أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

بايدن "على خطى"ترامب"

السبت، 31 يوليو 2021 08:46 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما أعلنت واشنطن انتصار جو بايدن، في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، كانت معظم التوقعات تدور حول تمحور أهداف الإدارة الأمريكية الجديدة، حول هدف رئيسى، وهو تقويض إرث سلفه دونالد ترامب، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، حيث كان شعار "أمريكا أولا"، بمثابة التوجه الرئيسى، الذى تبناه الرئيس السابق، في رسم سياسته الخارجية، وكان سببا في تغيير الخريطة الدولية لواشنطن، سواء فيما يتعلق بالحلفاء والخصوم، وبالتالي كانت معظم الرؤى التي أعلنها الخبراء في الشأن الدولى، حول عودة البوصلة الأمريكية، إلى حقبة أوباما مجددا، خاصة وأن بايدن كان الرجل الثانى، عبر بقائه في منصب نائب الرئيس لـ8 سنوات كاملة، وهو ما يعنى أنه كان عضوا رئيسيا في مركز صناعة القرار في تلك الفترة.
 
ولعل قرارات الأيام الأولى، ساهمت بجلاء في تعزيز تلك الصورة، خاصة بعدما وقع أمر تنفيذى بالعودة إلى اتفاقية باريس المناخية، والتي انسحبت منها الإدارة السابقة، وهو ما يحمل في طياته مصالحة مزدوجة، سواء لنشطاء المناخ المنزعجين من قرار الانسحاب الأمريكي من جانب، بالإضافة إلى فرنسا، التي كانت ترى أن الاتفاقية تمثل مدخلاً مهما لنفوذها، باعتبارها تحمل اسم عاصمتها، ومن ورائها أوروبا، الغاضبة جراء سياسات التخلي الأمريكي عنها، خلال حقبة ترامب، ليس فقط من ناحية الموقف من المناخ وقضاياه، ولكن أيضا نتيجة مواقفها الاقتصادية والعسكرية، عبر فرض التعريفات الجمركية تارة، والتلويح بالانسحاب من الناتو تارة أخرى، بالإضافة إلى التوجه الصريح نحو أوروبا الشرقية، على حساب ما يسمى بـ"المعسكر الغربى" تارة ثالثة.
 
إلا أن "انقلاب" بايدن على سياسات ترامب ربما لم يستغرق سوى أيام قليلة، في إطار ما يمكننا اعتباره "نشوة" الانتصار الانتخابى، وربما لاسترضاء "النعرة" الحزبية، في ظل الاحتقان الشديد بين الديمقراطيين، تجاه الرئيس السابق، الذى حمل خطابا عدائيا صارخا ضدهم، دفعهم مرات عديدة إلى السعي نحو عزله، كان آخرها بعدما ترك المنصب، في انعكاس صريح لحالة الغضب الشديد لديهم تجاهه، بينما كانت سياساته في مجملها، منذ دخوله البيت الأبيض، قبل 6 أشهر تميل في معظمها نحو "الانقلاب" على أوباما، أكثر منه ترامب.
 
فلو نظرنا إلى الموقف الأمريكي الراهن من كوبا، نجده يمثل "انقلابا" صريحا على أوباما، والذى تبنى موقفا مختلفا، عبر التقارب مع هافانا، بدا بوضوح مع اقتراب نهاية حقبته، عندما أقدم على زيارة تاريخية لها، لم تلقى في حقيقة الأمر ترحيبا شعبيا، حيث نظم خلالها آلاف الكوبيين تظاهرات ضخمة احتجاجا على زيارة "سيد" البيت الأبيض، بينما كان ترامب حادا للغاية مع الدولة اللاتينية، حيث كانت الاحتجاجات الأخيرة، ومواقف السلطات في كوبا محلا للانتقاد من قبل الإدارة الحالية، إلى الحد الذى دفع إدارة بايدن إلى فرض عقوبات جديدة، في الوقت الذى توقعت فيه السلطات في هافانا، أن يتجه الرئيس الجديد نحو تخفيف العقوبات، على خلفية موقف أوباما، والذى بدا متصالحا معهم إلى حد كبير.
 
ويعد الموقف الأمريكي من كوبا ليس الوحيد، الذى يمثل انقلابا على حقبة أوباما، فالموقف من أوروبا الغربية لم يشهد اختلافات كبيرة، خاصة مع التقارب الملحوظ بين دول القارة الرئيسية مع كل من روسيا والصين، وكذلك لم تشهد العلاقة مع إيران تطورا يذكر، في الوقت الذى تناولت فيه وسائل الإعلام الدولية محاولات من قبل واشنطن لاستئناف الحوار مع كوريا الشمالية، بينما لم تبدى الأخيرة استجابة خوفا من "انقلابات" أمريكا، وهو ما يبدو في مواقف دولية سابقة، وكذلك واصلت الولايات المتحدة توجهها نحو أوروبا الشرقية، على حساب حلفائها الغربيين، كما تسعى لتقوية تحالفات "المحيط الهادئ"، على حساب حلف شمال الأطلسى "ناتو"، في حين مازالت العلاقة مع الصين متوترة، في الوقت الذى عقد فيه الرئيس الأمريكي قمة مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، في جنيف، ليتجاوزا معا حلقة من "الإساءات" المتبادلة، سبقت لقائهما بأسابيع قليلة، مما يعطى انطباعا أن الإدارة الحالية تحمل نفس رؤيه سابقتها، حول مهادنة موسكو، واستعداء بكين.
 
الخطاب الانتخابى لبايدن حمل عداءً صريحا لسياسات ترامب، وشعاراته، وعلى رأسها "أمريكا أولا" باعتباره سببا رئيسيا في توتر العلاقة مع الحلفاء، إلا أنه خرج بشعار آخر، وهو "صنع في أمريكا"، يعطى فيه الأولوية للمنتج الأمريكي، على حساب الواردات القادمة من الخارج، فيما يمثل ضربة جديدة للحلفاء، في أوروبا، تضاف إلى ضربة ترامب الأولى، والمتمثلة في سياسة التعريفات الجمركية، والتي كانت بمثابة قاصمة إلى حد كبير للعديد من الاقتصادات في القارة العجوز، في ضوء تزامنها مع أزمات عدة، أبرزها تنامى البطالة، وزيادة أعداد اللاجئين، ناهيك عن مخاوف تنامى الإرهاب.
 
وهنا يمكننا القول بأن سياسات بايدن تمثل، في مجملها، استكمالا للمسلسل الذى بدأه ترامب، بينما حملت في طياتها "انقلابا" صريحا على سياسات أوباما، فى انعكاس صريح للتوجه العام في واشنطن، والذى بدأ منذ اعتلاء الرئيس السابق "عرش" البيت الأبيض، لتكون حقبته بمثابة تمهيد لمرحلة جديدة، من الصراع الدولى.
وللمفارقة، فإن حقبة ترامب تبدو متشابهة مع مرحلة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، ليس فقط من حيث مدة الحكم، حيث لم يتجاوز بقائهما في البيت الأبيض أكثر من فترة واحدة، ولكنهما أيضا لعبا دورا رئيسيا في التمهيد للصراع الجديد، فالرئيس الأسبق هو ساهم في خلق التنظيمات الإرهابية في أفغانستان لمحاربة السوفيت، ليعطى الذريعة لابنه بعدها بسنوات ليطلق ما يسمى بـ"الحرب على الإرهاب"، والتي كانت بمثابة الوجهة الرئيسية للصراع الدولى منذ عقدين من الزمان، بينما حمل ترامب لواء العداء للصين، وتغيير خريطة التحالفات الدولية تمهيدا لنظام دولى جديد.
 
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة