تذكرت كل القضايا المصرية التى تبدأ من لا شىء وتتحول بقدرة قادر إلى قضية رأى عام والأمثلة على ذلك كثيرة.

استطاع فريدرش أن يتناول قضية ظل الحمار ليكشف لنا عن المستفيدين من الأزمات لكسب المزيد من النقود أحيانا والشهرة أحيانا أخرى والمتاجرة والمزايدة وهذا ما فعله المخرج إسلام الإمام الذى ركز فى إعداده للنص على فكرة تضخيم المشكلة والقدرة على دفع التوافه بشىء من الشر أو فلنقل الغباء إلى قمة الأمور الحيوية أو كما يقال بالبلدى "يعملوا من الحبة قبة".

"ظل الحمار" لدى دورينمات تدور أحداثها حول طبيب للأسنان أجر حمارا ليعالج مريضا يقطن فى قرية بعيدة عن قريته واصطحب صاحب الحمار الطبيب فى رحلته، وبينما هم سائرون فى الصحراء القاحلة التى تفصل القريتين فى يوم شديد الحر أمر الطبيب صاحب الحمار بالوقوف ونزل ليجلس قليلا تحت ظل الحمار فاحتج صاحب الحمار باعتبار أنه أجر الحمار ولم يؤجر الظل، وبالتالى هو من يستحق الجلوس تحت ظل حماره، فرد الطبيب "الظل يتبع الأصل وعندما أجر الحمار أجر معه الظل"، استفحل النزاع حتى وصل إلى ساحات القضاء وتداعت الأحداث حتى أن المدينة انقسمت إلى حزبين ـ حزب الظل وحزب الحمار ـ وصمم كل فريق على رأيه ما أدى إلى نشوب حرب أهلية طاحنة أدت إلى إحراق المدينة وفى النهاية فر الحمار من قاعة المحكمة وعند مروره بالقرية شاهد الخراب والدمار الذى حاق بها ـ فرفع أذنيه متسألا: هل أنا الحمار الوحيد فى هذه الحكاية؟؟؟

هكذا أراد دورينمات أن يؤكد فكرة استثمار الأحداث واستغلال أصحاب المصالح لها حتى وإن كانت أتفه ما يكون و كلنا يعرف بالطبع أن كرة الثلج لعبة شهيرة فى البلاد الباردة يمارسها الأطفال حيث يلقون بكرة صغيرة تسير على الجبل ثم تكبر وتكبر وتتعاظم حتى تصل ضخمة للغاية إلى قاع الأرض.

ورغم أن تلك الصورة المحفوظة فى ذاكرتنا لا تمثل أكثر من عبث أطفال إلا أن البشرية مارستها كثيرا ربما عن قلة وعى أو عن غباء – لا يمكن التحديد – لكنه حدث كثيرا فى الجاهلية المتخلفة وفى عصور التقدم العلمى الرهيب وحدث أيضا فى تراثنا العربى مرارا وتكرارا منها مثلا حكاية حرب البسوس عندما دلفت ناقة امرأة بكرية تدعى البسوس إلى مراعى كليب بن وائل التغلبى الذى أطلق حراس مراعيه السهام عليها لتصيب الضرع ويختلط اللبن بالدم فتستنجد المرأة بجارها شقيق زوجة كليب وهو جساس بن مرة البكرى ليخرج معاتبا كليبا الذى لا يعيره الاهتمام اللائق فيثور ويقتله لتنشب حرب ضروس بين بكر وتغلب لمدة أربعين عاما والسبب فى كل ما حدث ناقة.

هذا يعنى أن أتفه الأمور قد تكون سببا فى حروب طاحنة وأزمات ومشاكل وانقسامات وهذا ما أكد عليه إسلام الإمام فى "ظل الحمار" ورغم أنه لجأ إلى اللغة العامية واستخدم الشكل الكوميدى الساخر فى رسم الشخصيات و أداء الممثلين إلا أنه نجح فى توصيل فكرته ببراعة ذلك أن أفضل الوسائل لإقناع الجمهور وتوصيل الرسائل له هى الكوميديا، وساعده فى ذلك الممثلون الذين استعان بهم وهم محمد خالد فى دور الطبيب وأحمد السلكاوى فى دور محامى الطبيب وحمزة العيلى فى دور صاحب الحمار وعمرو عبدالعزيز فى دور محامى صاحب الحمار.

وقدم محمد ثروت دور القاضى بشكل ساخر جدا فهو لا يعلم شيئا عن القضية ودائما يردد مقولة "السلام" وهو لا يعى معناها كما برع فى أكثر من شخصية بيومى فؤاد وخاصة فى دور الراقصة وقدم إسماعيل جمال أكثر من "كاراكتر" منهم كاراكتر الحمار إضافة للشخصيات النسائية سماح سليم فى دور زوجة صاحب الحمار وسمر نجيلى فى دور الراقصة عشيقة شقيق الحاكم.

ومن ضمن عناصر نجاح العمل كان الديكور والملابس التى صممتها الفنانة مروة عودة واستخدمت عناصر بسيطة جدا لكنها معبرة ومنها"السيلوت" أو خيال الظل الذى استخدمته فى رسم صورة للحمار كانت ملازمة لجميع مشاهد العرض وأعطت إحساسا بالمكان.
كما استخدم المخرج الإضاءة المناسبة لكل فترة زمنية إضافة لاستغلاله فكرة الراوى فى ربط الأحداث والمشاهد فى المسرحية مع الموسيقى المناسبة والملائمة للجو الكوميدى المسيطر على العمل.

قضية ظل الحمار إذن هى قضية الإنسان عندما يتحول فى جهله إلى شىء أشبه بالحمار، فيفقد القدرة على التمييز بين ما هو عادى وبين ما هو كارثى وذلك هو الإسقاط الأول الذى يمكن أن تخرج به من المسرحية المليئة بالإسقاطات.

الإسقاط الآخر يتمثل فى كل من المحامين المستغلين اللذان حاولا الاستفادة من الخلاف ليتحصلا على نصيب من الكعكة ولا أدرى لماذا شعرت فى خط شخصيتهما بشىء أقرب إلى برامج التوك شو التى تستفيد من عدد مشاهدات على الشجار والمشاكل فقط من أجل مزيد من الإعلانات أى مزيد من النقود.

أما الإسقاط الثالث فكان من خلال رجال الدين الذين لا يدركون الفارق بين ما هو دينى وما هو وطنى فيقودون المجتمع إلى الكراهية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة