تعاون شامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاضافة إلى تحرير كامل للتجارة تضمنتها اتفاقية تأسيس الشراكة بين البلديّن التى وقعتها مصر وبريطانيا مطلع الشهر الجارى بالقاهرة لترسما من خلالها ملامح لعهد جديد من التعاون بين البلدين المرتبطين بشراكة استراتيجية طويلة الامد.. عهد يبدأ مع انفصال صعب لبريطانيا عن التكتل الاوروبى عقب المخاض العسير لمفاوضات استمرت ما يقرب من ٤ سنوات ونصف من تاريخ الاستفتاء الذى جرى فى 2016 .


وفي إطار العلاقات الاقتصادية الهامة التى تستند إلى تاريخ طويل من التعاون المشترك في مختلف المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية ، عكست الاتفاقية - التى وقعت بمقر وزارة الخارجية - اهتمام قيادتي البلدين بتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك بهدف تحقيق نقلة نوعية في معدلات التجارة البينية والمشروعات الاستثمارية للشركات البريطانية في مرحلة ما بعد البريكسيت لاسيما وان المملكة المتحدة تحتل المرتبة الأولى، من حيث حجم المساهمة في الاستثمار الأجنبي المباشر بالسوق المصري من خلال 1630 شركة باستثمارات تبلغ 5.4 مليار دولار تتركز غالبيتها في القطاع الصناعي .


وتحرص مصر على توطيد العلاقات مع بريطانيا وهو ما اكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال جلسة المباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بلندن فى يناير الماضى حيث اشار سيادته إلى تطلع مصر لتعظيم التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة، وتعزيز التنسيق السياسي والأمني وتبادل الرؤى بشأن مختلف الملفات ذات الاهتمام المشترك، كما اعرب عن التطلع لمزيد من الانخراط لبريطانيا في أولويات خطط التنمية المصرية بمختلف المجالات، فضلاً عن العمل على مضاعفة حجم الاستثمارات البريطانية في مصر ودفع عجلة التعاون الاقتصادي بين الجانبين، خاصةً في ضوء الإصلاحات التي دشنتها الحكومة المصرية لتحسين مناخ الاستثمار والأعمال في مصر، وكذلك الفرص الواعدة المتاحة بالمشروعات القومية الكبرى. 


حرص من جانب لندن على الارتقاء بالعلاقات الثنائية مع مصر وادراكا وتقديرا لدور مصر المحوري والفاعل كمركز ثقل وحجر زاوية لاستقرار الشرق الاوسط والقارة الافريقية عبر عنه جونسون خلال اللقاء مع الرئيس السيسي .


كما يحرص الجانبان على التنسيق المشترك فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والمحلية محل الاهتمام المشترك وهو ما تعكسه الزيارات المتبادلة بين مسئولى البلدين والاتصالات المتواصلة بين قيادتى البلدين.


وعلى مستوى وزيرى الخارجية.. تجرى اتصالات مكثفة بين الوزير سامح شكري ووزير الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية البريطاني "دومينيك راب"، والتى تركز فى مجملها على المسارات المختلفة التي يمكن العمل عليها لتعزيز آفاق التعاون الثنائي، ولا سيما تكثيف التشاور السياسي والعمل على زيادة التبادل التجاري وكذا التعاون في المجال الاقتصادي والقطاع السياحي، بما يخدم المصالح المُشتركة للدولتيّن الصديقتيّن بالاضافة الى بحث العديد من الازمات التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط فضلا عن قضيتى الارهاب والمناخ . 


وفى ظل ما يشهده العالم من تداعيات وباء جائحة "كورونا المستجد".. يؤكد الوزيران خلال اتصالاتهما على اهمية التنسيق وتكثيف الجهود من أجل الحد من التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية للفيروس خلال الفترة المقبلة .


ووقعت حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية ، بمقر وزارة الخارجية في القاهرة فى الخامس من الشهر الجارى إتفاقية تأسيس الشراكة بين البلديّن (إتفاقية المشاركة المصرية البريطانية) . 


وتضع الإتفاقية - المتوقع أن تدخل حيز النفاذ إعتباراً من أول يناير 2021 عقب خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي- الإطار العام للعلاقات بين الدولتيّن في مختلف المجالات وتعكس الاهتمام بتعزيز كافة أوجه التعاون بينهما والارتقاء بها لآفاق أوسع بما يعظم من مصالحهما المُتبادلة .


وتشكل الاتفاقية الجديدة إطاراً هاماً لضمان استمرار المعاملة التجارية التفضيلية لمنتجات البلديّن ، حيث تتضمن ذات المزايا التجارية التي توفرها إتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية التي سيؤدي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي إلى إنتهاء أثرها بالنسبة للجانب البريطاني . 


كما توفر الإتفاقية ،ومن أجل هذا الغرض، المشاركة المصرية البريطانية تحريراً كاملاً للتجارة بين الدولتيّن في المنتجات الصناعية ومعظم السلع الزراعية والمنتجات الغذائية والأسماك ومنتجاتها، مع إستثناء بعض السلع الزراعية التي ستكون خاضعة لحصص كمية تحددها الإتفاقية وتعتبر كافية لإستيعاب نسبة كبيرة من صادرات الطرفين. 


وتعهد الجانبان في إطار الإتفاقية الجديدة بالعمل سوياً لتحقيق قدر أكبر من التحرير للتجارة في السلع الزراعية خلال الفترة القصيرة القادمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المُشترك بين السلطات الجمركية في البلديّن بهدف التخلص من الممارسات التي تعرقل حركة التجارة، وكذلك العمل على زيادة تدفق رؤوس الأموال والخبرات والتكنولوجيا البريطانية إلى مصر .


خطوات عدة تهدف الى تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين شهدها عام 2020 الذي اوشك على الرحيل حيث اتفقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، وألوك شارما، وزير الدولة للتنمية الدولية للمملكة المتحدة، فى يناير الماضى، على بيان مشترك لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وذلك على هامش قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية.


ونص البيان المشترك على دعم المملكة المتحدة لمصر في تعزيز الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف مع شركاء التنمية والحكومات وصانعي السياسات الاقتصادية الدوليين والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق أجندة التنمية الوطنية 2030، اتساقا مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة .


وأكد البيان على تطلع مصر والمملكة المتحدة ، إلى الارتقاء بالتعاون الاقتصادي لتنفيذ رؤية مصر 2030، التي تتوافق مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث ستقدم المملكة المتحدة المساعدة الفنية في بناء القدرات اللازمة لمساندة الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لفتح المجال أمام تنمية القطاع الخاص لتحقيق النمو الاقتصادي الشامل، وستسعى مصر والمملكة المتحدة إلى النهوض بالتعليم والرعاية الصحية وتعزيز التجارة والاستثمار، ويشمل ذلك، اعلان المملكة المتحدة تقديم 13 مليون جنيه إسترليني لمصر بهدف تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتنمية الاجتماعية وتمكين الشباب وذلك من خلال دعم الفئات الأكثر احتياجا وتطوير بيئة الأعمال، كما ستقدم المملكة المتحدة منحا بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني لدعم الشمول المالي وبالاضافة إلى مايقرب من 8 ملايين جنيه إسترليني لزيادة فرص العمل للشباب عبر دعم تطوير منظومة التعليم العالي و استحداث برامج بناء القدرات.


وسيعمل البلدان معًا على إعداد الدراسات الفنية ودراسات الجدوي لعدد من مشروعات البنية التحتية المستدامة بهدف زيادة مشاركة القطاع الخاص في تلك المشروعات، وستدعم المملكة المتحدة جهود جمهورية مصر العربية في تطوير برامج الربط الأقليمي مع الدول الإفريقية، والتي تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كمركزًا إقليمياً للتجارة الدولية والطاقة، وبهدف دعم التعاون الثلاثي بين جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة والدول الإفريقية، وترحب مصر والمملكة المتحدة بالمناقشات الجارية والتى تهدف الى ابرام اتفاق شراكة استراتيجية فى مجال التجارة، لتكون الاتفاقية حجر الاساس لتعزيز العلاقات التجارية المستقبلية بين البلدين، وتلتزم جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة بالعمل سويا على مواجهة التحديات التي تحد من تفعيل اليات السوق الحالية وفتح أسواق جديدة وزيادة الاستثمارات في مجالات الرعاية الصحية والتعليم بهدف زيادة وخلق فرص العمل وتوفير خدمات بجودة متميزة للمواطنين.


وأشار البيان إلى قيام مصر والمملكة المتحدة بتعزيز التعاون القائم بينهما في مجال التنمية المستدامة والبيئة، ويأتي ذلك في اطار تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والاتفاقية الإطارية المبرمة مع الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ.


واكد البيان، اعتزاز مصر وبريطانيا بالشراكة الاقتصادية القوية واسعة النطاق، القائمة بينهما، حيث قدمت المملكة المتحدة أكثر من 50 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة ما بين عامي 2016 و 2020 لدعم التنمية الشاملة والمستدامة في مصر، بالإضافة إلى ضمانها تمويل من البنك الدولي مقدم لمصر بقيمة 150 مليون دولار أمريكى لدعم الاصلاحات الاقتصادية في مصر.


وتركز المساهمة البريطانية على تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والتعليم وتمكين الشباب والتنمية الاجتماعية والتعاون الإقليمي، ويشمل ذلك 12 مليون جنيه إسترليني مخصصة لدعم إصلاحات التعليم الأساسي في مصر مع استهدف المناطق الاكثر احتياجا.. وقدم برنامج تشيفنينج للمنح الدراسية في المملكة المتحدة 50 منحة دراسية ممولة بالكامل سنويًا لأصحاب التخصصات المهنية من الشباب المصري للحصول على شهادات عليا من المملكة المتحدة، واستفاد من البرنامج أكثر من 1300 طالب مصري منذ تفعيلة في مصر، وتقدم مصر وبريطانيا تمويلًا مشتركًا لدعم الشراكات في مجال الابتكار والبحث العلمي وذلك من خلال صندوق نيوتن – مشرفة البالغ تكلفته 50 مليون جنيه إسترليني، وتم تفعيل اكثر من 80 شراكة بين مؤسسات التعليم العالي البريطانية والمصرية، وأصدرت مصر سندات حكومية في بورصة لندن بقيمة 22 مليار دولار أمريكي.


وتعد المملكة المتحدة من أكبر الدول من حيث حجم الاستثمار المباشر فى مصر، حيث تبلغ قيمة استمارات الشركات البريطانية 48 مليار دولار أمريكي في جميع القطاعات الأقتصادية شاملة قطاعات النفط والغاز والاتصالات والأدوية والسلع الاستهلاكية سريعة التداول.


وقد أطلقت جمهورية مصر العربية والمملكة المتحدة منتدى المستثمرين البريطانيين لتشجيع الاستثمار في مصر، وأعلنت وكالة تمويل الصادرات البريطانية هذا العام – و هى الوكالة المسؤولة عن قروض الصادرات البريطانية- عن زيادة حد الائتمان لجمهورية مصر العربية إلى مبلغ 1.25 مليار جنيه إسترليني، وتقوم المملكة المتحدة بتمويل برامج تدريب لأصحاب التخصصات الطبية ودعم التأمين الصحي الشامل في جمهورية مصر العربية، ونجحت في تأسيس أربع شراكات استراتيجية بين مؤسسات الرعاية الصحية المصرية والبريطانية.


وفى ظل التحديات والتطورات المتلاحقة التى يشهدها العالم جاء تدشين الشراكة المصرية البريطانية الجديدة ليرسم خطوط المستقبل ومرتكزاته فى علاقات البلدين بشكل تأمل القاهرة ولندن أن يصب فى مصلحة الشعبين والإسهام بشكل أكبر فى معالجة العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والصحية والبيئية التى تشهدها المنطقة والعالم .