مها عبد القادر

تحديات سياسية خطيرة وتداعيات مناخية «كوب 28»

الخميس، 14 ديسمبر 2023 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن ما استهدفته الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ كوب 28 والتي انعقدت في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة يتمثل في تحقيق العدالة الناجزة والتي بدأتها الدول الفاعلة ومنها مصر؛ حيث البدء في تطبيق برنامج عمل خفض الانبعاثات الكربونية بصورة إجرائية.
 
وارتكز هذا الأمر على إصلاح دعم الطاقة والاعتماد على الغاز الطبيعي بشكل رئيس في كثير من المجالات والقطاعات؛ بغرض العمل على خفض انبعاثات الكربون ومن ثم رفع كفاءة استخدام الطاقة؛ بالإضافة إلى تفعيل تصنيع الهيدروجين الأخضر كأحد مصادر الطاقات المتجددة، ومن ثم تعد لبنة رئيسة ومهمة لمشروعات الوقود الحيوي الذي يحقق ضمانة البيئة النظيفة.
 
وقمة المناخ المتمثلة في «كوب 28»، والتي عقدت في الإمارات بمشاركة قادة العالم، سعت بصورة متناغمة مع ما أكدت عليه الدولة المصرية وأعلنه سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ومارسته المؤسسات المعنية حيث العمل الجاد بشأن خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، والتأقلم مع الظواهر المناخية المتطرّفة، وتداول انبعاثات الكربون.
 
وجدير بالذكر أن التنمية المستدامة في مجالاتها وابعادها المختلفة لا تنفصل قط عن الجمع بين الحسنيين وهما تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية، وفي واقع الأمر يحلم أصحاب العقول الواعية من مسئولين وقادة دول العالم أن نصل إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى أقرب مستوى آمن بزيادة الرقعة الخضراء واستخدام الطاقة الصديقة للبيئة.
 
وبما لا يدع مجالًا للشك فإن الصراعات المسلحة تؤثر بشكل مباشر على التغير المناخي وتزيد من الانبعاثات الغازات التي تؤثر بصورة سلبية على جميع أشكال الحياة؛ فما تحدثه الحروب من تدمير ناتج عن تفجيرات مسببة تلف في القشرة الأرضية، وحرائق تزيد من تفاقم معدل ثاني أكسيد الكربون التي زيادة معدله يؤدي أثار سلبية.
 
حيث تستخدم في الحروب كافة الأسلحة المشروعة وغير المشروعة كي تحقق الأطراف المتنازعة نجاحاتها المزعومة؛ فهناك من يستخدم الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية التي تضير بصورة شاملة مقدرات البيئة الطبيعية؛ حيث تلوث المياه والتربة والهواء، كما تهلك الحرث والنسل وتؤثر على مستقبل البشرية لأجيال تلو أجيال.
 
ناهيك عن تدمير خطير للبنى التحتية والفوقية؛ فتضار مصالح الشعوب لعقود وعقود من الزمان؛ فتسقط المباني وتدمر المصانع والطرق ولا تصبح الحياة مؤهلة لأن يمارس فيها الإنسان نشاطه الطبيعي كي يستطيع أن يلبي احتياجاته الأساسية، أو حتى يحيا حياة آمنة كريمة؛ بالإضافة إلى المناخ السلبي نتيجة لكم الانبعاثات للغازات الدفيئة.
 
وفي ذات السياق تعاني الشعوب ويلات الحروب المتمثلة في صعوبة تحملها لاستكمال معيشتها فتضطر للهجرة من مكان لآخر بحثًا عن الملاذ الآمن وطلبًا لمقومات العيش المتمثلة في الغذاء والمأوى والطاقة؛ فقد أضحت المساحات الخضراء منقرضة ومن ثم مركبات الكربون معدلاتها خطيرة، ومن ثم فإن سلبيات الحروب لا حصر لها؛ فما يدشن من مستوطنات مؤقتة أو مخيمات للاجئين تعد بؤر للأمراض والأوبئة وتفشي صارخ لها.
 
ولندرك أهمية الحد من تداعيات الحروب والنزاعات المسلحة وعلاقتها الوطيدة بالتغيرات المناخية، وأثارها السلبية المتعددة على البيئة، وهذا يؤكد ضرورة تحكيم العقول وتبني استراتيجيات تنهي تلك الصراعات؛ لتستقر مجريات الحياة وتقل معدلات ومسببات التغيرات المناخية، وتستطيع الدول أن تتبنى مسارات التنمية المستدامة لتلبي احتياجات ومتطلبات وتطلعات شعوب الأرض.
 
ونستطيع القول بأن القمم المناخية المنصرمة وقمة القاهرة المناخية وقمة دبي الآنية وضعت بشكل صريح قضية المناخ على رأس الأولويات واهتمامات العالمية، وأكدت على صور المخاطر التي تضير بكوكب الأرض، وأن السبيل نحو النجاة يتمثل في تعهدات خليطة ما بين حكومية وغير حكومية تضمن الوصول إلى الانبعاثات الصفرية الصافية التي تجعل الحياة مليئة بالتفاؤل والأمل.
 
وقد بات الوعي بالمتغيرات المناخية وأثارها في أذهان الجميع، كما أن الحلول أضحت واضحة للجميع؛ فلا مناص عن نهج شامل في استخدام الطاقة النظيفة والمشروعات التي تسهم في توظيف صور الطاقة الصديقة للبيئة والتي توصف بالمتجددة التي تقلل من صور الملوثات الغازية، والتي منها أول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين، كما تحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
 
والمطالع لأحداث مؤتمر دبي يرى صورة مشرفة للمشاركة الفاعلة لدول العالم وقادتها ومسئوليها؛ حيث إن الأرض تتعرض لمخاطر غير مسبوقة تؤثر على بقاء الكائنات الحية وفي مقدمتها حياة البشر، ومن ثم يتوجب التكاتف بكل أشكاله تجاه تأثيرات التغيرات المناخية الجارفة بإجراءات تنفيذية فعلية على الأرض تضمن الحد من ملوثات المناخ قصيرة العمر مثل الكربون الأسود، وهو أحد المكونات الرئيسية لانبعاثات الجسيمات الخطيرة.
 
وجمهورية مصر العربية من الدول الفاعلة التي سارعت وفق استراتيجية وطنية واضحة الملامح في مواجهة التغيرات المناخية؛ حيث تفعيل الاستثمارات الخضراء التي تمثل 40% من مشروعات الحكومة المصرية، برغم ما ذكره الرئيس عبد الفتاح السيسي، من أن الدول الإفريقية هي الأقل مشاركة في الانبعاثات الحرارية المسببة للتغير المناخي، لذلك على الدول المتقدمة مساعدتها في تمويل التحول وتقليل الأضرار.
 
لقد خاطب الرئيس زعماء وقادة العالم بشكل واضح وأكد سيادته أن البلدان النامية تحتاج إلى المزيد من الدعم، قائلاً: "هناك 20 دولة فقط هي المسؤولة عن نحو 80 بالمئة من آثار تغير المناخ، وبالتالي فإنه من العدالة الموضوعية أن تكون المساهمة أكبر من جانب هذه الدول في دعم الدول النامية".
 
وأثر ذلك تحملت الدول مسئوليتها الأخلاقية بكوب 28 ، وشاركت وفود (200) دولة وبحضور (70) ألف مشارك، ناهيك عن ممثلي الجمعيات الخيرية البيئية والتكتلات المجتمعية ومراكز الفكر والشركات التي حضرت فعاليات المؤتمر؛ لتؤكد على حرصها في العمل المشترك نحو الحد من تغير المناخ والاستعداد له في الحاضر والمستقبل.
 
وفي هذا الصدد أكدت مصر التزامها بمواجهة تحدى تغير المناخ، مشددة على ضرورة العمل الجماعي والعاجل للتعامل مع تحدى تغير المناخ بما يعزز القدرة على ضمان التنمية المتوافقة مع البيئة التي تحفظ كوكب الأرض، أعلنت الإمارات إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم والذي صمم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة، فيما يهدف إلى تحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030.
مما يؤكد على أن حماية الأرض مسئولية يتحملها الجميع، وتدهور كوكب الأرض خطر يقع على الجميع؛ لذا لا مناص عن الشراكة الفاعلة والعمل الجمعي والعزيمة القوية في مواجهة التغيرات المناخية والعمل الصادق الأمين في الحد من أثارها.
حفظ الله كوكبنا الغالي ودولتنا الحبيبة ومؤسساتنا الوطنية وقيادتنا
السياسية بقوة وعزة وفخر.
___________
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة