أكرم القصاص - علا الشافعي

كريم عبد السلام

أزمنة الشعر 8- جون أشبرى .. "صورة ذاتية فى مرآة محدبة وقصائد أخرى"

الإثنين، 24 يونيو 2019 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

جون أشبرى "1927-1917" أحد الشعراء المعدودين فى الولايات المتحدة والعالم ، تمثل أعماله الشعرية طريقا جديدا فى التعبير وتصور العالم باعتباره نثارا أو مجموعة أشياء متباعدة لا رابط بينها ، كما يعتبر النموذج الأكثر تعبيرا عن تيار ما بعد الحداثة ، حيث تتجاور الفنون وطرائق التعبير ، ويتحول العالم الراسخ إلى آلاف من الصور والموجودات المتشظية والمحكومة بانهيار المعتقدات الكلية إلى مفاهيم بعدد من يعتنقونها

 

صاحب ديوان " صورة ذاتية فى مرآة محدبة - 1975 "، المجموعة الشعرية التى اعتبرها النقاد فتحا جديدا فى الشعر المكتوب بالإنجليزية وحازت أرفع الجوائز الأدبية ، بوليتزر وجائزة الكتاب الوطنى والجائزة الوطنية لحلقة النقاد ،ووضعت صاحبها فى مكانة أيقونية إلى جوار والت ويتمان و روبرت فروست و إميلى ديكنسون و ولاس ستيفن، لم يترجم إلى العربية على نطاق واسع ، ربما لصعوبة أعماله الشعرية أو لأنه يحتاج إلى نوع من الشغف يتجاوز التعقيد والصعوبة ويقترب من النزوع الموسوعى فى الكتابة والخيال غير التقليدى المقترن بالتدفق التلقائى فى الكتابة.

 

من هنا تصبح المختارات التى أنجزها الشاعر السعودى غسان الخنيزى لجون أشبرى وأصدرها عن دار " روايات" مؤخرا ، حدثا يجب الاحتفاء به ، واستعراض تفاصيله ، خاصة وأن الجهد المبذول فى الترجمة ضخم ويعكس محبة كبيرا من المترجم وصبرا يستحق الثناء.يقولفى مقدمته للقصائد :" اطّلعتُ على شعر آشبري في مطلع الألفيّة. واستغرق الأمر فترةً للتقرّب من نصوصه ومُناوشة بعضها ترجمةً، وإن من باب تزجية الوقت، وقد شدّني ذلك السّحر والدهشة والمُتعة والرّضا في قراءة وترجمة نصوص مثل "سوناتا زرقاء" و"منازل بطابق واحد" و"صدى متأخّر"، بما تقدّمه من ثراءٍ في التخليق الصوري، والتراكيب اللغوية السيّالة، والزّخم المعتمد على التلميح والمداورة وتعدّد المرجعيّات؛ نصوص مفتوحة على السماء الشاسعة للمعنى بنَفَس غنائيّ ؛ جامِع ومشترك، فيه زهو التمكّن وتواضع الرّوح"

 

الشاعر غسان الخنيزى كان عليه أن يستعرض 27 مجموعة شعرية لأشبرى ، ليقدم لنا مختارات تتضمن ثلاث وستين قصيدة من ثمانية عشر ديوانا ،بدءا من ديوان " بعض الأشجار – 1965 وحتى آخر دواوينه " شغب الطيور -2016" مرورا بالطبع بمجموعات الفترة الذهبية " صورة ذاتية فى مرآة محدبة -1975 و" البيت العوامة – 1977 و" كما نعرف -1979 " و " قطار الظل" -1980 و " موجة -1984" وفندق لوتريامون- 1992" و " هل تسمعنى أيها الطائر-1995" ، ومن نحو ثلاثة آلاف صفحة ، استخلص لنا "الخنيزى"مائتى صفحة من القطع الوسط واختار لها عنوانا " صورة ذاتية فى مرآة محدبة وقصائد أخرى "

 

"صورة ذاتية فى مرآة محدبة" القصيدة التى كانت نقطة تحول بالنسبة لأشبرى وللشعر الأمريكى فى القرن العشرين ، كانت نموذجا للابتكارات التقنية والبنيوية والأسلوبية الفلسفية والكولاج الذى يشبه مشهد الأشياء المتجاورة على الأرض فى صورة من الطائرة ، قد تبدو فى المستوى الأول أشياء ومشاهد ليس بينها رابط أو منطق ، لكن الشاعر يجد دائما الرابط بين النثارات والأشياء والأشخاص ، من خلال إعادة تعريف العلاقات بيننا وبين الأشياء وإعادة التفكير فى تصوراتنا عن وجودنا فى العالم ودور العالم المحيط بنا

يوظف الشاعر خبرته كناقد فنى ، فى أعماله الشعرية ليتحول الخطاب فى القصيدة إلى عمل نقدى للوحة تحمل العنوان نفسه للفنان الإيطالى بارميجيانينو أحد فنانى عصر النهضة -1524، والقصيدة تبدأ على النحو التالى : " كما نفذها بارمجيانينو / اليد اليمنى أكبر من الرأس / تندفع نحو الناظر وتجيد بسهولة مبتعدة / كما لو أنها تحمى ما تعلن عنه / بضعة ألواح زجاجية معشقة / عوارض خشبية قديمة / فرو / قماش موسلين بطيات عدة / وخاتم من المرجان / كلها تتعاضد معا فى حركة تسند الوجه/ الذى يسبح مقتربا مبتعدا مثل اليد/ سوى أنه فى سكون/ هو ما احتجز / يقول فازارى : ذات يوم هيأ فرانشيسكو أمره ليرسم صورة ذاتية ناظرا إلى نفسه بذلك القصد / فى مرآة محدبة مثل التى لدى الحلاقين..." وهكذا ينطلق أشبرى من وصف لوحة بارمجيانينو إلى استطراد نقدى حول تاريخ الفن وحول الحياة ونظرة الشاعر إلى نفسه من خلال الفن والنقد والاعتراف الشعرى التدفق فى آلية مثل لوحات جاكسون بولوك

مازالت أعمال جون أشبرى تثير الجدل وتؤثر بقوة على الأجيال الجديدة ، ومازال النقاد ينقسمون حول اللغة الأشبه بالكولاج وكأنها مقتطفات من عناوين لعديد من الكتب تتابع فى تدفق لتشكل متاهة من الكلمات المتراصفة وفجأة يضيئها الشاعر بأحد المفاتيح الدلالية أو عبارة تكشف اتساق هذا التنافر ، وكيف أنه يتبع قانونا من التداعىالنفسى أو الانفتاح على العقل وهو يعمل دون كوابح أو دون رقابة

 

فى قصيدة "هذه الغرفة" من ديوان " اسمك هنا – 2000 ، يقول " الغرفة التي دخلتُها كانت حُلمَ هذه الغرفة / حتمًا كُلّ آثار الأقدام على الأريكة هي لي/ الصّورة الشخصيّة البيضَويّة لكلبٍ هي صورتي في عُمر مبكّر/ شيء ما يتلألأ، شيء ما قد اِمّحَى / كنّا نأكل المكرونة ظُهر كلّ يوم /ما عدا الآحاد، عندما يُستجلب طائرُ سمّان صغير /كيما يُقدّم إلينا. لماذا أُخبرك هذا كلّه؟ /أنت لست حتى هنا"

 

ومن قصيدة "شغَب الطيور" من آخر دواوين الشاعر بالعنوان نفسه 2016، يقول :

نتحرّك على طول الطريق عبر القرن السّابع عشر /الفترة الأخيرة منه على ما يرام، أحدث كثيرًا من سابقتها/ الآن لدينا مَلهاة استرداد المَلكيّة / كان وبستر وشكسبير وكورنيل مناسبِين لعصرهم إنما ليسوا حديثين بما يكفي، /وإنْ مثّلوا ارتقاءً عن القرن السادس عشر الخاصّ بهنري الثامن ولاسوسوبيتروسكريستوس، اللذين، ويا للمفارقة، /يبدوان أحدث من خلفائهما المباشرين،تينديل، موروني، ولوكا مارينزيو بينهم./ المسألة غالبًا هي أن “تبدو” حديثًا، لا أن “تكون” /أن تبدو هو أمرٌ يغدو أحيانًا، مِن ساعة لأخرى /على القدْر نفسه من الاعتبار كأن تكون. أكانَ ذلك أفضلَ طوال الوقت / فتلك مسألة من الأجدى تركُها للفلاسفة وأمثالهم، الذين يعرفون الأمور بطريقة لا يمكن للآخرين معرفتها/  رغم أن تلك الأمورهي غالبًا وتقريبًا نفسها التي نعرفها "

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة