سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 22 أبريل 1934.. الشيخ مصطفى عبدالرازق فى حفل تأبين الفنان محمود مختار: «أول من حاول أن يبث فى الحياة المصرية حب الفن وذوق الفن»

الإثنين، 22 أبريل 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 22 أبريل 1934.. الشيخ مصطفى عبدالرازق فى حفل تأبين الفنان محمود مختار: «أول من حاول أن يبث فى الحياة المصرية حب الفن وذوق الفن»

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

خطف الموت الفنان محمود مختار، رائد فن النحت بمصر، وصاحب «تمثال نهضة مصر»، فى 28 مارس 1934، وكان لارتحاله هزة ألم حزين عند أصدقائه ومعاصريه، فبكاه المفكرون والشعراء، وفقا لبدر الدين أبو غازى فى كتابه «المثال مختار».


فى 22 أبريل، مثل هذا اليوم، 1934 نظمت جماعة «الأسايست» «المحاولون» إحدى جماعات الفن التشكيلى بمصر حفل تأبين للفقيد، وتكلم فيها، الدكتور طه حسين، وألقى الشاعر خليل مطران قصيدة، وألقى الدكتور مصطفى عبدالرازق أستاذ الفلسفة وشيخ الأزهر من 1946 حتى وفاته فى 15 فبراير 1947 كلمة أكدت أن تحت عمامته عقل شيخ، وفيلسوف، وفنان وأديب.


أورد «أبوغازى» كلمة «عبدالرازق» فى كتابه، وقال فيها: «ودع مختار الحياة وهو يحب الحياة، وكانت الحياة تحب مختارا، كان مختار يعشق الحياة، لما يدرك فيها من آيات الجمال، صوره، معانيه، وقد ألهمته فطرة الفنانين محاسن الحياة، وشحذ المران فهمه وذوقه وشوقه فذاق وعرف، بلغ مختار بعض ما أوحى إليه من سر الجمال فى آثار من تماثيله بارعة: منها ما يصور الجمال النسائى ملامح لا نرى فيها إلا بساطة وإلا سحرا، وقواما سليما فى اعتداله وفى هيفه روعة الواقع ولطف الأثر، وصدرا يتسامى فى قوة ونبل، ويفعل بالألباب ما تفعل الأعين النجل.


ومنها ما يرسم المعانى فيكشف عنها الأسرار، ويترك حقائقها المجردة نهبا للأبصار، فهذه العدالة ميزان تستوى كفتاه استواء فى ظل صارم بتار، يعتمد على مقبضه ساعد مفتول لإنسان تجمعت فى مظاهره كل مخايل الشجاعة التى لا تعرف ترددا، وكل مخايل الجد الذى لا يعرف هزلا، وكل مخايل القوة التى لا تعرف هوادة إذا هم الميزان أن يميل».


يضيف عبدالرازق: «لو أن مختارا أمهله الأجل لبلغ رسالة الفن كلها ولجعل من المعانى والمثل العليا تماثيل من مرمر مسنون، يلحظ الناظر فى آثار مختار امتلاء نفسه بحب بلاده، فطراز الحسن فى تماثيله مصرى، والثياب مصرية، والسمت مصرى كما نرى فى تماثيله المعروفة: على شاطئ النيل، امرأة شيخ البلد، بائعة الجبن، المرأة القاهرية، إلى ماء النيل، هجعة القيلولة، نهضة مصر.


ولئن كان الفن غاية فى نفسه لأن الفن مظهر الجمال، والجمال غاية الغايات وعلة وجود الأرض وعلة وجود السماوات فإن مختارا كان يحاول أن يسخر فنه المحبوب لخدمة وطنه المحبوب، ليس مختار هو أول فنان مصرى فى التاريخ الحديث فحسب، ولكن مختارا هو أول من حاول أن يبث فى الحياة المصرية ذوق الفن وحب الفن، وحاول أن يخلق لأهل هذا الشأن جوا فنيا يسع متاع الجمال وبنفس العواطف ونزوات المرح ووثبات الخيال، لقى فى بادئ الأمر خصومات ولقى إنكارا عنيفا لهذا اللون من العيش فى سوط حياتنا العابسة القاسية التى تريد أن تفرض حتى على الفنانين عبوسها وقسوتها ويأبى الفن إلا أن يعيش ضاحكا حرا».


يكشف عبدالرازق: فى صيف 1928 حضرت مؤتمر الأديان فى لندن، وقضيت أسبوعا فى عشرة طائفة من شيوخ العلم والفكر فى العالم يفنون شبابهم فى الدرس ولا يضنون بشيخوختهم على البحث المتأصل العميق، ولما انفض المؤتمر انحدرت إلى باريس على موعد من مختار فدعانى للسفر معه إلى «لورماران» وهى قرية من قرى «البروفانس» بفرنسا ليس فيها إلا فندق واحد التقى فيه جماعة من أهل الفن بين حفار ورسام، وقد وجهوا همتهم لترميم قصر أثرى هناك وإعداده ليكون متحفا لفن البلاد الواقعة على البحر الأبيض المتوسط فى مختلف العصور.


شهدت فى أسبوع العلماء كيف ينصرف أهل العلم إلى إدراك الحقائق بإجهاد الفكر والتعمق فى الدرس والنظر، فتغلب حياتهم الذهنية على كل نواحى حياتهم حتى لتراهم فى الدنيا وكأنهم ليسوا من أهلها وتحسب شابهم وهو فى ميعة الشباب شيخا وقورا، أما أهل الفن فشأنهم أن يلتمسوا حقيقة الحقائق وهى الجمال بإدراك هو ألطف من العقل جوهرا، وأنفذ مأخذا وأهدى سبيلا لا يتكلفون جهدا إلا أن تنشرح صدورهم للحياة ويقبلوا بكليتهم عليها فتجلى فى صدورهم سر الحياة وجمالها، بين لهوهم ومرحهم وضحكهم ينقدح فى نفوسهم من معانى الوجود ما لا يصل إليه الفكر مجهودا معنى، كأنما كل أولئك الفنانين فى «لورماران» كانوا شبابا يتخذون الحياة لهوا ولعبا، وتفتنهم زخارفها وظواهرها على حين كانت ظواهر الحياة تكشف لهم عن بواطنها، وكانت تماثيلهم وصورهم تعبر عن معان تسمو على العبارات والتماثيل والصور.


ليست الآثار الفنية بأقل خطرا فى حياة الجماعات من الآثار العلمية، وليست دونها فى الهداية إلى فهم الكون والكشف عن حقائقه، فنشر الثقافة الفنية مجهود صالح لخدمة الإنسانية كنشر الثقافة العلمية.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة