سعيد الشحات يكتب "ذكريات صحفية"..الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا يذكر لي آخر نكتة سمعها من المصريين ويتمني أن يسير في شوارع القاهرة ليحكي قصة عبد الناصر مع ثورة الجزائر ويتذكر"قدرة الفول" التي أكل منها لأول مرة 8

الإثنين، 04 مايو 2020 09:24 م
سعيد الشحات يكتب "ذكريات صحفية"..الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا يذكر لي آخر نكتة سمعها من المصريين ويتمني أن يسير في شوارع القاهرة ليحكي قصة عبد الناصر مع ثورة الجزائر ويتذكر"قدرة الفول" التي أكل منها لأول مرة 8 سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اتصل بي الإعلامي الشهير أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب من عام 1953 إلي عام 1967، قائلا:"خد رقم التليفون ده، واتصل بأحمد بن بيلا هو منتظر مكالمتك الآن، عشان تقابله"، واتصلت بالزعيم الجزائري وقائد ثورتها ضد الاحتلال الفرنسي، وأول رئيس لها بعد الاستقلال عام 1962، وكان في زيارة إلي القاهرة، وحين عرفت بها استثمرت عمق علاقتي بأحمد سعيد صديقه التاريخي، وطلبت منه أن يرتب لي موعدا للقائه، فلبي الرجل بكرمه المعهود معي.
 
سعيد الشحات (1)
 
في الساعة الرابعة عصرا في أحد أيام شهر مايو 2003، كنت أمامه في أحد الفنادق الكبري علي نيل القاهرة حسب موعدنا.. كان وقتئذ يبلغ من العمر 87 عاما"مواليد 1916"، قضي منهم 24 عاما في السجون ثمنا لنضاله، لكن وجهه الباسم بلا تجاعيد، وخفة حركته ورشاقته، وذاكرته القوية تجعلك تخصم 40 عاما من عمره، وحين أبديت له ملاحظتي حول ذلك، علق ضاحكا :"هي من نعم الله الكثيرة عليِ، لا أحمل سوءا لأحد، تعلمت الاستغناء من حياة النضال والسجن، إفطاري كوبا من الماء وعدة حبات من الفستق، وأبقي عليه ساعات طويلة، وأحرص علي التريض، ولدي استعداد لتسلق الجبال"
كان في صباح هذا اليوم في زيارة إلي قبر فتحي الديب رجل عبد الناصر في الثورات العربية في الخمسينيات والستينيات، وهمزة الوصل بينه وبين ثورة الجزائر التي بدأت في كفاحها المسلح 1 نوفمبر 1954، وتوفي بلا ضجيج يوم 7 فبراير 2003، وكان نصيبه خبرا صغيرا في صفحات داخلية لبعض الصحف الرسمية.. كان بن بيلا لايزال علي تأثره:"حبيبي وأخي وعظيمي وأستاذي فتحي، توفي قبل أن أراه، رحمه الله.. أخي أحمد سعيد قال لي كلاما طيبا عنك، وعن صلتك العميقة به وبفتحي، إشادته بك جعلتني أقول له،أريد أن أري سعيد هذا".
 
سعيد الشحات (3)
 
أخجلني هذا الثناء منه، وقلت له:"في حضرة تاريخك الطويل والثري، لدي حيرة من أين نبدأ ،ففاجئني بقوله:"نبدأ من آخر نكتة قالها المصريون"..ألقي النكتة وضحكنا، وكانت عدسة زميلي المصور حاضرة لتحفظ لي صورة نادرة لي معه، وواصل كلامه:"أخى سعيد، أعشق مصر وناسها وأرضها وخفة دمهم ونكاتهم، ولا أنسي أخي جمال عبدالناصر فهو من علامات المنطقة اللى نورت..لولا مصر ما كانت ثورة الجزائر..لولا ناصر ما كانت المساعدات للثورة. أتمنى أن أختم حياتى فى مصر".
 
تدفقت ذكرياته، وتدفقت أسئلتي، وضحك حين سألته حول ذكرياته عن أول يوم زار فيه مصر قائلا :"نعم يا أخى..نعم يا أخى..بقيت 6 أشهر منذ أن وطأت قدماى أرض مصر لأول مرة، اشتهي أكل الفول..لم أكن أتحدث العربية..كنت أتحدث الفرنسية، لأن اللغة العربية كانت ممنوعة بأمر الاستعمار الفرنسي".
 
سألته عن اسم"مزياني مسعود" الذي حمله حين جاء هاربا لأول مرة إلي مصر عام 1953 ، وذهب إلي مبني الإذاعة يسأل عن أحمد سعيد في"صوت العرب"، ضحك من قلبه:"ماشاء الله ،ماشاء الله، لم يتركني أخي أحمد يومها، اهتم بي، أخذني إلي بنسيون في وسط القاهرة، وعزمني علي الطعام، واشتري لي ملابس.. صوت العرب وأحمد سعيد كان بشيرا بثورة الجزائر..ودوره فى دعمها حتى النصر جليلا..وفضله كبيرا فى توحيد وتثوير وتعريب العمل من أجل الاستقلال.. هناك شيء لم أذكره من قبل عن صوت العرب، وحدثت أخى جمال عبد الناصر عنه..ففى اليوم الذى طلبت فرنسا المفاوضات معنا، وحدثنى الأخ جمال عنها جاء وزير خارجيتها، واتفقنا على أن يقدم كل طرف مطالبه، وتقدم الفرنسيون بمطالبهم..تصورت أن يتصدرها وضع ال 2.5 مليون فرنسى فى الجزائر، ومزارعهم وممتلكاتهم وكل الأشياء التى تخصهم.. لكن فوجئت بأن الذى يتصدر حديثهم هو إذاعة صوت العرب.. كانت أكثر من جيش بالنسبة لهم..هى لليوم إذاعتى المفضلة..أذكر أن أول خطاب وجهته إلى شعبى فى الجزائر كان منها..كان بالعربية لكنه مكتوب بحروف فرنسية، فالعربية وكما قلت لك كانت ممنوعة."
 
سألته عن أول لقاء له بعبدالناصر..ضحك قائلا:"نعم، نعم ،لا أنساه، كان يوجد شخص ثالث مترجم لأنه لم يكن يتحدث الفرنسية التى أتحدث بها، وأنا لم أكن أتحدث العربية..ورغم وجود المترجم..كانت القلوب تتكلم..شيء ما كان يتجاذبنا.. قلبى قلبه..وقلبه قلبى..اللُحمة كانت واحدة...جمعنا الحب الذى لا يفرق أبدا..فيه ناس لما يجلسوا مع بعض شيء ما يمر بينهم.. هذا الشيء مر بينى وبين الأخ جمال..أخى جمال كان يقاوم الاستعمار، ونحن نقاومه..كان يناضل من أجل استقلال أمته، نحن أيضا..لكن ثورته كانت هى الحضن، ولولاها ما كان الاستقلال".
 
أضاف:"أمدتنا مصر بكل أنواع المساعدات حتى السلاح النوعى الذى احتاجنا إليه مع السلاح المصرى كان من الزعيم الهندى نهرو..كان السلاح الهندى قويا وأفضل من السلاح الفرنسى الذى يقتلوننا به..كانت خطوة أخى جمال لدى نهرو حاسمة فى إمدادنا بالسلاح، وحاسمة فى التأكيد على أن مصر بثورتها وثقلها الكبير تساعد بل تتبنى الثورة الجزائرية، وهو ما ساعد فى عرض قضيتنا فى المحافل الدولية".
 
سعيد الشحات (2)
 
سألني عن عمري، وعن منابع معرفتي، فأجبته.. كان يهز رأسه، وكان حنونا فقلت له:" بمناسبة سؤالك عن سني، أسألك: إذا كانت المقاومة والتضحية بالدماء من أجل الاستقلال هى مصدر إلهام لأجيالكم التى اكتوت بالاستعمار، فما الشيء الذى تراه ملهما لجيلي؟..هز رأسه ثم قال:الاستعمار يعود من جديد..لكن أرى مصادر الإلهام للأجيال الجديدة هي العلم والمعرفة..لابد أن يكون هناك إنسان عربى جديد.. إنسان يتعلم ويعرف ويحمى مصالحه بأسلوب علمى، ويعرف من سبقوه ممن صنعوا نهضة هذه الأمة..ويفهم أن العلم ليس محايدا، بمعنى أنه فى الغرب يحافظ على مصالحه".
قلت له:" أي الألقاب تفضلها، رئيسا، مناضلا، قائدا؟..رد :أنا مناضل.. أحب هذا اللقب.. أعاون بلادى..وأبحث مصلحة شعبى"..قلت له :"كيف تري سنوات سجنك الطويلة؟..أجاب:لا أنظر إليها من جانبها المر..لا أبغض أحدا..وعلى الدوام أرى شعبى ماذا يريد.. قلت قبل ذلك أنا ناضلت والعصمة لله، وعملت لبلدى، وإذا كنت أخطأت فقد سجنت 24 عاما، وإذا كان هم أخطأوا فى حقى فليسامحهم الله"..سألته:"من تحمل معك معاناة السجن؟، فقال:" أمى الكريمة رحمها الله، وأخواتى الذين توفاهم الله، وزوجتى زهرة التى شاركتنى أتعس لحظاتى، وتحملت حياتى التى حبانا الله بها، وأسوء خبر تلقيته في السجن كان وفاة أخي جمال عبدالناصر".
 
سعيد الشحات (4)
 
كان النهار يزحف إلي نهايته، وكانت شمس الأصيل تعكس أشعتها علي مياه النيل، فطلب مني أن ننظر سويا إلي هذا المشهد من البلكونة، وسحبني من يدي، وبينما يسرح بنظره مع مياه النيل، سألته ماذا تشعر في هذه اللحظة؟.. أجاب:" هي أحب لحظاتي في القاهرة،وساعة شروق الشمس، هذه اللحظات تستدعي دائما عندي مسألة أخبرك بها وهي ..أتمني أن أسير فى شوارع القاهرة.. أشعر أنها أرضى.. وبلدى..أتمنى أن أتحدث مع كل من يقابلنى عن قصة مصر مع ثورة الجزائر.. وأقول له مصر فى قلبى..ناصر فى قلبى،ناصر ظاهرة نظيفة ومضيئة في تاريخنا ولن تنساه الشعوب المحبة للكرامة ، ولن ينساه شعب الجزائر،لولا مصر ما كانت ثورة الجزائر، وثورات أخرى.. اليوم الذى جئت فيه القاهرة لم يكن معى شيء..ووقفت أمام قدرة الفول، وأطعمنى صاحبها دون أن يأخذ مني شيئا، أخذنا السلاح والطعام والمال لنحرر بلادنا..أتمنى لو أتم أيامى فى هذا البلد..والله هذه أمنية أدعو الله أن يلبيها"..
 
 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة