بيشوى رمزى

اتساع نطاق الحالة "التشاورية" العربية.. وبناء دور "الإقليم" دوليا

الأحد، 22 يناير 2023 02:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
 
ربما باتت الحالة التشاورية، أحد أهم أركان الدبلوماسية العربية، في السنوات الأخيرة، سواء على المستوى الجماعي، عبر جامعة الدول العربية، والتي دشنت اجتماعات تحمل الصيغة التشاورية، على مستوى وزراء الخارجية في أجندتها، لتتطور إلى مستوى القمة، على غرار ما شهدته قمة الجزائر في نوفمبر الماضي، عبر اجتماعا تشاوريا بين القادة العرب، أو على المستوى الفردي بين الدول العربية وبعضها، على غرار الاجتماع الاخير بين قادة مصر والاردن والبحرين وسلطنة عمان وقطر بالاضافة الي دولة الإمارات التي استضافت الاجتماع على أراضيها.
 
ولعل الحديث عن الاجتماعات التشاورية يمثل أهمية كبيرة، ترتبط في الأساس، بالتغييرات الكبيرة التي يشهدها النظام الدولي في اللحظة الراهنة، في ضوء حقبة تحمل مخاضًا للتحول نحو قدر كبير من التعددية، مع صعود قوى دولية لمزاحمة الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي، وهو ما ينبغي أن تتواكب معه التحركات الإقليمية نحو مزيد من الشراكة، لتكون بديلا للتنافس، من خلال توحيد المواقف، خاصة مع بزوغ طبيعة مستحدثة للأزمات الدولية، إلى الحد الذي يدفع نحو استغلال كافة الإمكانات التي تحظى بها كل قوى إقليمية، لتحقيق التكامل في كافة المجالات سياسيا أو اقتصاديا، مرورا بالمستجدات المرتبطة بالمناخ والأوبئة وحتى قطاعات الغذاء والطاقة، والتي تبدو المتضرر الأكبر من الأوضاع العالمية الراهنة.
 
وللحقيقة، تبقى الدولة المصريه أحد اهم الأركان الإقليمية في تدشين "الدبلوماسية التشاورية"، عبر تجاوز الشراكات الثنائية وتوسيعها إلى صيغ جديدة، منها ما هو ثلاثي، على غرار التعاون مع العراق والأردن،  والذي خرج من رحمه مؤتمر بغداد، والذي عقد لعامين متتاليين في العاصمة العراقية عام 2021، ثم في العاصمة الأردنية عمان في العام الماضي، والذي شهد خروجا عن النطاق العربى الضيق بإشراك قوى إقليمية اخرى، أو رباعي، على غرار القمة التي عقدت بمدينة العلمين الجديدة قبل شهور قليلة، ليكون الاجتماع الأخير في الإمارات نقطة توسع جديدة على مستوى الدول، عبر مشاركة 6 دول عربية.
 
ويبدو الاتساع التدريجي في الحالة التشاورية العربية، جزء لا يتجزأ من استراتيجية إقليمية، تحمل في طياتها حالة من الانفتاح، ليس فقط على النطاق الضيق، في صورته العربية، وإنما يتسم بقدر كبير من المرونة، في ظل قبول أطراف أخرى من خارج المعادلة العربية، وربما الإقليمية برمتها، وهو ما يتجلى في الشراكة المصرية مع اليونان وقبرص في مجال الغاز الطبيعي، والتي ربما فتحت الباب أمام قوى إقليمية متنافسة للتواجد معا في كيان أكثر اتساعا وهو منتدى غاز شرق المتوسط، مما يساهم في تخفيف حدة المنافسة نحو مزيد من التعاون والشراكة التي تتطلبها الأوضاع الدولية في صورتها الراهنة.
 
ربما تعد تلك الحالة الإقليمية المتسعة، بمثابة تحول مهم، في مفاهيم القيادة التقليدية، والتي تمركزت لعقود طويلة من الزمن حول "الدولة القائد"، لتصبح قائمة على تحقيق أكبر قدر من التفاهمات، للوصول إلى أرضية مشتركة، بين كافة القوى المؤثرة، فيما يتعلق بالمستجدات الدولية، أو تلك المرتبطة بالأزمات الراهنة، وهو ما يصب في النهاية في المصلحة الجمعية للإقليم بأسره.
 
الحالة الجمعية المنشودة، ربما افتقدها العالم رغم وجود كيانات دولية تبدو قوية، على غرار الاتحاد الأوروبي، لكن قدرتها على الصمود ربما أصابها الوهن، مع تواتر الأزمات وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية، في ظل عجزها عن توحيد موقف قاري من شأنه الوصول إلى مشتركات مع الخصوم القاريين، وعلى رأسهم روسيا، بل على العكس، اعتمدت أوروبا الموحدة سياسات من شأنها التضييق على موسكو في مناطقها الجغرافية، مما ساهم في تحييد دورها في الأزمة الحالية، مما دفع إلى دعوات، تقودها فرنسا حول ضرورة تقديم ضمانات أمنية للروس، في إطار التفاوض معهم حول مستقبل العملية العسكرية الراهنة.
 
وهنا تمثل الخطوات المصرية العربية، "لبنة"، مهمة في إطار إستراتيجية واسعة من شأنها "بناء الاستقرار" الاقليمي من جانب، مع العمل على التحول من مفهوم القيادة المنفردة، نحو "بناء دور" أكبر لأقاليمها الجغرافية، في ظل ما تحمله من إمكانات مؤثرة من شأنها المساهمة في تقديم حلول فعلية للأزمات القائمة، خاصة إذا ما لقت دعما دوليا، للقيام بدور أكبر يتجاوز مناطقها الجغرافية، وهو ما يعكس أهمية الدور الذي وضعته مصر على عاتقها كنقطة اتصال بين أقاليمها والعالم.
 
فلو نظرنا إلى أزمة التغيرات المناخية، باعتبارها أحد الأزمات المؤرقة للعالم، ربما نجد أن ثمة دور بارز لإفريقيا والمنطقة العربية، بدا واضحا في القمة الأخيرة التي عقدت في مدينة شرم الشيخ، كقوى قادرة على المساهمة في احتواء غضب الطبيعة، وهو ما بدا في التكتل خلف مصر باعتبارها الدولة المنظمة والتي تم اختيارها، بناء على معايير تعمي قدرتها على التواكب مع الظاهرة التي تمثل تهديدا للكوكب بأسره، ناهيك عن إضفاء "الشرعية" الإقليمية للدور المصري الجديد نسبيا على الساحة الإقليمية.
 
وهنا يمكننا القول بان اتساع نطاق الحالة التشاورية، والتي باتت ممتدة من المستوى العربي، إلى النطاق الإقليمي، ومنها إلى العالمية، هي بمثابة جزء من عملية تهدف إلى بناء دور أكبر للأقاليم التي عانت تهميشا بسبب صراعاتها البينية تارة، عمليات التجريف التي لاحقتها تارة أخرى، لتصبح الأولوية للمصالح الجمعية، عبر تحقيق الاستقرار أولا ثم بعد ذلك بناء دور إقليمي مستقر للمساهمة في حل الازمات العالمية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة