ناهد صلاح

يسرى نصر الله.. أفلامه التى نحبها

الأربعاء، 06 مارس 2024 01:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بمناسبة عرض النسخة المرممة الجديدة لفيلمه "صبيان وبنات"، لأول مرة ضمن فعاليات الدورة الـ25 لمهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، أكد المهرجان أن التجديد ليس فقط فى عرض الإنتاجات المعاصرة وطرح النقاشات حولها، إنما كذلك من خلال رؤى تتجدد فى فهم الصورة بصريًا وفكريًا وجماليًا، فبعد نحو 47  عامًا من إنتاج الفيلم فى العام 1995، نكتشف هذه العلاقة بين مُشاهِد يتوق إلى المعرفة والفُرجة، وفيلم يمنحه معرفة بعض الأشياء وصُنعه جميل فى ذات الوقت، فيلم يُلائم طبيعة المهرجان ويمتلك خصوصيته الجمالية فى صُنع المختلف، بما يُسهم فى تمتين أسس الوثائقى وتحقيق المُراد منه، حالة منقلبة على كلاسيكية الاشتغال، تُوثق دراميًا تروى وقائع وتوثق شهادات وتنبش فى المخفي، كى يكتشف وتُعرّى زمنًا ومجتمعًا.
 
من هذا المنطلق فإنه يُمثل نمطًا من اشتغال وثائقي، يذهب بعيدًا فى بناء عوالمه السينمائية المنبثقة من تأمل للواقع، ويتحرر من سمات تقليدية لهذا اللون السينمائى بمفهوم يثير التأمل ويضعنا أمام الكثير من الأسئلة، عنوانه دال وواضح يتصل بالعلاقة بين الجنسين: "صبيان وبنات" فى مجتمعنا المتحفظ، ومنه يتفرع إلى قضايا اجتماعية كثيرة ومنها موضوع الحجاب وإشكالياته، إذ يتتبع الفيلم الذى تم تصويره على مدار عام فى 75 ساعة، واستمر مونتاجه نحو 9 أشهر، فى قالب وثائقى يتوغل فى حياة الفنان باسم سمرة الذى كان وقتئذ يعمل مدرسًا فى إحدى المدارس الصناعية، ويتخذ أولى خطواته فى مجال الفن مع المخرج يسرى نصر الله، يلتقى الفيلم بدائرته المقربة من العائلة واﻷصدقاء، فنجد باسم يتجاذب معهم حول حياتهم، تقودنا هذه المناقشات الهادئة إلى شكل الحياة الاجتماعية والسياسية وقت تصوير الفيلم.
 
الذاتى فى الفيلم منطلق لقراءات جمّة عن ناس وأمكنة وتاريخ وتفاصيل عديدة يشتمل عليها سرد محمل بكم هائل من المشاعر والتساؤلات، ولعل هذه التفاصيل الحميمة هى ما حفزت يسرى نصر الله لإنجاز فيلمه، وهو الذى صرح فى لقائه مع الصحفيين ليلة عرض الفيلم قائلًا:
"أنا أصنع الأفلام التى أحبها، عن الأشياء التى أحبها فى الحياة"، ولعل هذا أيضًا ما يمكن أن نتتبعه فى مشواره منذ أول أفلامه "سرقات صيفية" (1988)، الذى قارب فيه المرحلة الناصرية بمنظوره الشخصى المشغول بطبيعة المرحلة وهل عاش الشعب مع إدارته تجربة إشتراكية أم كانت رأسمالية دولة؟ على خلفية من مشكلة الزراعة والإصلاح الزراعى فى مصر، مرتكز على حياة أفراد عائلته وشعورهم بالفزع إزاء قرارات الإصلاح الزراعي..  مشغولً أكثر بالإفرازات الثقافية والفكرية والاجتماعية فى تلك المرحلة مصريًا وعربيًا.. يسرى نصر الله الذى ذهب إلى لبنان وشاهد وشهد على تفاصيل تحولات أخرى مرتبطة بالمقاومة الفلسطينية، واليسار العربي، ثم اشتغاله فى "السفير"، الصحيفة اللبنانية العربية، بين عامى 1978 و1982، عام عودته إلى القاهرة، قبل وقت قليل على الاجتياح الإسرائيلى الثانى للبنان، هذا أسهم فى تكوينه الإنسانى والفكرى وغذى اشتغالاته السينمائية وتساؤلاته الثقافية، وحضوره الذاتى الذى لمسناه كذلك فى "مرسيدس" (1993)، إذْ يُتابع انهيار المعسكر الاشتراكى مقابل عالم قادم بأفكار مختلفة، ثم يأت بعنوان "صبيان وبنات" (1995) كفيلم وثائقى يلتقط فيه أحوال شباب وفتيات مصريين، ينقلنا الفيلم إلى عالمهم وأسلوبهم فى حيل التحدي، ويحكى لنا عن وحوالهم ونظرتهم إلى العلاقات الثنائية بمختلف وجوهها: المناخ العاطفي، مفهوم الجنس، التقاليد الاجتماعية المتوارثة، طغيان الحالة الدينية، منذ مطلع تسعينيات القرن الـ20؛ من دون تناسى ظاهرة الحجاب ودلالاتها الاجتماعية، وتأثيراتها النفسية والإنسانية.
 
ينقلنا فى "المدينة" (2000) إلى حالة أخرى، ثمة فرد يفقد تواصله مع ذاته فى بلده فيبحث عنها عبر السفر، وسيلته فى الخلاص.. الحالة فى هذه الأفلام مصرية مهمومة بخصوصيتها، لكن التكوين الثقافى والفكرى ليسرى نصرالله لا يقف عند الحدود المصرية، بل يتجاوزها إلى الهم العربى والإنساني، وهذا جزء من دوافعه لتقديم "باب الشمس"، بجزئيه "الرحيل" و"العودة" (2005)، المأخوذ عن رواية بنفس العنوان صدرت فى العام (1998) للروائى اللبنانى إلياس خورى (المُشارك مع نصرالله، ومع السينمائى والكاتب اللبنانى محمد سويد، فى كتابة السيناريو)، فى إطار ملحمى عن القضية الفلسطينية، طارحًا أسئلة الهوية والانتماء والاقتلاع من الوطن عبر سيرة حب ممتدة.
 مشروع يُسرى نصرالله احتوى أفلام أخرى متباينة، لكنها تدور على أساسين: ما يحبه كما سبق وأن صرح، وما يثير التفكير ويحفز على التحدى وطموح التغيير، إنه يقوم بتفكيك أحوال المجتمع من خلال شخصياته، يتجلى ذلك مثلًا فى "جنينة الأسماك" (2008)، "احكى يا شهرزاد" (2009)، إلى "الماء والخضرة والوجه الحسن" (2016)، فضلًا عن  "بعد الموقعة" (2012)، و"داخلي/خارجي"، فى الفيلم الجماعى "18 يوم" (2011)، عن يناير 2011 وتجليات الأسئلة حولها.
 نحن إزاء سينمائي، مفكر ومناضل، لديه لغة سينمائية أبعادها ومكوناتها وهواجسها منسوجة بأدوات معرفة وإبداع، لذا حين نعيد مشاهدة فيلمه الوثائقي" صبيان وبنات" فإنه من الطبيعى أن نشعر أولًا بالامتنان لفكرة الترميم وما يمنح الصورة من حيوية، وثانيًا بتفاصيله الطالعة من حياتنا والتفكير فى احتمالات ما سيكون مستقبلًا.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة