القارئ أشرف أعود يكتب: الإنسان والبندول

الجمعة، 19 يونيو 2020 10:15 ص
القارئ أشرف أعود يكتب: الإنسان والبندول أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

خلق الله البشر فى اختلاف دائم.. فقلما تجد اتفاقا أو إجماعا مطلقا حتى بين أشد التوائم تطابقا.. غير أنه فى ظل "الحظر الكورونى" الذى نعيشه الآن برزت كلمة "الملل"، واجتمعت البشرية بملياراتها السبعة على تلك الكلمة وأصبحت الأكثر تداولا على مختلف الالسن فى كل انحاء المعمورة.. ورغم بروز هذه الكلمة بسبب تلك الظروف الضاغطة إلا أنها فى الواقع ليست بالأمر المستجد، بل هى صفة ومكون رئيسى للإنسان منذ أن خلقه الله واستخلفه فى الأرض.. فبين الألم والملل يعيش الإنسان منذ اللحظة الأولى.. وقد كان الفيلسوف الألمانى شوبنهور من أفضل من عبروا عن هذه المتلازمة بوصفه الإنسان" بالبندول الذى يتأرجح بين الألم والملل"، وقد ذهب الفيلسوف الإنجليزى بيرتراند راسل إلى ابعد من ذلك فزعم بان الملل اقوى من اللذة كدافع من دوافع الانسان ومحرك لرغباته ولكل ما هو مهم وحيوى لدرجة انه كان يرى أن " الحروب تقوم بدافع كسر الملل".

و قد كان الألم والملل مدخلان رئيسان لكافة الثقافات والفلسفات وكذا الديانات السماوية وغير السماوية..فقد ترك بوذا – وقد كان اميرا ينتظر العرش- ترك القصر حيث كل الملذات وذهب يجول فى البرية بحثا عن الخلاص من الملل الحاضر، والالم المتوقع ؛ اذا ما ذهبت السلطة والجاه والمال والصحة.. فاهتدى بوذا إلى التأمل واليوجا كوسيلتين لتدريب النفس – العقل والجسد -على تحمل الألم والملل ؛ وذلك من خلال ضبط العواطف وكبح الشهوات وإبقاء العقل رهن اللحظة الراهنة..

كما برز الزهد أيضا فى الديانات السماوية كوسيلة لمقاومة الألم والملل فكانت الرهبنة فى المسيحية مرادفا للعبادة فى اسمى معانيها، فلقب الشخص المتعبد الزاهد بالناسك أو الراهب..و اطلقت هذه الكلمة على الرهبان ومن هنا ارتبطت الرهبنة أو التنسك فى المسيحية بفكرة الخلاص القائم على تقديم الجسد كأضحية طلبا لرضا الرب..

كما جاء الإسلام ليؤكد بان هذه الحياة بكل ما فيها من الم وملل ليست غاية فى حد ذاتها بل هى مجرد معبر إلى غاية أو جائزة كبرى وهى الحياة الأخرة، يقول المولى عز وجل " الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون" فقد ربط الإسلام بين مقدار الصبر على المصيبة ( الألم والملل) ومقدار الثواب والجزاء فى الدار الاخرة.. فالإنسان المسلم يؤمن بانه مهما أصابه فمن الله ومرجعه ومرده إلى الله سبحانه وتعالى.

و اذا كان التأمل فى الديانات الإنسانية غير السماوية كالبوذية وسيلة الفرد البوذى فى دفع الألم والملل فإن الصلاة فى الديانات السماوية هى الأداة العظيمة التى اهداها الله إلى المؤمنين للتقرب اليه وعبادته من ناحية... ولدفع الألم والملل من النفوس من ناحية أخرى.. فهى طهارة للنفس وغذاء للقلب وسمو للروح..فيها قال المولى عز وجل " قد افلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون.. وقال عز وجل " استعينوا بالصبر والصلاة..، وكان البنى عليه الصلاة والسلام اذا ما حان وقت الصلاة ينادى على بلال بقوله " ارحنا بها يا بلال.. فالصلاة هى أدوات الانسان المؤمن للتقرب إلى الله فضلا عن مقاومة الألم والملل والوصول إلى الراحة المنشودة..

و عودة لما بدانا به..فمن منطلق أن كل محنه تنطوى على منحه، وسعيا نحو استخلاص المنح من المحن، فإنه من الممكن أن يكون "حظر كرونا" وما صاحبه من معاناة وقيود..مدخلا وفرصة للتأمل والتدبر وتدريب النفس على مقاومة الألم والملل.. فلا يليق بالإنسان الذى كرمه الله أن يرى نفسه فى موضع " بندول " الفيلسوف التشاؤمى شوبنهور، يتأرجح بين الألم والملل، فقد انعم الله على الانسان بنعمة العقل والايمان..و بهما وبادواتهما يمكنه دفع الألم والملل واستدعاء الراحة والخلاص..

فالحذر كل الحذر من الملل لأنه كما تقول الاديبة الأمريكية الراحلة اديث وارتون " هو مصدر كل الخطايا..

 

اللهم ارفع عنا الألم والملل..اللهم بدد همومنا ونفس كروبنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين..

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة