الكاتب محمود الوردانى يفتح سحارة الذكريات لـ"اليوم السابع": أميل في كتاباتي للاقتصاد.. لست ولعًا بالتجريب كما يقول النقاد وإنما أكتب مترجمًا عن نفسى.. وعبد الحكيم قاسم أحد أهم الكتاب ليس فقط في جيل الستينيات

الأحد، 14 مايو 2023 09:00 ص
الكاتب محمود الوردانى يفتح سحارة الذكريات لـ"اليوم السابع": أميل في كتاباتي للاقتصاد.. لست ولعًا بالتجريب كما يقول النقاد وإنما أكتب مترجمًا عن نفسى.. وعبد الحكيم قاسم أحد أهم الكتاب ليس فقط في جيل الستينيات الكاتب الكبير محمود الوردانى
أحمد طنطاوى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

محمود الوردانى أحد أهم كتاب جيل السبعينيات، ولد فى الأول من يناير عام 1950 بحى شبرا فى القاهرة، وتخرج من معهد الخدمة الاجتماعية عام 1972، وشارك فى حرب أكتوبر، وكان أحد مؤسسى صحيفة أخبار الأدب، وترجمت بعض قصصه القصيرة للإنجليزية والفرنسية، بدأ رحلته بقصة قصيرة نشرت فى جريدة المساء عام 1968، وكان عمره وقتها سبعة عشر عاما، ثم توالى إنتاجه الروائى والقصصى، فكان منه: السير فى الحديقة ليلًا ونوبة رجوع ورائحة البرتقال وطعم الحريق وأوان القطاف وموسيقى المول والحفل الصباحى وبيت الناروباب الخيمة وصمت الرمال، وحصل على عدد من الجوائز، منها الجائزة الأولى فى فرع الرواية لكبار الكتاب فى مسابقة ساويرس الثقافية لعام 2013 عن روايته "بيت النار".

"اليوم السابع" التقى الكاتب الكبير وحاوره حول العديد من القضايا العامة المعنية بالشأن الثقافى ككل والقضايا الخاصة بسيرته الذاتية وإنتاجه الأدبى.. إلى الحوار:

ـ لو تطرقنا للحديث عن عن اللغة.. أنت تستعمل لغة متحررة من القيود البلاغية متميزة بالتقشف لغة سهلة تقترب من لغة الحياة اليومية، بخلاف عبد الحكيم قاسم الذى نادى يوما باحترام قرارات مجمع اللغة العربية، وهوجم عندما نادى باستعمال لفظ "مرنأة" بدلا من تليفزيون؟

 ذكرك لعبد الحكيم يوقظ داخلى الحنين لهذا الصديق الذى تعرفت عليه فى ظروف غريبة، فقد فوجئت به يراسلنى من ألمانيا بعد أن قرأ لى قصة قصيرة ففتن بها، ثم تقابلنا، وكنا نتراسل ونشر محمد شعيب هذه الرسائل فى كتابه "كتابات نوبة الحراسة"، والحقيقة أن عبد الحكيم لم يكن محقا فى استخدام الغريب والموحش من اللغة.

ـ كنت تتسامح مع عبد الحكيم قاسم فى ثوراته الدائمة عليك وقوله لك "أنت مين يا جدع أنت"

 لم نكن نكف عن الصدام، لكن دون خصام، لقد كان صديقا عظيما، تدهورت صحته فى آخر أيامه وقد تأثرت جدا بهذا.

ـ يرى عبد الحكيم قاسم أن بعض القصص يمكن ان يسيل عنها تدفقا نقديا يملأ كتبا كثيرة بينما نرى جبالا من الروايات هى فى الحقيقة نفايات، أنت لك تعبير مختلف ترصد به هذه الإشكالية وهو تعبير "الكتابة الحقيقية"، فما هى معايير الإسناد الوصفى الكامن فى كلمة "الحقيقية" أو كيف تكون الكتابة حقيقية؟

الكتابة الحقيقية هى الكتابة الحرة، التى تعبر عما بداخلك بصدق، دون تزيين أو تزييف، وهى الكتابة المشغولة الشغوفة.

 أحد نقاط الخلاف بينك وبين عبد الحكيم قاسم أنه كان يقول كل شىء، وقد عبت عليه فى روايته "محاولة للخروج" "إفصاحه أكثر من اللازم" هذا يعنى أنك مؤمن بأن الكلام الملفوظ يختلف عن المكتوب، وأن القلم لابد أن يلازمه فلتر حتى يتواءم ما يخطه مع المجتمع وظروفه الراهنة، فهل يعنى هذا أن لديك "مسكوت عنه" وأنك تتحسب فى كتاباتك؟

 هذا السؤال مهم، ولكن قبل الإجابة عنه أنا أريد أن أؤكد أن عبد الحكيم قاسم واحدا من أهم الكتاب ليس فقط في جيل الستينيات، وإنما على مستوى الكتاب الذين مروا على هذا البلد، فهو كاتب كبير فعلا وأعماله مهمة وستبقى طويلا، لكن اختلافى معه في إفصاحه ليس سببه التحسب والسكوت عن أشياء قد تجلب الأذى او الرفض، إنما رفضى كان بسبب فنى، كنت أنا وهو على تباعد فى طريقة الكتابة، هو الكتابة عنده فيها بوح وشغل على اللغة الأساسية المفتوحة والمسلحة بالبلاغة، ليس بمعناها القديم وإنما بمعناها الحديث "البلاغة الجديدة" كلغة إدوارد الخراط، كاهتمامه بالحجاج والمفارقة والصياغة الدقيقة، إنما أنا أنتمى إلى ملامح أخرى، فكتابتى مبنية على الاستبعاد ثم المزيد من الاستبعاد، الكتابة المقتصدة، فأنا لا أتعامل مع اللغة إلا باعتبارها مجرد أداة توصيل للرسالة.. أنا أفضل عدم الإفصاح، أن أومئ لا أن أشير، ضربات فرشاة هنا وهناك مختارة بعناية وقادرة على صنع المشهد.. فمشكلتى مع الكتابة هي أن أستبعد ويظل ما استبعدته موجودا.. مثل هيمنجوى.. بدلا من أن يتكلم عن الحرب اختزلها فى وصفها في جملتين معدودتين لجندى نزل من القطار بساق واحدة، هذه هي الحرب، هذا الاقتصاد أدى المعنى فى صوره بليغة تخلوا من الترهل والإسهاب.

ـ إذن فمحمود الوردانى ليس لديه مسكوت عنه؟

 لا.. ليس لى مسكوت عنه، فأنا عندما أستبعد لا يكون هذا الاستبعاد من أجل تجنب المواجهة والصدام، وإنما هو رؤية فنية وطريقة صياغة.

ـ هل ضعف مستوى الكتاب في قواعد اللغة العربية يؤثر على اللغة الأدبية ويعيق موهبة الكاتب الجيد؟.. أقصد الجهل التام وليس المحدود، فمثلا  كانت أعمال يوسف إدريس تحتوى على أخطاء لغوية كان النقاد يشيرون إليها، لكن لم تكن من الكثرة بالشكل الذى يهبط بمستوى النص، أما كتاب الجيال الجديدة فلديهم كم كبير من الأخطاء التي تحط من قيمة أعمالهم الفنية؟

 يعنى ممكن هذا الكلام يكون فيه جانب من الصحة، لكن أنا تقديرى دايما أن اللغة الفنية ليست هي لغة القواعد، ورغم ذلك أنا أدعوا الكتاب إلى المعرفة بقواعد اللغة حتى على المستوى الأدنى المقبول، لأنك إن جهلت القواعد بشكل كامل فمن الممكن أن يتسبب ذلك في التباس رسالتك للقارئ، لكن أنا قرأت ـ مثلا ـ قريبا رواية لكاتب اسمه محمد حمامة اسمها "ما يجب أن تعرفه عن جى جى" تعمد فيها أن يلغى المثنى نهائيا، أنا أحببت الرواية لكن لم أستسيغ استبعاده للمثنى دون أن يكون ذلك بالتوافق بين مستخدمى اللغة وأصحاب القرار فيها كمجمع اللغة العربية، وقبل ذلك قدم الكاتب خالد الخميسي عددا من المقترحات جديرة بأن يتم الالتفات إليها، وعثمان صبرى كتب رواية كاملة حول تحرير اللغة من قواعد ليس لها لازمة، مثل المثنى ونون النسوة، فنعم يجب تحرير اللغة لكن بالتوافق بين المعنيين والمستخدمين.

 أنت لست مجرد كاتب روائى، لكنك أيضا رجل صاحب أيديولوجية، وحالم كبير، وترفع الهم العام لبلد بحجم مصرعلى كاهليك، هذا التوصيف يجعلنا نتساءل عن التوازن فى أعمالك بين الشكل والمضمون، والنقاد وصفوك بأنك من أكثر الكتاب ولعا بالتجريب وأعمالك لا تشبه بعضها، هذا عن الشكل وليس المضمون.. والشكل عادة ما يأتي على حساب المضمون المتماسك، وهو ما يتفق والرواية الحديثة التى تكتب بلا حدث ولا مغزى ولا خيط ناظم ومفتتة ومشتتة، ورغم ذلك فروايتك الحديثة المصرة على التجديد تحتوى مضمونا زاعقا وقويا، كيف أمكنك الجمع بين الأمرين؟..

 أولا شكرا على هذا الرأى، ثانيا أنا لا أشعر أن هناك تناقضا، فهناك كتاب ولعهم بالتجريب مخيف بشكل قد يقضى على طبقة واسعة من القراء ويشكل ارستقراطية ثقافية، فقارئ هذه الأعمال محدود، لكن المضمون لا أتدخل فيه، والتجريب لا أنتقيه، فأنا لا أقود أعمالى وإنما العمل هو الذى يقودنى، في أوان القطاف مثلا التي اتخذها النقاد دليلا على ولعى ـ كما يقولون ـ بالتجريب، انطلقت فيها من حادثة بسيطة جدا هي أن مدرس عاد من سفره للسعودية بعد 8 سنوات حيث كان يعمل فقتلته زوجته وابنته للاستيلاء على أمواله، هذه الحادثة أصابتنى بلوثة، وتداعت على كل هذه الرؤوس المقطوعة في الرواية، فأنا اكتشفت هذه المشاهد ولم أبتكرها بقصدية وتخطيط.

ـ إذن أنت لا تعرف كيف تنتهى أعمالك؟

ـنعم .. هذا صحيح.. أنا بالفعل لا أعرف أين تنتهى بى الكتابة، ولا متى، أنا أترك قلمى يفعل ما يراه، فقط اتبعه

ـ بمناسبة هذه الحادثة التي حركت قلمك وطرحت عنه "أوان القطاف" هل أنت متفائل بمستقبل الثقافة فى ظل المتغيرات الهائلة التى تعصف بالمجتع المصرى الآن وعصفت به قبلا، أعنى الغزو الوهابى من الشرق والتغريبى من الشمال وتأثير مواقع التواصل الاجتماعى والإنترنت وفوضى النشر لكل صحيح وزائف وغث وسمين على منصات معلومة ومجهولة، خاصة بعد ربط التواجد على هذه المنصات بالربح، ما جعل الكثيرون يتهافتون على إنتاج كل ما هو سطحى وتافه، ومن ثم كثرت الجرام والانحرافات؟

ـ لدي وجهة نظر، هى أن فتح المجال العام وإتاحة الحرية للناس يختارون ويدعون، فهذا هو الكفيل بنفى الخبيث ودعم الطيب النافع، نحن نريد حراكا مجتمعيا فعالا على كل المستويات، هذه الثقافة السطحية وهذه الحوادث سينزوى مع الوقت.

القطيعة مع تاريخنا القديم ألا تثير في نفسك شيئا من الامتعاض؟

نحن نملك سليم حسن وأحمد كمال وعدد من علماء المصريات والمؤرخين الذين ترجموا كل شيء للعربية، وأنا أحتفظ بمكتبة عن حضارتنا القديمة باعتزاز، وهويتنا هي مجموع الثقافات والحضارات التي جاءت لمصر، الفرعونية والقبطية والإسلامية والأفكار القومية وغيرها، كل هذا هو مصر، مصر هي مجموع كل هذا، كل هذا شكل ملامح هذا البلد، هذه الهوية مفقودة محدش اشتغل عليها مجموعة، لم ينحاز أحد لهذا المزيج، كل واحد جاء ليأخذ قطعة او اتجاه وينحاز له.

ـ ما أهم أعمالك أو ما أقربها إلى قبل؟.. والسؤالان على سبيل المغايرة لا الترادف

كل الأعمال التى صدرت عنى قريبة إلى نفسى ولا أفاضل بينها

ـ لك ممارسات نقدية، عن أعمال روائية وإبداعية صدرت على مديات زمنية متفاوتة، كما يتناثر منك في لقاءاتك وندواتك آراء نقدية في كتاب وكتابات، منها مثلا رأيك الذى وصفته بـ"الفني" وأنت تتحفظ على "البوح" الزائد في بعض أعمال عبد الحكيم قاسم، وتقديمك لإحدى أعمال سيد البحراوى وغير ذلك، فما المنهج الذى تتبعه؟

ـ لا.. أنا لست ناقدا ولا أمارس النقد.. هذا ليس صحيحا.. وما تتحدث عنه هو مجرد آراء عابرة وقراءات سميها انطباعية أو مجرد قراءة أو أى مسمى آخر، فكل كتاباتى كمتلق.. النقد ليس موضوعى.. إنه مجرد ذوقى الشخصى

ـ وبالنسبة للمناهج النقدية السائدة، ألا تميل لإحداها حتى وإن نفيت عن كتاباتك صفة الممارسة النقدية، المناهج السياقية أو النسقية أو نظرية القراءة وما بعد الحداثة؟

= كما قلت لك.. إنه مجرد ذوقى الشخصى.. إذا وقعت في يدى رواية أو عمل إبداعى أو انتبهت إلى كاتب ووجدت لديه ما يستحق التعليق أعلق مبديا رأيى دون التقيد بمنهج.. بالعكس أنا أستفيد من كل هذه المناهج التي ذكرتها.. أستفيد بمعنى أنها تعيننى على بلورة رأيى الشخصى، وليس الاستفادة بمعنى أننى أتقولب بقوالبها وأتبع إجراءاتها، فكل المناهج بها جوانب لافتة للنظر وتساعد على التلقى النقدى الفاعل.. وأنا من غير المؤمنين بأن منهجا واحدا قادرا على ثبر أغوار النص أي نص، فالنص أكبر من أي منهج يتناوله.

ـ إذن محمود الوردانى يدعو إلى المنهج التكاملى الذى دعى إليه شوقى ضيف؟

= أنا ضد التقولب وضد التقيد بإجراءات بعينها.. أنا أقرأ كل المناهج وأستفيد منها ككاتب وليس كناقد، وعندما أكتب عن عمل ما لفت أكتب بهذه الصفة.. صفة القارئ الكاتب.. القارئ المتلقى.. وذوقى الشخصى هو الأساس.. فأنا مثلا أرفض الكتابات المفصلة بحرفية لمواءمة منهج أو طريقة، الكتابة بطبيعتها حرة طليقة بل ومتمردة

ـ هل تميل إلى أحد النقاد المعاصرين وتتابع كتاباته؟

 أميل إلى عبد الفتاح كيليطو خاصة فى الكتابات التراثية، كما أستمتع بكتابات إدوار الخراط وهو ليس ناقدا، وكذلك فاروق عبد القادر فى نقد الظواهر الثقافية، والمنتجات الثقافية وليس الإبداعية.. أى نقد الأداء الثقافى للمؤسسات، وكان يفعل ذلك باحترافية عالية وإخلاص، أما نقده للرواية فكان انطباعيا وسياسيا   










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة