أكرم القصاص - علا الشافعي

كريم عبد السلام

أزمنة الشعر «7».. فى محبة «على منصور» والخوف عليه

الأحد، 23 يونيو 2019 02:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ نحو عشر سنوات أو أكثر، كتبت مقالا فى جريدة الحياة اللندنية عن ديوان «فى مديح شجرة الصبار»للشاعر العزيز على منصور، وكنت أنطلق فيه من مجموعة أسئلة حول قصيدة النثر المصرية وتجلياتها لدى على منصور، وهو أحد الشعراء البارزين فيها من خلال ديوانيه الجميلين «على بعد خطوة- 1992» و«ثمة موسيقى تصعد السلالم- 1995»، وتناولت فى هذه الأسئلة، على ما أذكر، الفارق بين القول الشعرى والكلام النثرى، ما الذى يجعل من الكلام شعرا؟ والفارق بين اللغة الاستعمالية والعبارة الشعرية، والفارق بين الحقيقة الفكرية وتجلياتها الجمالية فى القصيدة، الفارق بين النوايا الجميلة والقصائد الجميلة، وهل تتضمن الأفكار الطيبة وحب الخير ومعرفة الله أساسًا جماليا فى ذاتها يمكن أن يقيم بناء شعريا؟ أو هل يقوم المعنى النبيل المباشر، المعنى الأخلاقى والإصلاحى بقصيدة شعرية؟ ألا يحتاج الشعر إلى أن يتعين فى وجود جمالى، فإذا وجد الشعر فإنه يحمل كل المعنى؟
 
وهكذا مضيت أطرح الأسئلة الجوهرية حول القصيدة من خلال الديوان، ولم أكتف بالأسئلة، بل شرعت فى إجابات مستفيضة عن الفارق بين النثرية المشاع فى الحياة وقصيدة النثر، والفارق بين الشاعر والواعظ إلى آخر ما يحقق فكرتى عن اختلاف عمل الشاعر بين ديوانيه «على بعد خطوة» و«ثمة موسيقى تصعد السلالم» وما بعدهما من أعمال أقل فى المستوى الجمالى، ويبدو أننى كنت صريحا فى نقدى أكثر من اللزوم، لأن العزيز «على» أخد على خاطره منى بعد هذا المقال، ولم تسمح الظروف بأن نلتقى ونتناقش حول ما كتبت، وحول دور النقد الضرورى فى وضع علامات الإرشاد على طريق المبدعين، لكنى بعدها كنت أمر سريعا على ما يصدره «على منصور» دون أن أتوقف نقديا أمامه، «الشيخ»، «بقايا ألبوم قديم لبرجوازى صغير»، لأنى «خايف على زعله»، كما يقولون.
 
وعندما قرأت حواره فى العدد الأخير من أخبار الأدب، تأسفت على نشرى مقال «الحياة» وحمدت الله أنى لم أكتب نقديا عن ديوانيه الأخيرين، لأنى لا أعرف التخلى عن جديتى وصراحتى عند الوقوف بالشعر، كما أننى لا أستطيع التعامل مع «حصنى الوحيد» باستخفاف أو بمقالات سريعة أو بأخبار المجاملة، ودائما أقول لنفسى، كل ما فى الصحافة عمل إلا الشعر، له قدسيته وحراسه وتاريخه، قل كلمتك وامض.
 
لم أكن أعلم أنك يا صديقى أنك تحمل كل هذا الخوف من العالم والمجتمع، لم أكن أعلم أنك تشعر بالخوف من الأصدقاء والغرباء والأقارب والناس المارين من حولك فى تيار الحياة، كما لم أكن أعلم أنك تشعر فى نفسك بهذا القدر الكبير من الضعف، على العكس، أنا لا أتصورك ضعيفا أو خائفا، وأنت صاحب إسهام بارز فى الشعر المصرى الحديث، وحتى لو كان الاختلاف شديدا بيننا بشأن عمل أو أعمال شعرية، كما لا أتصور نفسى أحد الذين تسببوا فى إشعارك بالخوف والضعف، الخلاف الجمالى حول تصور الشعر وصناعته لا يمكن أن يكون سببا فى إرهاب الشاعر، أى شاعر، لأن الشعر حرية يا صديقى، الشعر خلاص وملجأ من العالم، الشعر اختيار وليس فرضا من جهة أو أحد. 
 
لقد أسرتنى بما قلت فى الحوار على صفحات أخبار الأدب: «خائف من كل شىء، الآن مثلاً أنا خائف منك، خائف من الكلام الذى سأبوح به لك، خائف مما سوف تكتبينه، خائف ربما من السخرية، أو السباب، خائف جداً، وهذه طبيعتى، لقد عشت حياتى كلها فى خوف، فى خوف من الله، ومن الناس، والسلطة. ولا أعرف كيف استطعتُ أن أتحمل ذلك. لكننى أهون على نفسى وأقول إننى ليس لى فى ذلك حيلة، أبى مات مبكراً جداً، ولم أر وجه أمى سوى خائف ومهموم، ربما ورثت عنها هذا الوجه، فرغم أن الناس يقولون لى إن وجهى لم يغادر طفولته، فإننى أراه حاداً وغليظاً. أنا لم أفعل أشياء كثيرة بسبب الخوف، وللغرابة، فعلتُ أشياء−كان لا يجب أن أفعلها− بسبب الخوف أيضا».
 
كنت أظن أن الشاعر الجيد صاحب الإسهام فى القصيدة المصرية الحديثة ممتلئ بذاته، مستغن عن العالم وما فيه، متصالح مع ربة الشعر، لا يعوزه شىء ولا أحد قادر على التأثير فيه سلبا أو تعطيله أو حرفه عن طريقه الذى رسمه لنفسه، كنت أتصور أن الشاعر الذى وجد نفسه ووضع يديه على مشروعه، يستطيع أن يتحدى العالم كله، لأن العالم الخارجى لا يعنى له أى شىء أمام العالم الموجود فى قلبه وذهنه، أمام تتابع الصور والأفكار والمشاهد والمعانى والقصائد، هذا الخوف والضعف الباديان من كلامك يا صديقى أخشى أنك أنت من يصنعه، أنت من يستسيغه ويستخدمه كآلية دفاعية، وأكاد أسمعك تهجس بعبارة سارتر «الآخرون هم الجحيم»، ولكنها عبارة مائعة متحولة، فالجحيم مجرد واجهة للفردوس والفردوس جزء من الجحيم، ولا يمكن للإنسان، بما جبل عليه من تناقض وتعقد ، أن يختار فصم أحدهما عن الآخر حتى لو كان لديه القرار، فلا أعتقد أنك تنشد العزلة الكاملة، التى لا يوجد فيها ما أو من يشعرك بالخوف أو الضعف، أو من يمنحك السعادة والرضا، لأنك تنشر قصائدك وآراءك على صفحات الصحف وتطلب من القراء والمتابعين أن يلتفتوا إلى ما تقول من أفكار وما يجود به خيالك .
 
ودعنى أسألك يا صديقى: كيف تستقبل من يطربون لقصائدك ويرفعون لها رايات الإعجاب ويكتبون عنها بإيجابية؟ هل تخافهم أيضا؟ هل تصدقهم وتفرح بتلقيهم الإيجابى؟ أم أنك تريد المدح والتقريظ ولا تطيق الانتقاد والمتابعة الموضوعية؟ على أية حال، سلامتك من كل خوف أو ضعف، والحياة أكثر رحابة من خلاف حول ديوان أو قصيدة، ولتنعم فى عالم تصنعه على عينك خالٍ من الاختلاف أو الغربة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة