سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم..22نوفمبر 1896محمد فريد بك يترك وظيفة «وكيل النائب العام» احتجاجا على الخضوع لطلب الإنجليز بنقله إلى بنى سويف

الأحد، 22 نوفمبر 2020 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم..22نوفمبر 1896محمد فريد بك يترك وظيفة «وكيل النائب العام» احتجاجا على الخضوع لطلب الإنجليز بنقله إلى بنى سويف محمد فريد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ازدحمت محكمة عابدين بالجماهير، حتى أن بعض قاصديها دفعوا أجرا يتراوح بين نصف جنيه وجنيهين للشخص الواحد، وذلك لحضور جلسة محاكمة الشيخ على يوسف صاحب جريدة «المؤيد»، وتوفيق كيرلس أفندى الموظف بمكتب تلغراف الأزبكية، فى القضية المرفوعة ضدهما من «ناظر الحربية»، بسبب نشر «المؤيد» لبرقية تلغراف من اللورد كتشنر قائد حملة الجيش المصرى إلى «دنقلة - شمال السودان»، حسب «إبراهيم الهلباوى» فى مذكراته، تحقيق، عصام ضياء الدين، وكان «الهلباوى» محاميا عن المتهمين.
 
كان هدف الحملة هو احتلال بريطانيا لـ«دنقلة»، والجنود المصريون كانوا قوامها، وفقا لأحمد أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديوى عباس حلمى الثانى فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»، مضيفا أن البرقية وردت لمكتب تلغراف الأزبكية باللغة الفرنسية إلى ناظر الحربية وتحتوى على 566 كلمة تتعلق بأحوال الحملة، وأُخذت مباشرة من المكتب إلى نظارة الحربية بمنزله، فتلاها بمفرده، واحتفظ بها.
 
كانت المفاجأة فى صدور «المؤيد»، وبها نص الإشارة السرية مترجما إلى اللغة العربية، فاعتبره ناظر الحربية إفشاءً لأسرار عسكرية، وكلف أحد كبار موظفى نظارته بالتوجه إلى مكتب التلغراف لمعرفة المسؤول عن إذاعتها، حسبما يذكر «شفيق»، مضيفا أنه بعد التحقيق ومراقبة الموظفين اتضح أن «توفيق أفندى كيرلس» الموظف بمكتب التلغراف هو الذى سلمها لجريدة المؤيد، فرفعت الدعوى العمومية ضده، والشيخ على يوسف، ونظرت القضية فى يوم 17 نوفمبر، وتولى الأستاذان إبراهيم الهلباوى بك، وأحمد الحسينى بك، الدفاع عن المتهمين.
 
يذكر أحمد بهاء الدين، فى كتابه «أيام لها تاريخ» أن السر العسكرى هو: «الوباء يفتك بالجنود المصريين»، مضيفا: «حظيت المحاكمة باهتمام الرأى العام كله، كما كانت مناسبة لإلقاء المرافعات الوطنية علنا ليسمعها الناس جميعا»، ويذكر «الهلباوى»: «كانت منصة القاضى مشغولة عن يمنيه وشماله بكثير من رجال القضاء ورجال النيابة، وكان من بينهم صاحب الدولة المرحوم عبدالخالق باشا ثروت مندوبا بصفته رسميا من المستشار القضائى».. يضيف: «استعرضت فى مرافعتى تصرفات النيابة وما فرط منها من انتهاك حرمات المساكن، وتوجيه أسئلة عرضت للشبه والمظان السيئة كتصرفها مع والدة وشقيقة توفيق كيرلس، وعند شرح هذه التصرفات قوى عطف الجمهور على المتهمين حتى سالت دموعهم من شدة التأثير، بل لم يستطع القاضى نفسه إخفاء دموعه أيضا».
 
قضت المحكمة ببراءة على يوسف، وسجن «كيرلس» ثلاثة أشهر، وكان «محمد فريد بك» وكيل النيابة، ضمن الحاضرين، وذلك قبل أن يصبح زعيما للحزب الوطنى خلفا لمصطفى كامل، الذى توفى يوم 10 فبراير 1908، ويذكر الهلباوى، أن «فريد بك» لم يتمالك نفسه من إظهار سروره بهذا الحكم، ونطق كلمات عدت ماسة بالمستشار فبلغته، ولهذا قرر المستشار القضائى نقله إلى رياسة بنى سويف.. يذكر «فريد» فى كتاب «ذكريات ومذكرات» للكاتب الصحفى صبرى أبو المجد، أن الإنجليز هم الذين طلبوا من النائب العام نقله إلى إحدى المحاكم الكلية، فصدر الأمر ونقلته وزارة الحقانية «العدل» إلى نيابة بنى سويف، وجاء التصديق عليه.. يضيف: «لما علمت به صممت على الاستقالة من وظيفتى، وعدم قبول هذا النقل المقصود به إهانتى، والتأثير على عواطفى وإحساساتى الوطنية».
 
يكشف أنه توجه يوم السبت إلى نيابة الاستئناف، فبلغه ما تقرر رسميا، فقدم استقالته إلى النائب العام الذى أبقاها إلى يوم الأحد، ربما يعدل عنها.. يؤكد: «فى يوم الأحد 22 نوفمبر، مثل هذا اليوم، 1896 توجهت إليه، وأخبرته بإصرارى فكتب على الاستقالة للنظارة، وقد أجابت بالقبول فى اليوم نفسه، وبذلك تخلصت من خدمة الحكومة التى لا تقبل إلا كل الخضوع لأوامر الإنجليز».  
أصيب والد محمد فريد، «أحمد فريد باشا»، بالغم من استقالة ابنه وعزمه الاشتغال فى المحاماة، ويذكر أحمد لطفى السيد فى مذكراته «قصة حياتى»، أنه كان والشيخ محمد عبده فى جنيف بسويسرا، وذهبا لزيارة «أحمد ثابت باشا»، وكان مهردارا للخديو إسماعيل «حامل الأختام، يساوى رئيس الديوان»، وكان معه أثناء الزيارة أحمد فريد باشا ناظر الدائرة السنية ومن كبراء مصر المعدودين.. يضيف: «لما استقر بنا المقام أخذ فريد باشا يشكو ابنه إلى الشيخ محمد عبده، ويبكى، وكان وقتئذ مريضا»، ويقول للشيخ: هل يصح يا سيدى الأستاذ، أن يهزأنى محمد فريد فى آخر الزمن ويفتح دكان أفوكاتو «مكتب محامى».
قام محمد عبده بتهدئته، قائلا: «الاشتغال بالمحاماة ليس فيه ما يجرح الكرامة وما يخل بالشرف على نحو ما يظن الناس». 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة