لا يمرض الأفراد وحدهم؛ بل تعتلّ المُؤسَّسات أيضًا، ويجرى عليها ما يجرى فى حق البشر من الشيخوخة والعجز ونقص الكفاءة. والتاريخ مُترع بحكايات عن كيانات ضربها العوار
فارقٌ واسع بين التكتيك والاستراتيجية، فى السياسة كما فى فرعها من علوم الإدارة. إن كانت الغاية توظيف القدرات إلى أقصى مدىً مُمكن، والتدرُّج فى إنجاز المهام وصولاً إلى هدفٍ سامٍ ومقصود لذاته؛ فإنه لا بديل عن فرز التطلُّعات المرحلية والنهائية. إن طبّقنا ذلك على المشهد السياسى الراهن فى مصر.
بعض الأمور من طول الصمت عنها تترسَّخ فى الأذهان، وتصير بين ثوابت العامة. كثير من العادات انتُزعت بالاعتياد، وتوارت مضارّها وراء سُلطة الشيوع والابتزاز، وتحت غطاء من قصور التشريع أو غياب التنظيم ودفاع الناس عن تساويهم فى المجال العام.
يبدو أن المارد قد غادر القُمقم. البشر ذاهبون لاختبارٍ أعقد من كلِّ ما عاشوه فى تاريخهم، وتلك المرَّة لا ينشأ عن كارثة طبيعية، ولا انحرافٍ طارئ فى قوانين العالم؛ إنّما يتحصَّل من مجموع القفزات الحضارية وفوائض المعرفة، والطموح الذى صار طقسًا مُقدَّسًا لا يُمكن الرجوع عنه.
كأنها مواسم محفوظةٌ تتجدَّد فى الزمن. أصبح تعامل إسرائيل مع ذكرى حرب أكتوبر وملفَّاتها رتيبًا مُكرّرًا، ويستهلك الأكاذيب القديمة أكثر ممّا يُوفّر جديدًا عن فاصلٍ تاريخى وحيد.
بعض العلامات اللغوية تفقد بريقها ودلالاتها من طول التحريف وخفَّة الاستهلاك. كأن تصف شخصًا بأنه «رمز وطنى» مثلاً، وقليلون من الناس يتحرَّرون من شخصانيّتهم وحضورهم المادى.
كانت التسعينيات إيذانًا بفصلٍ جديد. ما عادت الجماعات المُتطرّفة مُكتفيةً بالنزح من خزّان الريف والمُهمَّشين؛ فتطلَّعت لموطئ قدمٍ بين النخبة، ولم يكن مُمكنًا أن تُغريهم بالشيخ كشك ورفاقه
ما زال العالم يعيش حقبةً غربيّة مُمتدّة، كانت أسبقية أوروبا إلى التحلُّل من رواسب العصور الوسطى؛ إيذانًا ببلوغ مرحلة جديدة فى العلاقات الدولية، بدأ ذلك من «صلح أوجسبورج».
بدا المشهد كأن «مارك» وفريقه يرقصون حول النار، وينفخون فيها. على قسوة العبارة؛ فإنها توصيف قريب لما جرى من عملاق التقنية والمنصّات الاجتماعية فى واحدة من أفدح أزمات كندا.
انقضت ستُّ سنوات تقريبًا، وأصبحنا على مرمى حجرٍ من الاستحقاق الرئاسى. إنّه السباق الأهم فى الأنظمة الرئاسية أو شبه الرئاسية، ويكتسب زخمًا أكبر فى الراهن المصرى.
كانت خمسة وأصبحت أحد عشر. يبدو كما لو أن مجموعة «بريكس» تنتقل من «ألعاب الصالات» إلى استاد فسيح، وباتساع الملعب تتطوَّر القوانين والأهداف.
أنجز الحوار الوطنى غايته، أو كاد؛ ويتبقَّى أن يُوضَع على طاولة الدرس والتحليل، لا من أجل تقييم عطاياه سلبًا وإيجابًا، وذاك من الأولويات غير المُنكَرة؛
كما أن الحرب سياسةٌ من نوع آخر؛ فالمنافسات الناعمة حروبٌ تحت لافتات أقل اشتعالاً. عندما يجتمع مُشجّعو فريقين فى المدرجات، تكون مُواجهة الملعب تعويضًا عن صدام الجماهير.
كان التفاؤل فى ذروته قبل ثلاثة أشهر تقريبًا؛ ثم انطفأت الحماسة نسبيًّا، بعدما تبدّت العثرات المُتتابعة على الطريق. أضاع العرب سنوات طويلة بعيدًا عن سوريا وأزمتها.
تبدَّت الحصيلة أكثر وضوحًا، والمواقف باتت أقرب ممّا كانت عليه. وقد قطع الحوار الوطنى شوطه الأطول وسط غابة من التباينات، وسوء الفهم، والميراث الثقيل بين القوى السياسية وداخل كلٍّ منها.
خمس عشرة سنة مرَّت على رحيل محمود درويش، شاعر القضية الألمع والأكثر تعبيرًا عن المحنة الطويلة، بمرارتها الزاعقة وصوتها الخفيض..
هجينٌ صار جماعة، وأخلاطٌ أُرِيد لها أن تكون جسمًا واحدًا. أخذت «الإخوان» من كلِّ فكرة أردأها ومن كلِّ حركةٍ أسوأ ما فيها، وطبعت جميع ذلك بوصفةٍ شديدة الانتهازية فى التلوُّن واختراق جدران الفضاء العام.
عشر سنوات تمرّ اليوم على فضّ بؤرة الإخوان المُسلَّحة فى رابعة العدوية «ميدان الشهيد هشام بركات حاليًا». دفعت الجماعة المشهد إلى الحافة، وراهنت على أثر المواجهة الخشنة فى إخضاع الخصوم
هل كشف الحوار الوطنى تناقضات قوى السياسة أم سترها؟ بعد 16 شهرًا من الدعوة و5 أسابيع من الجلسات، نبدو أمام تجربة تواصلية واضحة المعالم
الذاكرة الغنائية المُعاصرة باتت مثقوبة. أغلب إنتاجات المطربين من كل الأجيال لا تصمد أكثر من أسابيع، ثم يُواريها النسيان. لم يكن ذلك مُعتادًا فى السابق؛ إذ كان طبيعيًّا أن تختلف حظوظ الأغنيات من الذيوع.