"القفاصون" يمنحون قبلة الحياة لجريد النخيل..

"محمد وبدر" شقيقان أكملا مسيرة أجدادهما فى صناعة الأقفاص بالجيزة: بمجرد أن تبدأ بشائر حصاد التمور يبدأ موسم العمل.. الجريد أرخص من البلاستيك ويحافظ على جودة الخضراوات والفاكهة.. ولا يمكن الاستغناء عن المهنة

السبت، 11 نوفمبر 2023 06:00 م
"محمد وبدر" شقيقان أكملا مسيرة أجدادهما فى صناعة الأقفاص بالجيزة: بمجرد أن تبدأ بشائر حصاد التمور يبدأ موسم العمل.. الجريد أرخص من البلاستيك ويحافظ على جودة الخضراوات والفاكهة.. ولا يمكن الاستغناء عن المهنة جرائد النخل
كتبت – مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين الزراعات والطرق وأمام البيوت، "عشش" صغيرة مسقفة بالخوص يملؤها حشد من الشباب والرجال يسعون وراء رزقهم بأيادٍ ملتحفة بالشقاء، الكثير من أعواد الجريد المتناثرة وأقفاص الخضر والفاكهة المتراصة.. عِدد عتيقة يعود تاريخها لمئات السنين تصدر أصوات دقٍ صاخبة ترنوا بمعزوفتها في الأرجاء، الجميع منهمك بتركيز في تقطيع أعواد الجريد وتقليمها بإيقاع ثابت وإعادة تشكيلها ببراعة وإتقان على هيئة أقفاص صغيرة.
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (1)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين 
 
"محمد وبدر" شقيقان في النصف الثاني من العقد العشرين، عكفا منذ طفولتهما على ممارسة مهنة آبائهم وأجدادهم بقرية المرازيق في مدينة البدرشين -تلك القرية التي لطالما اشتهرت بزراعة النخيل واستغلال خاماته ومنها "الجريد" في صناعة الأقفاص والكراسي والطاولات والأسرة، المهنة التي يرجع تاريخها لقرون مضت- بالرغم مما تواجهه من مخاطر تهدد بقائها وتقودها للزوال، إذ استطاعا بكفاحهما معًا أن يحافظا على صناعة عريقة شارفت على الاندثار، وتمثل لجميع أبناء القرية مصدر رزقهم ودخلهم الوحيد.
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (2)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين 
 
وبينما كانت خبطات أيديهما المتجانسة تشدو بضرباتها ونغماتها المهندمة وترتب وقع خطواتها بانسجام في إيقاع واحد لتشكيل أقفاص الخضر والفاكهة، قال محمد توفيق صاحب الـ28 عامًا لـ"اليوم السابع"، إنه احترف وأخاه صناعة أقفاص الجريد منذ نعومة أظافرهما، حيث تعلما الحرفة من والدهما وأجدادهم الذين عكف على مراقبتهم وهم يتفننون في تحويل أعواد الجريد إلى أقفاص لحفظ الخضروات والفاكهة تُصدر لجميع محافظات الجمهورية بل ودول العالم، مشيرا إلى أنه مع مرور الوقت احترفا المهنة وأصبحا يجيدا فن تشكيل الجريد، محافظين على تاريخ الأسرة فى صناعة الأقفاص، سعيا وراء رزقهم ولقمة عيشهم، "ورثنا المهنة أبًا عن جد، أهالي القرية أبدعوا من سنين في تصميم الأثاث ومنتجاته المختلفة من الكراسي والطاولات والأقفاص، اشتغلت فيها من وقت ما كان عندي 12 سنة، لحد ما اتعلمت أصولها واحترفتها وكملت مع أخويا مسيرة أجدادي، ومكملين فيها لإنها مصدر رزقنا الوحيد.. بننزل نشتغل يومًيا وبنقسم الشغل ما بينا بين تقطيع الجريد وتسويته وتقليمه وتركيبه مع بعض في شكل أقفاص واللي منها بيتم استخدامه لحفظ الفاكهة أو الخضار أو الطيور".
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (3)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين
 
"قرية المليون نخلة".. لقب أطلق على قرية المرازيق وظل مرتبطًا باسمها وعلامة تميز أهلها منذ عقود طويلة، إذ تشتهر القرية بزراعة النخيل وما يرتبط بها من صناعات خاصة الجريد، فمع حلول شهر سبتمبر ينطلق موسم حصاد التمور وتجفيفه وتعبئته وتوزيعه على الأسواق، واستغلال الجريد في صناعة منتجات كثيرة أبرزها الكراسي والترابيزات والأقفاص، إذ يعتبر موسم الحصاد خير يفتح بيوت كثيرة، بمجرد أن تبدأ بشائره يبدأ موسم العمل للجميع، "قرية المرازيق مشهورة بزراعة النخيل، موسم حصاده بيعم بالخير عل كل أهالي القرية، الكل بيُرزق ويستفيد، وشغله بيلم عمال كتير، فأهالي القرية منهم اللي بيزرع النخل ومنهم اللي شغال في صناعة الأقفاص، واللي بتعتبر مهنة شعبية قديمة متوارثة في قرى البدرشين، بنشتغل فيها طول السنة لأهميتها بسبب استخدام الأقفاص بشكل مستمر في مزارع الدواجن وشوادر ومزارع الخضروات والفاكهة سواء داخل مصر أو في الخارج"، قائلًا: "شغلنا بيتعبى فيه الفاكهة ومنها العنب ويسافر معظم دول العالم". 
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (4)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين 
 
تعد مهنة صناعة أقفاص جريد النخيل من أصعب الحرف اليدوية، والتي تغالب التكنولوجيا والحداثة التي غزت جميع الصناعات، وتحتاج لقوة بدنية كبيرة للعمل بها، يكفي أنها تؤثر على فقرات الظهر وتزيد من احتمالية الإصابة بإصابات وجروح لاعتمادها على خامات وأدوات حادة، فبالرغم من بساطة أدواتها إلا أنها تحتاج لمهارة وخبرة ودقة في العمل لا يغلب عليها سوى من اعتاد عليها وأحبها بالرغم متاعبها، حيث أن "القفاصين" يبذلون فيها يوميًا ولساعات طويلة مشقة وجهدًا كبيرًا ينتجون خلالها عشرات الأقفاص التي توزع على معظم محافظات الجمهورية: "بنستنى موسمنا في الجريد ولما موسم الحصاد بينتهي في المرازيق بنبدأ نشتري الجريد من مدن تانية زي الواحات والوادي الجديد لحد ما الموسم بتاعنا يبدأ من جديد، مضيفًا: "بنشتري الـ1000 جريدة بـ2000 جنيه، بتنتج لينا حوالي 400 قفص، وبننزل نشتغل يوميًا من الساعة 6 الصبح وبنفضل مكملين لحد 12 بليل"، مضيفا: المهنة صعبة بتحتاج لوقت وصبر ومجهود، فبعدد عمالة قليل وأدوات تقليدية بسيطة ومجهود بدني كبير بنشتغل لساعات طويلة علشان نقدر نكمل ونصنع الكميات المطلوبة من الأقفاص، واللي عائدها هو مصدر دخلنا الوحيد".
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (5)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين 
من سعفٍ لأقفاص تُعبأ لنقل وتخزين الثمار، "بنشتغل بأدوات بسيطة زي المنجل والشاكوش والمدقة والمسمار والسكين أو الساطور، فبعد ما بنشتري الكمية اللي هنحتاجها من الجريد بعد طرح البلح وقطفه لازم نسيبه حوالي أسبوع شمس وبعدها نبدأ في عزل الخوص عن الجريد باستخدام المنجل، ثم تقطيعه بأطوال مختلفة وتنظيفه باستخدام السكين، وشقه وتقسيمه لقطع صغيرة باستخدام الساطور، ثم الدق عليه باستخدام الشاكوش وتخريمه وفقًا لمسافات محددة وبعدها نبدأ نشكل القفص من خلال تشبيك الأعواد مع بعضها"، مشيرًا إلى أن بالرغم من مشقة المهنة إلا أنهم يقدرونها وسيواصلون عملهم فيها حتى يحافظون عليها من خطر الاندثار.
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (6)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين
تظل مهنة تصنيع أقفاص جريد النخيل، مهنة أساسية في قرية المرازيق يعتمد عليها الكثيرون كمصدر دخله بالرغم من أنها باتت مهددة بالانقراض، بسبب المنتجات البلاستيكية التي أصبحت تسيطر بشكل كبير على السوق، ما يعرضهم لخسائر مالية، وتحقيق عائد ضعيف لا يتناسب مع ما يبذلونه من مجهود يومي كبير، "قفص الجريد أحسن بكتير من القفص البلاستيك، سعره أقل وبيحافظ على جودة الخضار والفاكهة لفترة أطول، عيبه الوحيد إنه مش بيعيش لكن البلاستيك بيتعبى مرة واثتين وثلاثة، وبالرغم من إن الشغلانة تكاد تكون بتنتهي إلا إن المنتج مطلوب بشكل واسع وكبير والناس لسه شغالين وقادرين يحافظوا عليها، مؤكدًا: "المهنة مستمرة ولا يمكن الاستغناء عنها".
 
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (7)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين 

تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين (8)
تصنيع أقفاص الجريد بقرية العزيزية في البدرشين
 
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة