الانبا باخوم

بداية نهاية

الخميس، 04 يناير 2024 11:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع كل عيد ميلاد، نتذكر من جديد أنه بداية، بداية لنهاية، نعم نهاية قد لا يمكننا أن نراها اليوم؛ ولكن كلنا نرجوها، نرنو إليها ونطمح لها، نهاية حروب، مجاعات وانقسامات، نهاية حقد وأسلحة ومخدرات، نهاية استغلال الإنسان وكرامته، سيطرة المادة، نهايات عديدة ننتظرها؛ ليكون الميلاد بدايةً لنهاية!
مع كل ميلاد نرى ما قد لا نستطيع أن نراه اليوم: نرى التوافق محل الصراعات، نرى الحب والتسامح محل للانتقام، نرى الشبع للجياع، والتعزية للمحزونين، نرى أملا لكل يأس، نرى فجرًا لليل طويل؛ ليكون الميلاد بدايةً لهذا!
 
أومن أن الميلاد بذرة لكل هذا، نبتة إذا سقيناها واستقبلناها وراعيناها؛ تثمر كل ما ذكرناه ونتمناه.
ميلاد طفل هو دائما أعجوبة من الخالق، مهما كان تدخل البشر، رجلا أو امرأة. يبقى ميلاد الطفل، كل طفل، معجزة خلق، لن يمكننا أن نفهمها أو ندركها أو نحسبها. قد نتعامل معها ولكنها تفوق قدراتنا وإمكانياتنا العقلية والبشرية. فما أدراك بميلاد طفل بدون تدخل رجل. طفل من عمل الله. يدخل إلى العالم بطريقة ليست بشرية، بطريقة ليست من تدخل وقدرة رجل، يسكن فى رحم أم لم تعرف رجلا. 
 
هكذا عمل الله، كل ما هو إلهى هو نعمة، هو مبادرة منه إلينا. قد لا يمكننا أن نبدأها نحن، لا يمكننا أن نضع خطوات وآليات لتحقيقها، ولكن هو يتدخل وبنا يصنعها ومعه نُتمّمها، هذا هو مشروع الله: مشروع حب وخلاص ورحمة وسلام، مشروع نهاية لشرّ وألم وضيق.
 
هذا هو الميلاد، أن يترك إنسان اليوم نفسه، مثل السيدة العذراء مريم، لتدخل الله، والذى لأوقات عديدة غير مفهوم، بل وغير منطقى بقواعدنا البشرية، يبهرنا ويجعلنا فى حالة استعجاب، بل وأوقات شك، عمل ليس من صنع يد البشر ولا قدرتهم ولا قوتهم، ولكن البشر، أنا وأنت، مدعوّون أن نستقبله، أن نحتضنه، أن نتبناها، كما فعل خطيب مريم مع الطفل. لم يكن هو الوالد ولكن قبل ووافق أن يُعطيه اسمه، كيانه، هويّته، قوته. هذا ما نحتاجه اليوم أن نعطى اسم، وقوة وقدرة ورغبة وإرادة لعمل الله الذى يرغب أن يفعله اليوم. أن نقرض حياتنا له، فيقرضنا هو حياته ورحمته. 
 
طفل يُولد فقيرا، بسيطا، عاريا من كل قدرة وسلطة ومجد وحق، حتى أنه وُلد فى مغارة تستقبل كل شىء إلا الإنسان. هناك ولد، ليُعلّمنا البساطة؟ أكيد. ليُعلمنا التواضع؟ أكيد، ولكن أيضا ليُعلّمنا أن عمل الله يبدا مما لا نتوقعه، مما نراه مُحتقرا ومرذولا من حولنا، عمل الله يبدا أينما هو يريد أن يبدأ، وليس أينما نرغب أو ننتظر. 
 
لا يخفى علينا كم هو أصبح من الصعب الحب الحقيقى، الرحمة والتسامح من الآخرين، لا يخفى علينا مدى الظلم الذى نراه، وأعتقد أن الإنسان بمفرده لا يمكنه، الشر أقوى، وعدو الخير حاضر، نحتاج لطفل، أى لتدخل إلهى فى حياتنا كى نستطيع معه: حب وحرية وكرامة لكل إنسان. نحتاج لطفل وأم وخطيب. نحتاج لعمل الله، ولأشخاص مستعدين وآخرين يجتهدون ويعملون ويكّدون.
 
ويبقى الإنسان هدف الطفل، لأجله وُلد وله أُرسِل، يبقى الطفل معجزةً، ويبقى الإنسان هدف المعجزة. يبقى الله مُحبًا، ويبقى الإنسان هدف حبه. 
يا طفل المغارة لا تمر هكذا دون أن تتوقف فى قلوبنا وعقولنا وحياتنا. يا طفل المغارة ادعونا فنأتى إليك، يا طفل المغارة نادينا فنُلبّى نداك، ساعدنا لكى نُحقق ما يرغبه الله للإنسان، وهو أن يكون إنسانًا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة