"الباشا" قصة جديدة لـ أحمد عبد اللطيف سلام

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2022 06:00 م
"الباشا" قصة جديدة لـ أحمد عبد اللطيف سلام أحمد عبد اللطيف سلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ارتديت ملابسى على عجل، وودعت أمى بقبلة على جبهتها قبل أن أغادر المنزل، شيعتني بدعواتها لى بالتوفيق والعودة سالمًا، طيلة الطريق كنت أفكر فى الأسئلة المحتملة من المحامى، والذى أرسلنى صديقى إليه كى أتدرب فى مكتبه.

تذكرت كل ما قاله لى صديقى عن المحامي، هيئته، شخصيته، وقوة حجته أثناء المرافعة، حتى تمنيت أن أصبح مثله يومًا ما، فالمحاماة تمثل لى حلمًا كبيرًا، جاهدتُ من أجله طيلة أربع سنوات، قضيتها بين أروقة الجامعة ومكتباتها حتى نلت الشهادة، واﻵن واتتني الفرصة لأحقق هذا الحلم، فهل سأصبح محاميا شهيرا مثله؟

كانت البناية الكائن بها المكتب ذات طرازٍ قديم، لها مدخل كبير يزدان برسومات من العهد الملكي، لم يكن هناك أسانسير فصعدت السلم، وحين وصلت للدور الثالث حيث المكتب وجدت العرق يتفصد من جبهتي، مسحته بمنديل ورقى ودخلت.

لم أجد أحدًا فأدرت نظرى فى المكان، وقبل أن أكتشفه بالكامل، خرج أمامى الساعى فارتبكت، أخبرته أنى جئت من أجل التدريب، ولى الشرف أن أتدرب مع الأستاذ، رمقنى بنظرة تعجب، وأشار لأحد الكراسى وانصرف، وقبل أن أجلس عاد وأشار لى أن أتبعه، فتح الباب وانصرف.

كان اﻷستاذ يجلس إلى مكتبه الضخم، وقد انهمك في القراءة، وثمة ملفات عن يمينه وضعت بنظام دقيق، وعن شماله مجسمات صغيرة لرجال ونساء بملابس السهرة، كانت الإضاءة خافتة ورائحة نفاذة لا أدرى كنهتها تملأ المكان.

كانت هيئته وامتداد شاربه يشعرانى بالهيبة والوقار، ولا ينقصه سوى طربوش على رأسه، حتى يصير وكما وصفه صديقى أنه (باشا).

أشار لى بالجلوس، وسألنى عدة أسئلة، أجبت عليها كما لقننى صديقي، ابتسم ورحب بى كمتدرب فى مكتبه، فغمرتنى مشاعر الفرح والرضا، وإحساسٌ بقرب تحقق حلمي.

أقبل الساعى وأخبره بوصول أحد الموكلين، فنظر إلى قائلاً: "حظك بمب، هتشوف طريقتى فى معاملة الزباين، وازاى باقنعهم بأى حاجة".

بالرغم من قلقى من هذا الأسلوب فى الحديث، إلا أننى رأيتها فرصة كبيرة، فهل كانت كذلك؟

كان فى الخمسين من عمره، يرتدى جلبابًا أبيضًا وعباءةً سوداء، ألقى السلام على اﻷستاذ قائلًا: "سلامو عليكو يا حج".

رد عليه الأستاذ: "أهلًا أهلًا يا مراحب، أزيك يا معلم".

جلس الموكل، وقبل أن يتكلم دخل الساعى يحمل بين يديه "شيشة"، فتعجبت من سرعته فى إحضارها للموكل، وازداد تعجبى حينما وضعها أمام الأستاذ، والذى بادره قائلًا: "فين شيشة المعلم يابني".

خرج الساعي، فخرج معه الرضا الذى كان يملأ قلبي، وتبدد السرور حينما استمعت لفاصل من الحديث الذى دار بين الأستاذ والموكل، والذى كان بلغة سوقية أترفع عن التحدث بها.

جلستُ بينهما كالحاضر الغائب، فقدت الإحساس بالزمان والمكان، فلا أدرى كم مضى من الوقت، ولا متى جاء الساعى بالشيشة اﻷخرى، ولا في أى الأمور تحدثا.

سرحتُ فى حلمى الذى رأيته يتحطم أمامى فى أول يوم لى فى المحاماة، فهل هذا هو الشخص الذى تمنيت منذ قليل أن أصبح مثله، يا لخيبة أملي، ويا لتعاستي، هل أستمر فى هذه المهزلة وأتقبل التدريب لديه؟ هل أغض الطرف عن أسلوبه فى المعاملة، وطريقته فى الكلام؟

أعلم أن أمى تنتظرنى لتفرح بي، فهى تحلم مثلى أن أصبح محاميا كبيرا، ولكن لن أستطيع أن أحقق حلمى وحلمك يا أمي، لن أتخلى عن مبادئي، فليست هذه هى المحاماة التى حلمت بها.  

توقفت اﻷسئلة برأسي حينما قام الموكل، انصرف بعد أن طمأنه اﻷستاذ مع وعد بكسب القضية، استأذنت اﻷستاذ بالانصراف، فقال لي: "هستناك بكرة، عشان أوريك اللى مشفتهوش فى حياتك"، فقلت له :" إن شاء الله"، ولسان حالى يقول : "فى المشمش يا باشا".










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة