ناهد صلاح

أغنية لا تزول

السبت، 19 أغسطس 2023 05:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
في خضمّ أغاني الصخب والضجيج التي باتت تطبع حال الموسيقى والغناء، ما الذي يؤنِس هؤلاء الشباب في أغنيات رومانسية تقدمها فرقة غنائية تنهج مسارًا مختلفًا، تبتغي من خلاله أن ترسم هويتها الخاصة؟.. تناوشني الأسئلة منذ اللحظة الأولى في حفل الأمس للفرقة اللبنانية "رند" بساقية الصاوي، بينما تابعت جمهورًا من أعمار مختلفة يدلف إلى القاعة كانت أغلبيته من الشباب، إذ دخلوا بحماس وتفاعلوا مع أداء المغنيين والموسيقيين، كما بدا هناك نوع من الألفة مع الكلمات والألحان، كأن هناك ذاكرة متقدة بحالات تشبه ما يسمعونه، كأن هناك ما عاشوه من خسران وخيبات استدعته هذه الأغاني، كأن خلو العالم من الرومانسية في واقع وحشي يتعالى على الحب، وكذلك عدم وجود هذا الحب كما كان في الأغاني القديمة، كأن التوتر والانعكاس الجسدي والعصبي المضطرب هو الأساس، وأن التعبير عن العواطف الجياشة أو الهادئة بمنحى كلاسيكي هو الاستثناء، أو بمعنى آخر قد يراه البعض أنه "موضة" قديمة لا تلائم زمننا الحالي.
 
أتصور أنه من البديهي تأمل ما يبحث عنه هؤلاء الشباب، مع مراعاة أن عددهم يصعب مقارنته بالأعداد الغفيرة التي تحضر الحفلات الصاخبة، فهل يمكن أن نقول عن حفل فرقة "رند" أنه يمنح المزيد من الثقة بأن الرومانسية ما زالت، والحب ما زال موجودًا، أم أنه ما تقدمه الفرقة هو لون ضمن ألوان وأطياف أخرى عدة، تشكل الخريطة الغنائية والموسيقية، وكل يعبر عن الحب ويتصر للحياة على طريقته؟..
 
في فترة قياسية نسبيا اشتهرت فرقة "رند": يوسف، ليلي، جمال أبو حمد ثلاثة أشقاء نشئوا في بيت يشغف بالموسيقى، درسوا الموسيقى في المعهد العالي الوطني للموسيقى، ولما كبروا أسسوا معًا فرقتهم في العام 2013، و"رند" اسم يعني في اللغة العربية الغار، كل من الأشقاء الثلاث يتمتع بشخصية مغايرة عن الآخر وكلهم يتعاونون من أجل تحويل الموسيقى الكلاسيكية إلى شعبية، هذا هو الـ"ستايل" الذي اختاروه للفرقة وحددوا معالمه، على أساسه يغني يوسف ويلحن ويعزف البيانو، بينما تغني ليلي وجمال كما تكتبان الأغاني أحيانًا، إذ يشاركهم كذلك إلياس الحايك بكتابة الأغاني.
 
النمط الذي يقدّمونه يختلف عن موسيقى اليوم السريعة، الصاخبة في أغلب الأحوال، مع ذلك يجدون تجاوبًا من جيل الشباب، هذا ما بدا واضحًا في حفل يضم شباب مصري يستمع إلى موسيقى كلاسيكية ومفردات لبنانية، منها:"ع التلة" )ع مين بدي أسأل عن البيوت الضجرانة(، عن بيوت فارقتها أحبتها، "ناطر قصة حب"، "تذكر لما دقيت ع الباب"، "شي نهار".. أنماط متنوعة للحب وقصصه كما في أزمنة أخرى، ومن هنا كان من الممتع إعادة تقديم أغنيات قديمة تتماهى مع هذا الأسلوب بمشاركة الأكورديون والرق مع البيانو، لنستمع إلى أغنيات فيروز: نحنا والقمر جيران، بعدك على بالي.. أو أهواك لعبد الحليم حافظ، ولأسمهان يا حبيبي تعالى الحقني شوف إيه اللي جرى لي، و قلبي ومفتاحه لفريد الأطرش، كل هذا على خلفية مصورة معروضة على شاشة مثبتة على المسرح تعرض فيديو كليب مصورًا للأغنيات.
 
ثمة مشاعر جيّاشة ومدوية تقفز في الأغنيات على الرغم من طبيعتها الشكلية الرزينة، تزيدها الموسيقى ألقًا حتى لو اعتمدت على قصص أو مفردات قديمة، لم تعد غالبًا متداولة مثل أُغنية "كيف بحبك" كتبتها "أميلي خوري" وهي جدة كاتب الأغاني إلياس الحايك، وهي من أجمل ما قدمته الفرقة في الحفل، فيها طابع ريفي وإنساني يذكرنا إلى حد ما بأعمال فيروز والرحبانية القديمة، وهناك في إطار مواز أغنية "حكي منقال" التي اشتهرت بها الفرقة وكتبتها الشقيقة الصغرى "جمال"، بما تحتويه من شجن يعبر عن افتراق حبيبين ومازال بينهما كلامًا لم يحدث. 
 
كما تستقي الأغنيات قصصًا أخرى تخص المجتمع اللبناني وما يعانيه مثل قضايا الهجرة والاغتراب، هو ما عبرت عنه "قالت والدمعة بعينها" تأليف إلياس الحايك ويوسف أبو حمد، وعلى أية حال فإن المشهد العام للحفل، كان محاولة للبرهنة على القدرة في أداء نماذج متنوعة هذا الغناء الرومانسي، بطابعه الكلاسيكي المصاحب لنكهة عصرية، لعل هذا ما يجذب جمهور الشباب الذي يأسره الحنان العميق الحزن في البيانو والإيقاع المتهلل في الرق والأكورديون، مع أصوات تتماهى معها برقة وليونة، حوار موسيقي ذو أبعاد ثلاثة: الموسيقى، الكلمة، صور الحياة، لتتشكل في النهاية حالة تثير الخيال وربما تصنع بعض التوازن في زمننا الرهن بكل قساوته.








الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة