القرد والتمساح والقطة.. هل قدس المصريون القدماء الحيوانات؟

الثلاثاء، 02 فبراير 2021 06:00 م
القرد والتمساح والقطة.. هل قدس المصريون القدماء الحيوانات؟ العجل أبيس
كتب أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لقد غلبت روح التدين على المصرى القديم منذ بدايات وجود الإنسان المصرى على أرض مصر الطيبة، وكانت الحيوانات بأنواعها المختلفة تشاركه بيئته الفسيحة المليئة بكل الكائنات، ولم تكن لديه القدرة على السيطرة عليها، وأدرك المصرى القديم مع الوقت أن لهذه الحيوانات قدرة عظيمة أكبر من قدرته هو ذاته، فهل قدس الفراعنة الحيوانات؟.

قال الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، امتد التقديس والحب والتبجيل عند الفراعنة لهذه الحيوانات خوفًا منها نظرًا لما لها من قدرة وقوة أكبر من قدرته وقوته، فمال إلى تقديسها اتقاء لبطشها وتهدئة لها ودرءًا لشرها ورغبة فى الاحتماء بها وقوتها من الكائنات والظواهر الأخرى المحيطة به والتى تفوق قدرته المحدودة.

وتابع الدكتور حسين عبد البصير، ولا يمكننا أن ننسى إعجاب الإنسان المصرى بقوة الحيوانات الخارقة التى كان يفتقد إليها، وامتازت تلك الحيوانات بقدرتها على إمداد المصرى القديم بقدر كبير من الخيرات مثل الألبان واللحوم التى كان يقتات عليها والجلود التى كانت تقيه من قسوة البرد فى الشتاء، فنشأ بين المصرى القديم وتلك الحيوانات نوع غير محدود من الألفة غير المعلنة، فأسبغ عليها بالغ القداسة والاهتمام والتبجيل، نظرًا لما تقدمه له من عطاء وفير وحب وتضحية، مثل الطائر أيبس، أو "أبو قردان"، الرمز المقدس للمعبود جحوتى رب الحكمة فى مصر القديمة.

وأوضح الدكتور حسين عبد البصير ولا شك أن موضوع تقديس الحيوان فى مصر القديمة من أكثر الأمور التى كانت وما تزال محل جدل ومثار عجب ودهشة لدى البعض قديمًا وحديثًا، وكان أبرزهم أبو التاريخ أو أبو الأكاذيب المؤرخ الإغريقى الأشهر هيرودوت، واعتقد بعض العلماء أن المصريين القدماء عبدوا الحيوانات وجعلوها آلهة معينة ذات رموز خاصة، ورفض بعضهم هذا الرأى بشدة.

وأشار مدير متحف آثار الإسكندرية كان تقديس الحيوان معروفًا فى مصر منذ أقدم العصور، واختفى مع الوقت لكن صار التقديس نوعًا من الاحترام وكتقليد متوارث منذ القدم إلى العصور التاريخية، غير أن السبب الأهم فى احترام وتقديس الحيوان فى مصر القديمة والدافع من وراء عبادته يرجع، أغلب الظن، إلى أن المصرى القديم قدس الروح السامية الكامنة فى الحيوان، وليس الحيوان ذاته، ولم يقدس كل أنواع الحيوان، كما يحدث فى الهند من تقديس لجميع أنواع الأبقار، وإنما كان الاختيار يقع على نوع محدد من الحيوانات، ولم يكن يتم تقديس كل الحيوانات من تماسيح وأبقار وكباش وصقور وغيرها، وإنما كان اختيار الحيوان المحدد يتم عن طريق مجموعة من العلماء فى "بر عنخ" أو "بيت الحياة"، مكان العلم والعلماء الموجود فى المعابد فى مصر القديمة، ومتى تم توافر الشروط المطلوبة بدقة فى ذلك الحيوان، فيتم الإعلان عن اختيار ذلك الحيوان المقدس، وتقام الاحتفالات العظيمة فى المعبد الخاص بالإله، وعندما يموت هذا الحيوان المقدس، يتم تحنيطه ودفنه فى موكب عظيم.

وأكد الدكتور حسين عبد البصير أن الحيوان كان وسيطًا بين الإنسان المصرى القديم وبين الإله الذى كان يرمز إليه ذلك النوع من الحيوانات، وكان قدرة المعبود تتجلى فى هذا الرمز الحيوانى، وتحول الأمر إلى نوع من القداسة التى وقرت روح الحيوان، لا الحيوان ذاته، وكانت روح المعبود تتجلى فى ذلك الحيوان أو هذا الطائر أو فى أى من الزواحف، وفى هذا ما يوضح ترفع الإله وتجرده عن الحالة المادية واختفائه عن الأنظار، وتنزه الإله وارتفاعه إلى مرتبة عليا من السمو والتنزه عن الماديات الملموسة إلى العالم السماوى اللامادى حيث السمو بالذات إلى ملكوت التجدر عن كل الصفات الأرضية، وجاء هذا الاحترام من تقديس روح الإله الموجود فى الحيوان، وليس فى روح الحيوان، وكانت الحيوانات المنزلية تنال قدرًا كبيرًا من عطف ورعاية المصرى القديم فى محيط الأسرة المصرية باعتبارها تمثل أرواحًا طيبة فى محيط بيت الأسرة.

وتابع: ومال البعض إلى اعتباره عبادة الحيوان فى مصر القديمة دخيلة على المجتمع المصرى القديم، وإنما حدثت فى عصور الاحتلال والاضطهاد الدينى والسياسي، وفى العصور المتأخر من تاريخ مصر القديمة، خصوصًا فى العصور اليونانية-الرومانية. 

وتم تصوير الحيوانات المقدسة فى هيئات مزجت مزجًا بارعًا بين الحيوان والإنسان، فنراها تظهر فى هيئات نصف آدمية بجسد إنسان ورأس حيوان. وكان فى هذا محاولة من المصريين القدماء إلى تقريب الصورة إلى الأذهان، وتم إطلاق اسم "أرواح المعبودات" على هذه المعبودات المقدسة، وأطلق المصريون القدماء أسماء إلهية جديدة على الحيوانات المختارة بعناية فائقة لتمثل المعبود، فنرى الصقر يُطلق عليه اسم "حورس" وليس "بيك" بمعنى "الصقر" اسمه فى اللغة المصرية القديمة. وأُطلق على البقرة "حتحور"، وليس "إيحت"، وأطلق على التمساح لقب الرب "سوبك"، وليس "مسح"، معناه فى مصر القديمة. وأصبح الكبش يأخذ اسم "آمون" أو "خنوم"، وليس "با"، وتم تصوير العجل "أبيس"، روح المعبود بتاح، فى شكل حيوانى خالص.

وحول السبب وراء اختيار الكصرى القديم لهذه الحيوانات؟، يقول مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، لقد أخذ المصرى القديم من البقرة قدرتها على الحنو على وليدها، ومن الكبش قدرته على الخصوبة والإنجاب، ومن الصقر بعده وارتفاعه فى السماء، مما جعل من هذه الحيوانات أرواحًا إلهية تكمن داخل معوداتها.

وتم تقديس الحيوان كرهبة العجب والعظمة من الحيوان، ورهبة اتقاء شره، ورغبة فى النفع منه والإفادة من خيره. ولعبت المصادفة دورها فى اختيار الحيوان بسبب صفة ما تميزه عن بقية جنسه أو ربما لارتباطه بمسكن الحيوان الذى ربما كان فيه ما ينفع الناس. وكان فى اختيار الحيوان تجدد لقوى الآلهة، وتعددت أشكال الإله، وكان من بينها تمثيل المعبود فى هيئة حيوانية خالصة أو حيوانية آدمية.

وهناك أنواع عديدة من الحيوانات التى قدسها المصريون القدماء لأسباب عدة، ونذكر هنا بعضها منها على سبيل المثال، لا الحصر، مثل البقرة التى ارتبطت بالإلهة حتحور، وكانت تُصور على شكل إلهة بجسم سيدة ورأس بقرة، وكانت رمزًا للجمال والحب والسعادة.

كما انتشرت عبادة وتقديس البقرة فى مصر لما تمتاز به من الحنان والأمومة ورعايتها لرضيعها وإضرارها الألبان، وكان التمساح رمزًا للرب سوبك، الإله التمساح، الذى انتشرت عبادته فى أرجاء عديدة من مصر، خصوصًا فى منطقة الفيوم، وكان الصقر، فى أغلب الحالات يمثل الإله حورس ابن الرب أوزيريس والرب إيزيس، وكان يتم تصويره كرجل برأس صقر، وارتبط هذا الإله بالملكية المصرية المقدسة، وكان يطلق على بعض أشكاله اسم "حورس الذهبى".

وكان أبو منجل أو أيبس أو أبو قردان واحدًا من الحيوانات المقدسة التى تصور الرب تحوت إله الكتابة والحكمة، والذى اخترع جميع العلوم التى عرفها الإنسان، وكان يمثل كرجل برأس "أبو منجل"، وكانت القطة تعتبر حيوانًا مقدسًا خاصًا بالإلهة القطة "باستت التى كان مركز عبادتها فى منطقة تل بسطة فى الزقازيق فى الشرقية، وكانت القطة من الحيوانات الأليفة التى كانت تربى فى المنزل المصرى القديم، وكانت كذلك من الربات الحاميات للمنزل بما فيه من أطفال ونساء، كما كان القرد أو البابون من الحيوانات المقدسة، لأنه كان يحيى الشمس عند شروقها تحية للإله رع إله الشمس، وهذا المشهد يظهر على مسلة الملك رمسيس الثانى فى معبد الأقصر.

وأكد الدكتور حسين عبد البصير، على أن المصريين القدماء لم يقدسوا أو يعبدوا الحيوان لذاته، ولكنهم قد وجد فى الحيوان قوة إلهية علوية تمثلت فى روح الرب الذى كان يرمز له.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة