حازم حسين

عقيدة الضاحية فى غزة.. مقعد وضيع إلى جوار الرايخ الثالث

الأحد، 14 يناير 2024 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مائة يومٍ وما زال الشيطان سارحًا فى تل أبيب، والعالم نائمًا، والغزِّيون وحدهم يدفعون فواتير المُغامرة والجنون، ثمانيةُ عقود من الذبح على الهُويّة لم تستنفد مخزونَ الشرِّ فى إسرائيل؛ فأثبتت الدولةُ المُلفّقة مُجدّدًا أنها بلدٌ مارق، مُتوحّش، وفاقدٌ للأهلية والأخلاق، وإن كانت الجريمة مُعلّقةً على غلاف التوراة وفى رقاب النازيِّين الصهاينة؛ فإنَّ الرُّعاةَ الغربيِّين فى أدنى الصورة الدامية، يبدون كأنهم خَدمٌ وُضعاء يُمسكون الضحيّة إلى أن يستلَّ الجزّار سيفه الحديدى، تضخَّمت الأرقام حتى كأنّ الأرضَ غائصةٌ فى بِركةٍ من الدم؛ إنّما لا شىء جديد فى المقتلة المفتوحة منذ عقود، طُبِخت دُويلةُ اليهود على نار الهولوكوست، ثمّ استعارتها لتطبخ عليها لُحومَ الفلسطينيين وتصهر بيوتهم، وما فى غزّة اليوم ليس إلَّا محرقة ينتصب هتلر على أطرافها، ربما تبدَّلت الملامحُ قليلاً، وحلَّت القلنسوةُ بدلاً من الشارب على شكل فُرشاة الأسنان، والشمعدان السباعى غَطّى على الصليب المعقوف؛ لكنهم فى الأخير يأكلون من ماعونٍ واحد، ويشتغلون فى مهنةٍ واحدة: القومى الاشتراكى فى ألمانيا والليكود والتوراتيّون فى فلسطين المنهوبة، آيخمان وجوبلز وهيملر وجورينج، ومعهم بن جوريون وبيجين وبيريز وشارون ونتنياهو، والأمريكيون من المستوطنين الأوائل إلى «ترومان» النووى و«بوش» الغبى.. يا عزيزى كلهم نازيّون.
 
ما يعيشه القطاع؛ أو يموتُه بالأحرى، منذ نحو خمسة عشر أسبوعًا، يفوق كلَّ ما يُمكن أن تُحصِّله سِعةُ الحصر وبلاغةُ الوصف، تعلَّل المخابيل الطالعون من تلمودٍ مُلطّخ بالوحل والدم، بالهجمة التى شنّتها «حماس» وراء سياجهم الأمنى العالى، وهو نفسه دليلٌ على واحدٍ من أبشع فصول الاستيطان والفَصل العنصرى فى التاريخ، كانت الحجَّة ساذجةً تمامًا؛ لأنهم ما توقّفوا عن الإبادة يومًا، وكان القصدُ أن تصير «غزة» عبرةً للخصوم جميعًا، لقد سَعوا منذ الرصاصة الأولى إلى إدماء الوعى الفلسطينى وإرهابه؛ فلا يعود قادرًا على المُقاومة ولا أن يتوارث قضيَّته العادلة، فإمَّا أن يُسلِّم بالانسحاق تحت حذاء عدوِّه الغليظ، أو يتخيَّر بين ظُلمة القبر ومرارة الرحيل، ظاهرًا روَّجوا أنهم يتقصّدون مُقاتلى الفصائل، وظاهرًا أيضًا كانوا يقتلون المدنيِّين، نساءً وأطفالا؛ أمَّا باطنًا فأرادوا كَسر الإرادة، وتفكيك الحاضنة الاجتماعية للمقاومة، وتدمير الأرض حتى لا تكون صالحةً للحياة، فصلٌ يليق تمامًا بإسرائيل كجرثومةٍ لوّثت ضمير العالم قبل أن تُلوِّث أرض العرب؛ لكنه لا يليق بالإنسانية، ولا يستحقه المُسالمون الذين يُسدِّدون ضريبة الانحطاط البشرى من دمائهم؛ نيابةً عن أوروبا والولايات المتحدة، عصابتى المحور والحلفاء فى الحرب الغربية الثانية.
 
سُحِق زهاء مائة ألف فلسطينى، بين قتيلٍ وجريح ومفقود، بمُعدَّل ضحيّة كلّ 80 ثانية تقريبًا، وتضرَّر نحو مليونين غادروا منازلهم، 85% منهم يُعانون جوعًا حادًّا أو سوءًا شديدًا فى التغذية، ودُمِّرَت 80% من أبنية القطاع، وزادت الخسائر المُباشرة على 50 مليار دولار؛ فضلاً عن كُلفة الإعمار مالاً وزمنًا، والسنوات المُنتظَر ضياعُها قبل استعادة التوازن النفسى، وإعادة تأهيل الأرض والبشر؛ هذا ما لم يُقرّر نازىٌّ صهيونى آخر أن يهرب من فسادٍ، أو إلى فساد؛ فيدُكّ القطاع مُجدَّدًا فى جولةٍ قريبة، والواقع أنه لا ضمانةَ إزاء جنون إسرائيل، وهمجيّتها، ويدها الطليقة بإسنادٍ وَقح من حكومات العالم الأوَّل، تقولُ الحكمةُ إن «من أَمِن العقوبةَ أساء الأدب»؛ وبينما يتلقَّى الصهاينةُ المكافآت عن إساءاتهم الجارحة منذ النكبة وقبلها؛ فلا أملَ مُطلقًا فى أن نرى بشرًا طبيعيِّين فى الدولة العبرية، لقد ذبحوا إنسانيتهم وهُم يُفجّرون تجمُّعات اليهود بأيديهم؛ ليُحفّزوهم على الهجرة للوطن المُخترَع، وما عادوا يقتنعون بغير أدوار الوحوش، ولا يُشبِع غرورَهم إلَّا أن يكونوا «حاملى المناجل» فى مزرعة الموت. ثمّة بلدٌ بجغرافيا ومُؤسَّسات وقوانين ودعاياتٍ فجّة، يخلعُ المدنيّة والتحضُّر والأخلاق عامدًا، ويُقرّر أن يكون عصابةً ساقطةً أو قبيلةً من الهَمَج.
 
كان نتنياهو يعيش خريفه الأخير، تآكل وَهجُ السياسى الأطول مكوثًا فى السلطة، وأوَّل حُكّام إسرائيل من المولودين على أرضها، من خصومته مع «رابين» وتحريضه على قتله فى التسعينيات، إلى التحالف مع ذئبين قادمين من المستوطنات وصفحات التوراة الأكثر افتتانًا بالذات وكراهيةً للآخر، ولقاء التوافق مع بن جفير وسموتريتش؛ انعقد رباطُ الزواج بين الصهيونية الدينية والقومية، وصِيْغت أجندةٌ تجمع كلَّ عورات الدولة وأسوأ ما فى حكوماتها المُتلاحقة، شملت هدايا للحريديم وتسهيلاتٍ للاستيطان، وكان أخطرها التآمر لإزاحة القضاء من موقع الهيمنة على العقل السياسى، بوصفه دستورًا تداوليًّا بديلاً عن الدستور غير المكتوب. هيَّجت الخطّةُ الشارعَ، ورشقت خنجرًا ساخنًا فى جدار البلد الجليدى/ الجيش، وكان مطلوبًا على وجه السرعة أن يخترع ائتلافُ المعتوهين مَخرجًا من الثنائية الاضطرارية: تقسيم المجتمع أو السقوط تحت أحذيته، ربما قدَّمت «حماس» وقتها هديَّةً مجّانية، وبينما تصوَّرت أنها تكنسهم بالطوفان؛ كانت فى الواقع تُسعفهم بطوق النجاة، لكن حتى هذا التصوُّر لا يلغى النيَّة المُضمَرة؛ فلو لم تأت الرصاصة من غزَّة لاخترعوها. وفى ذلك تفسيرٌ لسرِّ العَماء القاتم، وإخفاق منظومةٍ كانت منذ تأسيسها أُذنين كبيرتين وعينين لا تغمضان، وقد أشارت تقارير عِدّة إلى تحذيراتٍ تجاهلها قادةُ الجيش والحكومة، وجُنَّ جنون «كابينت الحرب» مُؤخّرًا وقتما عرفوا أن رئيس الأركان «هاليفى» شَكّل لجنةً للتحقيق فى خفايا الفشل الغامض المُثير.
 
تتجسَّد فى شخص زعيم الليكود رُوح إسرائيل وعمادُ سرديَّتها المسطورة بالدم والأكاذيب، لقبُ عائلته «نتنياهو» يُعمِّده أُصوليًّا عتيدًا، ومعناه الحرفى «منحة الرب يهوه»؛ كأنه نُسخةٌ مُوازية لعَمائم «آيات الله»، وهو يعود لجدِّه الذى كان حاخامًا مُخلصًا للصهيونية الدينية، وشديدَ النقمة على آباء المشروع الملاحدة وصهيونيّتهم القومية، لذا ليس غريبًا أن يكون اسم والده «بن صهيون»، ولا أن يعمل فى التاريخ وتُلاحقه اتهامات بتزييف الموسوعة العبرية لصالح رجعيّة الدينيين على حساب تقدُّمية اليسار. وحتى تكتمل الصورةُ سيكون شقيقه الأكبر ضابطًا بالجيش، مُختلًّا ومُتعاليًا وسيّئ الإدراك والتصرُّف، وسيُقتَل فى تحرير رهائن الطائرة المخطوفة بمطار عنتيبى، فى تبادُلٍ للرصاص مع الجنود الأُوغنديين شركاء العملية وليس مع الخاطفين، ثُلاثيةٌ تُلخِّص بلدًا: حاخام مُضلِّل، ومُؤرِّخ كذّاب، وجندى فاشل، ومن مجموع الثلاثة تشكَّلت إسرائيل، وجاء بنيامين، وكانت لطخة العار الكُبرى على وجه اليهودية المُسيَّسة وخُدّامها الغربيِّين.
قبل ثلاثة عُقودٍ اشترط إسحاق شامير ليُحضر مُؤتمر مدريد للسلام؛ ألَّا تُشارك مُنظَّمة التحرير أو تُثار مسألة الدولة الفلسطينية، وكان أهم الشروط إلغاء قرار الأمم المتحدة 3379 الصادر فى 1975، وينصّ على أن الصهيونية شكلٌ من العنصرية والتمييز العنصرى، أُلغِى القرار وقتها فعلاً؛ لكنه صالحٌ للاستعادة فى سياق توثيق مسيرة الدولة الأكثر وضاعةً فى التاريخ، وإحياء صحيفة سوابقها كلَّما تراءى لها أنها شطبت الماضى أو شوّهت الذاكرة الحيَّة، وها هى اليوم تدخل مُنعطفًا جديدًا مع تثبيت التهمة وتحميلها كُلفة العار كاملةً. قبل يومين وقفت أمام محكمة العدل الدولية، وكان القفص مرئيًّا للذين تتعلَّق عيونُهم على غزّة ولا تخدعهم أناقةُ السفَّاحين. وقف مندوبوها فى «قصر السلام» بمدينة لاهاى، التى كانت مسرحًا لأول معركة مظلّات فى التأريخ الحربى، بين الهولنديين والألمان، وقتها استسلم جيشُ الملكة وفازت النازيّة؛ لكنه فوزٌ مُؤقَّت أنهاه دخول برلين بعدها بخمس سنوات، ويُمكن اعتبار مُثول الصهاينة فيها مُتَّهمين بالإبادة تتمَّةً لفَصل القصاص من «مُشعلى الأفران» جميعًا. الدعوى التى حركتها جنوب أفريقيا اتّهمت إسرائيل بالإبادة الجماعية، وطالبت بتدابير طارئة لوقف العدوان، وإدانة قوَّة الاحتلال بموجب ميثاق 1948، وبعيدًا من توازنات المحكمة ومآلات القضية؛ فإن الجرس صار يترجرج فى رقبة القطّ، والرنينُ يتعالى ليلفتَ الأنظار إلى قاتلٍ تُغطّيه الجماجم ويسيل الدم من بين فَكَّيه، وإن أفلت من الإدانةِ فلن تُخطئه أصابعُ الاتهام ولا نظرات الاحتقار.
 
بعيدًا من تضخيم الصورة وتزييف الأعداد، التقت مصالح الغرب مع أطماع الحركة الصهيونية بعد هزيمة دول المحور، أراد الحلفاء، والولايات المُتّحدة تحديدًا، أن تكون «سردية الهولوكوست» بديلاً عن جرائمهم، وأن يُزاح دمارُ روما وبرلين ودريسدن وقنبلتا نجازاكى وهيروشيما من الصورة تمامًا، وأراد الصهاينة أن يختلقوا مظلوميّةً تفتح الباب للتعويض والابتزاز الدائم. كانت جرائم النازية قد طالت الغجرَ والسُّودَ والسلافيين والمُعاقين؛ لكنهم اختزلوها تقريبًا فى اليهود، ربّما تكفيرًا عمّا فعلوه هم أيضًا بهم، أو رغبةً فى الخلاص النهائى منهم، ومن رَحم التوافق وعلى رواية المنتصر، استُحدِثَت «محكمة نورنبرج العسكرية» عام 1945، ثمّ اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فى 1948، ووقَّعتها إسرائيل انطلاقًا من أنها تُمثّل إرثَها الحىَّ ودجاجتها التى تبيضُ الذهب؛ وما كانت تتصوَّر أن تُساق بها إلى المُحاكمة بينما لم يخضع لها النازّيون أنفسهم، ولا أن تكون أوَّلَ دولةٍ تُهدّدها الوصمة الماحقة، وقد طال عقد التطهيريِّين من فيتنام لكمبوديا ورواندا والبوسنة ودارفور، وهم إمَّا أُدِينوا أمام محاكم خاصة أو أفلتوا من المُساءلة، ولأنهم يعرفون كُلفةَ الخطوة، لم يتعالوا كعادتهم وذهبوا إلى قُضاة العدل، مُعوِّلين على ضغوط واشنطن بقاضيتها التى ترأس المحكمة، أو مُقايضة جنوب أفريقيا لسَحب الدعوة، أو تعطيل ما يخرج عنها بالفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن، شىء واحد لم يستوقفها؛ أنّ الإدانة المعنوية لأخلاق الدول لا تقل عن مُحاسبتها ماديًّا؛ ربما لأنها بطبيعتها لا تعرف الأخلاقَ، ولا تشعر بأنها دولةٌ كاملة الأهلية.
 
المهمُّ الآن أنها تفقد ثروتَها القديمة؛ إذ تنتهى صلاحية الهولوكوست كلافتةٍ تجارية، وتتقدّم تل أبيب بثباتٍ لترثَ مقعدَ النازية بما يُمثّله من ذروة الانحطاط البشرى، إلى جوار أجداد الأمريكيين الذين بنوا حضارتهم بجماجم الهنود الحمر، وصفحات فرنسا وبريطانيا السوداء فى الجزائر والهند وأغلب أفريقيا. الوحشية الإسرائيلية فى غزّة وقد تجاوزت توحُّشَ هتلر، بالقياس النسبى بين الجغرافيا وتعداد الضحايا، والمثول أمام محكمةٍ نشأت عن وعى المحرقة، يتضافران معًا لينزعا عن «دولة الأبارتيد» حجّية المظلومية التاريخية، ويضعاها فى قفصٍ واحد مع عدوِّها القديم. ولعلَّ هذا أهم إنتاجات الحرب الحارقة فى القطاع؛ أن تتعرَّى منظومة القيم الغربية لناحية العدالة والتجرُّد والاتّساق بعيدًا من حسابات الظرف والمصلحة، وأن ينكشف إعلامُها الدعائىّ المُلوَّن، وتتأكَّد هشاشة المنظومة الأُمميَّة التى بُنِيت لتذويب العالم بدلاً من إحراقه، وأن يُنزَع قناعُ التمدُّن والديمقراطية والدولة الحديثة عن وجه الرايخ اليهودى؛ لتبدو الفكرة كما أراد لها مُؤسِّسوها الأوائل: آلةُ قتلٍ مُنفلتة، وسفالةٌ تدّعى الرفعة.
 
فضحت الحرب ازدواجية العالم الأوّل، وتهاونه فى تمثيل الاستقامة الأخلاقية ولو كذبًا. واشنطن أحبطت قرارات عدّة لإيقاف العدوان على غزة؛ لكنها استصدرت قرارًا ضد الحوثيين فى ساعات، ثم نفذت ضربتين واسعتين لليمين فى يوم واحد.. ومحور ارتكاز النازية أنها سلوك عنصرى؛ وتلك خلاصة الصهيونية أيضًا. ثمّة مُشتركات بين النازيين والتوراتيين فى سلوكهم مع الضعفاء والمُختلفين بالداخل، ومع الخصوم والمسالمين بالخارج، والكذب سمةٌ أصيلة فى الاثنتين، كما قال جوبلز: «اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم تُصدّق نفسك»، وبمثل آلتهم الدعائية تعمل إسرائيل، كأن تدّعى أمام محكمة العدل أن مصر المسؤولة عن معبر رفح ودخول المساعدات، بينما قصفت الجانب الفلسطينى منه عدّة مرات، وتُعطّل الشحنات وتشترط تفتيشها.
 
فى أحاديثه بعد العدوان، استشهد نتنياهو بسفر إشعياء، ومقتلة يوشع بن نون للعماليق بأمرٍ إلهى، وقال وزراؤه عن الفلسطينيين إنهم «حيوانات بشرية»، ودعوا لقصفهم بالنووى أو مسحهم من الخريطة وإذاقتهم ما هو أَمرُّ من الموت، ملفُّ جنوب أفريقيا فى القضية جمع كلَّ ما يُؤكّد الركن المعنوى والنيَّة المُبيَّتة لجريمة الإبادة، وعلى أطلال غزّة يرتاح الركن المادى بكلِّ الصور والتنويعات التى لا تقبل التأويل أو التبرير، قتلٌ وحصارٌ وتجويع، إزاحةٌ داخلية وإعداماتٌ ميدانية وقَصفٌ للأعيان المدنيّة والمرافق الأُمميَّة، وتعطيلٌ للمشافى ونَبشٌ للقبور.. مائةُ يومٍ من القوة غير المتناسبة، من التدمير الشامل وغير التمييزى، وفق «عقيدة الضاحية» التى خَلَّقها من بربريته الأليمة فى حرب لبنان 2006، وأساسها السحق الكامل طمعًا فى الردع المُستدَام، مائةُ يومٍ فى مصنع اغتيالات مفتوحٍ جوًّا وبرًّا وبحرًا، وعبر برمجيّات ذكاءٍ اصطناعى تُولِّد الأهداف دون اعتبارٍ لأرواح المدنيين، وتكسيحٍ كاملٍ للاقتصاد ومُقوّمات الحياة، ووقاحةٍ غربية تحدَّثت عن حقّ الدفاع عن النفس أوّلاً، ثم انتقلت مع جولة بلينكن الرابعة بالمنطقة لِمَا بعد الحرب وفاتورة الأمن والإعمار، بينما المقاومة حقٌّ مشروع ولا دفاعَ لمُحتلّ، والخراب المجّانى الذى يُعوِّضه العربُ كلَّ مرّةٍ يُشجّع النازية الصهيونية على تكرار المحارق، ليس مُهمًّا الآن أن نسأل عن اليوم التالى ولم ينته كابوس اليوم الحالى، ولا أن نحصر وجيعتنا من الضحايا وأكوام الخراب، وما زال القتلةُ مُنفلتين فى حقل الأرواح، كلُّ يومٍ ممّا فى «غزّة» كفيلٌ بإفقاد العالم كاملَ إرثه الأخلاقى والحضارى، وإلى الآن فقده 100 مرَّة، وصار رصيده سالبًا وديونه أثقل من التعويض.. نجلسُ باكين لنعُدَّ النكبات ونُحصى الجثث؛ وتقف الإنسانية فى مُستنقعِ الوَحل إلى أنفها، بينما يُرتِّل الصهاينةُ أسفارَهم ممزوجةً بسِيَر كُلّ الحُثالات البشرية من نيرون وكاليجولا وفلاد وليوبولد إلى بول بوت وملاديتش وبول أكايسو، ثم يسحبون مقعدًا ويجلسون فخورين إلى جوار موسولينى وهتلر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة