مها عبد القادر

الأمن الفكرى لبنة البناء والنهضة

الأحد، 11 فبراير 2024 02:57 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يُعد الأمن الفكرى السياج الذى يحمى المجتمع، ويحقق مصالح الأفراد والجماعات فيه، بحيث يصبح المجتمع آمن على نسقه القيمى، ومبادئه، ومعتقده، وأمواله وأعراضه، ويستمتع أفراده بعقولهم، وليكونوا قادرين على إبداء آرائهم المسئولة، ومن ثم تكمن قيمة الأمن الفكرى فى تلاحم أفراد المجتمع بطوائفهم المختلفة، لا فرق بين إنسان وآخر؛ فالجميع يعملون فى روح من المودة والتعاون، ويشعرون بالارتياح النفسى والثقة والقدرة على المشاركة بقوة وأمانة وفاعلية.
 
ومن أولويات الأمن الفكرى العمل على صيانة عقول أفراد المجتمع ضد أى انحرافات فكرية أو عقائدية مخالفة لما تنص عليه تعاليم القيم التى يتبناها أو نظمه وتقاليده وأعارفه؛ لذا فإن فلسفة الأمن الفكرى تقوم على تحقيق الطمأنينة بناءً على سلامة الفكر والاعتقاد، والعمل على معالجة مظاهر الانحراف الفكرى فى المجتمع، ومن ثم تتأكد غايته الرئيسة فى حماية العقول من الغزو الفكرى، والانحراف الثقافى، والتطرف الديني؛ لذا بات الأمن الفكرى من الضروريات الأمنية ويؤدى دوراً رئيساً فى الاستقرار بشقيه الاجتماعى والنفسي؛ حيث يدعم لغة الحوار القائم على الحقائق، والمبنى على المخاطبة العقلانية، والحرية المسئولة.
 
ومن مظاهر حفاظ الأمن الفكرى على العقول من المؤثرات الفكرية والثقافية الضارة والمنحرفة القضاء على مسارات القرصنة الفكرية أو السمسرة الثقافية التى تضعف العمل بالمبادئ وتخدش ماهية القيم، وتهمش الثوابت؛ حتى يعيش الفرد آمنا مطمئنًا على مكوناته الشخصية وتميزه الثقافى والمعرفى ومنظومته الفكرية، ويتأكد من ذلك سلامة فكر الإنسان وعقله وفهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال، فى فهمه للأمور السياسية والدينية وتصوره لمجريات الأحداث فى الكون الفسيح.
 
وتلتزم الدولة والمجتمع وفق مبدأ الشراكة فى العمل على تجنب الفرد لما يثار من شوائب عقديـة، أو فكريــة، أو نفســية تكــون ســببًا فى انحــراف الســلوك والوقوع فى المحظورات والمهالك، وهذا يتطلب الحماية الجادة من شتى أنماط الأفكار المتطرفة أو الضارة التى قد تؤدى إلى العنف، أو النزاع، أو الانقسام، أو الاضطرابات الاجتماعية التى تحدث زعزعة للاستقرار.
 
ويتسق الأمن الفكرى مع ماهية الأمن الوطني؛ حيث أن كلاهما يحرص على الزود بكل قوة عن النسق القيمى والمعتقد الذى يتبناه ويؤمن به المجتمع، ومن ثم يتشكل الكيان السياسى الذى ينظم أطر التعامل والتعاون ويضمن التماسك بين جميع الأفراد داخل هذا المجتمع، ويحافظ على الحياة ويأصل سُبل استقرارها، ومن ثم يعزز من مقومات الأمن القومى ويدعم ماهية التعايش السلمي؛ حيث العمل على حماية الوطن من النفاق والهزل السياسى، والعنف، وتدمير الأرواح، والممتلكات. 
 
وتشارك كافة المؤسسات المجتمعية الرسمية منها وغير الرسمية وفى مقدمتها المؤسسة التعليمية فى تعزيز الأمن الفكرى، من خلال دعم المعلومات والاتجاهات والمهارات التى تعزز السلام العالمى وما يرتبط به من مفاهيم، وقبول وتقدير واحترام الأخر وإكساب الأفراد مهارات وقيم ومعايير المواطنة العالمية.
 
وتتعدد استراتيجيات الأمن الفكرى لتشمل الخبرات الصحيحة التى تتأتى من تعليم مقصود، وتعضيد للثقافة بتنوعاتها؛ بالإضافة إلى التوعية المقصودة بالمخاطر والانحرافات الفكرية وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعى، ولا مناص عن تعاون بين مؤسسات الدولة المختلفة بشأن العمل الجاد لمكافحة التطرف وتوطين القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإكساب الأفراد مهارات التفكير النقدى والتحليلى والقدرة على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة والشائعات.
 
ومن طرائق تحقيق الأمن الفكرى العمل على حفظ التوازن بين حماية الأفراد والمجتمعات وحقوقهم فى حرية التعبير والرأى بصورة مسئولة، تحقق مصلحة الأوطان، ولا تدعوا للهدم والشرذمة بطرائقها المختلفة، مع سلامة المعتقد ووسطيته، والتأكيد على ضمان الشفافية والمساءلة فى تنفيذ إجراءات الأمن الفكرى.
 
ويواجه الأمن الفكرى تحديًا جمًا إزاء التطور التقنى المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى عبر كفاءة غير مسبوقة لشبكة الاتصالات الدولية، بما يؤدى إلى تزايد المخاطر المتعلقة بالانتشار السريع للمعلومات والأفكار غير الموثوقة والمضللة، مما يتطلب مزيدًا من الجهود لتعزيز الوعى وبناء المناعة ضد الأفكار المتطرفة والضارة.
 
وجهود الدولة المصرية واضحة حيال تعضيد الأمن الفكرى لدى أبناء الأمة؛ حيث تنظم وتقام ورش العمل والندوات والحوارات الوطنية المفتوحة لمناقشة شتى القضايا؛ لتوضيح التأثيرات السلبية جراء نشر الفكر المنحرف، وتقديم طرق علاج فورية بواسطة النقاش الحر؛ حيث تتضح الرؤى وتنمى مهارات التفكير الناقد، ويتم التأكد من صحة ومصادر المعلومات وموثوقيتها؛ لفهم الأمر قبل اعتماد الآراء أو الاعتقادات.
 
وفى الحقيقة هناك دور فاعل لوسائل الإعلام وجهود مضنية فى تحقيق الأمن الفكرى الذى يعد لبنة البناء والنهضة للجمهورية الجديدة؛ حيث تقديم المعلومات الموثوقة والمتوازنة والصحيحة والعمل على تنمية وعى الأفراد، وتنمية مهارات التفكير النقدى لديهم اعتمادًا على شاهد ودليل، وأعدادهم ليكونوا صناع للمعرفة وليس مستهلكين لها، بما يعظم من مناخ التسامح والاحترام المتبادل والمساواة والعدالة كأساس للتعايش السلمى.
 
والدولة المصرية وقيادتنا السياسية الحكيمة كان لها السبق فى قراءة المشهد بشأن قضية الأمن الفكري؛ حيث وجهت مؤسسات الدولة للعمل على تمكين الشباب والتأكيد على دورهم المحورى فى مكافحة التطرف والعنف والإرهاب ونبذ الأفكار المضللة وتفنيد الشائعات وأن يكونوا حائطا منيعا عن المجتمع من خلال تقديم نظام تعليمى متميز وبرنامج تدريبة تنويرية وإكسابهم المهارات الحياتية والتوجيه الوظيفى للشباب للقيام بدورهم الإيجابى فى وطنهم الغالى.
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة