أكرم القصاص - علا الشافعي

أرجوك اقرأني من الداخل

الجمعة، 24 مايو 2019 05:57 م
أرجوك اقرأني من الداخل داليا مجدي عبد الغنى
د./ داليا مجدي عبد الغني

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أجمل الأحاسيس التي يمر بها الإنسان في حياته، أن يشعر بأنه محل ثقة وأمان الآخرين، خاصة لو فُوجئ بهذا الأمر من قِبل أحد الأشخاص الذين لا تربطه بهم صلات اجتماعية وشخصية وطيدة، فهذا يُشعره بأنه مقروء بشدة من الآخرين، وأن ضميره مرئي بالنسبة للآخرين.
 
وأنا شخصيًا تعرضت لهذا الموقف منذ قرابة الثلاث سنوات، ففي أحد الأيام تعرضت لأزمة في عملي؛ بسبب خلافي مع أحد الأشخاص، فاضطرتني الظروف للنقل من عملي، وذهبت في أول يوم في المكان الجديد، وأنا أشعر بالغربة، فالمكان والزملاء والمُدير، كل شيء غريب لا أعرفه، وفي أول لقاء مع رئيس العمل، كانت أول جملة قالها لي: "أعلم أنكِ متميزة جدًا، وأن نقلكِ هنا لا يتماشى مع رغبتكِ، ولكنني سأجعلكِ تشعرين بالراحة النفسية في هذا المكان".
 
وبالفعل، أعترف أن أجمل سنة وشهرين قضيتهم في فترة عملي، كانت في تلك المرحلة، واستطعت أن أثبت نفسي في عملي، وحققت أشياء كثيرة على مستوى طموحاتي الشخصية، لدرجة أنني بعد انقضاء تلك الفترة، تم نقلي إلى المكان الذي كنت أعمل به، والذي كنت حزينة وأنا منقولة منه في السابق، فشعرت بشدة الأسى؛ لأنني سأترك العمل في ذلك المكان، والذي شعرت فيه بقدْري، ولأنني سوف أعمل مع مدير آخر.وبالمصادفة، كانت ابنته الكبرى تلميذة عندي في الجامعة، وفي آخر يوم عمل لي معه، هَّون عليَّ حزني على نقلي، خاصة أنه كان هو أيضًا منقولاً لمكان آخر، وقال لي: "تأكدي أن ربنا سيراضيكِ؛ لأن قلبكِ نظيف"، وفوجئت به يقول لي: "لو توفاني الله، ابنتي أمانة في رقبتكِ"، وكانت جملته مُفاجأة بالنسبة لي؛ لأنه لا يعرفني منذ فترة طويلة، ولم تربطنا سوى علاقة العمل، مع بعض التشجيع منه، وإعجابه بطموحي، وثقتي في نفسي، وكان دائمًا يطمئن على أخباري، وعندما علمت بعد أسبوعين من نقلي، أنه تم ندبي للعمل بمكان كنت أسعى إليه، أخبرته على الفور، فقال لي: "ألم أقل لكِ أن الله سيراضيكِ، لأنكِ تستحقين ذلك".
 
وكانت ابنته دائمًا تتواصل معي، وعندما كانت تجتاز امتحان الليسانس، اتصل بي، وأخبرني أنها تُريد تأجيل الامتحان؛ نظرًا لعدم استعدادها، بسبب مرورها ببعض المشاكل، فنصحته أن يُشجعها على المحاولة، وبالفعل اجتازت كل الامتحانات، وكنت أدعو لها في كل صلواتي، وبعد فترة وجيزة، فُوجئت باتصاله، يُخبرني بأن نتيجتها ظهرت، وأنها حصلت على تقدير امتياز لأول مرة، رغم أنها لم تكن مُستعدة للامتحانات، فضحكت، وقلت له: "إنها بركة دعائي".
 
وما لا أستطيع نسيانه، أنني منذ أربعة أشهر، كنت جالسة بجوار والدي في العناية المركزة، فرنَّ تليفوني الجوال في الساعة الثامنة والنصف صباحًا، وكان رقم هذا الرجل، فظننت أنه علم بحالة والدي المرضية، فأراد الاطمئنان عليه، فأخذت الموبايل، وخرجت من الغرفة، ولكنني فُوجئت بصوت ابنته، تُخبرني أنه تُوفِّىَ، ومن فرط صدمتي، جعلتها تُكرر الجملة أكثر من مرة، ورغم علمي بأنه كان يُعاني من حالة مرضية مُزمنة، إلا أنني لم أستطع تصديق أنه غادر الحياة، وكانت هذه هي أول مرة أسقط فيها، ولم أستطع المقاومة، منذ أن دخلت بصحبة والدي المستشفى، برغم أنني لم يغمض جفني للحظة لمدة خمسة أيام، ولكن قُواي قد خارت بعد سماع هذا الخبر، ولكن ما أسعدني، بعد أن مرت الأيام، أنني علمت من زوجته، أنني كنت محل ثقة كبيرة منه، ومحل إعجاب من الأسرة كلها؛ بسبب مقالاتي ولقاءاتي التليفزيونية، وقررت حينها أن أكون قدر هذه الثقة، وأن تكون ابنته أمانة في رقبتي، وأكون لها نعم الدليل والمرشد والسند في حياتها.
 
ولكن ما لفت انتباهي، أنك قد تكتشف أنك محل ثقة واحترام الكثيرين، وأن الآخرين قد يقرءُون ما بداخلك، ويعرفون مقدار نقاءك، وهنا تشعر بالسعادة؛ لأن ما بداخلك يطغى ويظهر، ويكون هو عنوان معرفة الناس بك، حتى لو لم تكن صلتك بهم قوية، فيكفي أن يكون بداخلك قلب شفاف، يُظهر معدنك وحقيقتك، والسبب أن ما يُقوي علاقات البشر ببعضهم، ليس طول المدة، ولكن مقدار الإخلاص المتبادل، فإذا قابلت شخصًا، يريد أن يعرفك بصدق، فقل له: "أرجوك، اقرأني من الداخل".









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة