سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 سبتمبر 1956.. عبدالناصر يرفض تهديد «منزيس» بشأن تأميم قناة السويس ويغلق الملف المفتوح أمامه مؤكدا: «نحن مستعدون للمواجهة»

الثلاثاء، 05 سبتمبر 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 سبتمبر 1956.. عبدالناصر يرفض تهديد «منزيس» بشأن تأميم قناة السويس ويغلق الملف المفتوح أمامه مؤكدا: «نحن مستعدون للمواجهة» جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الوقت مساء يوم 5 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1956، حين أقام الرئيس جمال عبدالناصر مأدبة عشاء للبعثة التى يترأسها رئيس الوزراء الأسترالى روبرت منزيس، والمعروفة تاريخيا باسم «بعثة منزيس»، وجاءت إلى القاهرة يوم 2 سبتمبر لتقديم قرارات مؤتمر لندن بشأن قرار مصر تأميم قناة السويس الذى أعلنه عبدالناصر، واشتملت قرارات مؤتمر لندن على 18 بندا أهمها «تدويل إدارة القناة»، حسبما يذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس».
 
كان صلاح الشاهد كبير أمناء القصر الجمهورى مع جمال عبدالناصر، ويتذكر جانبا مما حدث فى حفل العشاء فى كتابه «ذكرياتى فى عهدين»، قائلا: «كان العشاء بقصر الأمير محمد على فى المنيل، وبعد الانتهاء تجول الجميع داخل القصر، ووقفوا مشدوهين أمام غرفة نوم الأمير محمد على، إذ كانت غرفة داخل غرفة مبنية بالسلك الرقيق المانع للناموس، ولها باب من السلك أيضا وبداخلها سرير الأمير، وعلق البعض على ذلك، فقيل إن الأمير لا يحب الناموسية، ولكنه كان يخشى الناموس، ولذلك صممت غرفة النوم على هذا النحو».
 
يذكر محمد حسنين هيكل وقائع مثيرة حدثت أثناء العشاء، مشيرا إلى أن «منزيس» حاول بكل الوسائل أن يبدو إنسانا مقبولا ولطيف المعشر إلى درجة تجاوزت حدها فى بعض الأحيان، ففور جلوسه إلى جانب الرئيس جمال عبدالناصر، قائلا: «إننى أعرف هذا القصر فقد جئت فيه مرات عديدة لمقابلة صاحبه الأمير محمد على، وكان رجلا عجوزا يعيش فى عالمه الخاص، ولا يعرف عن حقائق الدنيا شيئا، لكنه كان رجلا لا بأس به»، ثم لمح تمثالا نصفيا فى أحد الصالونات للخديو إسماعيل «جد الأمير محمد على»، فهرول إلى التمثال وراح يتحسس كتلة رخامه الباردة، وعاد ليقول للرئيس: «لقد أردت أن أقدم احترامى للرجل الذى أتاح لديلسيبس أن يشق قناة السويس».
 
يكشف هيكل:  «وجه منزيس سؤالا إلى عبدالناصر هو: هل تعرف يا سيدى الرئيس ما هى أحسن مواهبى؟»، ثم أجاب:  «تقليد الشخصيات، هل تريدنى أن أقلد لك تشرشل «رئيس وزراء بريطانى»، أو جورج برنارد شو «أديب بريطانى»؟»، ولم ينتظر ردا، وراح يقلد تشرشل فى خطابه المشهور عن الحرب على الشواطئ وفى كل قرية وكل بيت، وأنه ليس لديه ما يقدمه إلى الشعب البريطانى غير العرق والدم والدموع».
 
يؤكد هيكل: «بعد أن فرغ منزيس من تقليد تشرشل سأل عبدالناصر عن رأيه فى المشهد الذى أداه أمامه، فرد عبدالناصر بأنه لم يسمع الأصل ليستطيع الحكم على التقليد، ولم ييأس منزيس، وإنما قال إن كليمى زوجة تشرشل سمعته وهو يقلد زوجها، وأقسمت أنها لا تجد فرقا بين الأصل والتقليد».
 
كانت تلك مقدمات للحظة الصدام، التى جاءت فى الجلسة الثالثة والتى جمعت «عبدالناصر» و«البعثة»، حيث تطرق الحديث عن فكرة تدويل القناة بقصد فصلها عن سياسة أى دولة واحدة، فرد عبدالناصر حسب نص محضر الجلسة الثالثة من الاجتماعات: «إن فصل القناة عن السياسة المصرية غير ممكن، لأن القناة فى أرض مصر وخاضعة للحكومة المصرية منذ إنشائها، ولا يمكن أن نفصلها عن سياسة الدولة التى تملكها إلا إذا فصلناها عن سيادة هذه الدولة، ثم لماذا لم يثر هذا الموضوع قبل الآن، ولماذا لم يثر أيام وجود شركة قناة السويس مع أن القناة لم تكن خاضعة لسيادة هذه الشركة».
 
عقب «منزيس» بقوله: «إن الغرض هو إزالة التوتر الحادث فعلا، وإن هذا الموضوع أثير فعلا وهذه حقيقة واقعة ولذلك يجب إيجاد حل له»، ورد «عبدالناصر»: «إيجاد حل رغم إرادة الشعب المصرى غير عملى، ولذلك فإن المشاكل ستبدأ فعلا، إذا فرضنا هذا الحل على الشعب المصرى، ومال «منزيس» على المكتب وركز نظره عليه قائلا: «عدم الوصول إلى اتفاق هو الذى سيكون بداية المشاكل».
 
كانت نبرة تهديد «منزيس» واضحة، فرد عليها «عبدالناصر» فورا بأن أغلق الملف المفتوح أمامه، وقال لـ«منزيس»: «إذا قبلت وجهة نظركم فسوف تبدأ المشاكل من الشعب المصرى، وإذا لم أقبلها فسوف تبدأ المشاكل من جانبكم، وهكذا يظهر لى أننا سنواجه مشاكل فى كل الأحوال، وإذا كان ذلك فلنواجهها من الآن ونحن مستعدون لمواجهتها. إننى قبلت التحدث معكم فى مفاوضات حرة، فإذا أحسست بالتهديد، فإن واجبى يحتم على أن أطلب وقفها». 
 
تكهرب جو الاجتماع، وحاول «منزيس» أن يوضح أنه لم يقصد التهديد، وتبارى كل عضو بالبعثة فى أن ينأى بنفسه عن مظلة أى تهديد، واستمرت البعثة فى مصر حتى يوم 9 سبتمبر دون أى حل.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة