أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

بين أفراح التوظيف وأتراح المعاش!

الخميس، 04 أبريل 2019 07:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يفارق حلم التعيين فى وظيفة حكومية أخيلة الشباب منذ اللحظة التى تظهر فيها نتيجة امتحاناتهم فى السنة الأخيرة من دراستهم الجامعية، إلى أن يحصلوا عليها بعد سنوات طوال وجهد جهيد، حتى إن بعضهم - وقد تخرج فى الجامعة - قد يجتهد ليلتحق بوظيفة حكومية يضطر معها لإخفاء شهادته العليا؛ لأن الوظيفة تشترط أن يكون المتقدم حاصلًا على الابتدائية أو الإعدادية على الأكثر، كوظائف عمال الخدمات المعاونة مثلًا، ليدخل الموظف بعدها فى معاناة من نوع خاص حين يجد نفسه عاملًا فى المدرسة أو المعهد الذى يعمل به زميل دراسة له فى وظيفة معلم أو أعلى منها!
 
فإذا ما حصل هؤلاء الحريصون على الوظيفة الحكومية على الوظيفة سواء أكانت تناسب مؤهلاتهم أم دونها، وقد كانوا يظنون أنها نهاية معاناتهم وحاجتهم إلى عطف الوالدين بأموالهم، فإنهم سرعان ما يكتشفون خطأ تقديرهم، وأن حاجتهم لم تنقطع، وأن راتبهم لم يغير شيئًا من واقعهم إلا نظرة الحسد البادية فى عيون أقرانهم ممن لم يحالفهم الحظ فى الحصول على وظيفة مثلهم، فضلًا عن أعباء العمل ومشكلاتهم مع رؤسائهم، والأعباء الجديدة المترتبة على معجزة زواجهم وما خلفته من ديون ستلازمهم عدة سنوات، فإذا ما تخلصوا منها وتنفسوا الصعداء، فإنهم سرعان ما تلاحقهم مشكلات أولادهم، وبينما هم يأملون فى ترقية تحسن رواتبهم لتفى ببعض المتطلبات الجديدة، فإذا بهم يجدون قطار توظيفهم قد وصل إلى محطته الأخيرة التى تسمى بالمعاش، ليجدوا أنفسهم أمام واقع جديد أشد مرارة ومعاناة، ويتمنون يومًا من أيام وظيفتهم حين يقبضون معاشهم الزهيد!
 
وإذا كان هذا هو حال غالب الموظفين الحكوميين على اختلاف مستوياتهم، فإن فريقًا آخر من الشباب لا يضيع وقتًا من عمره فى انتظار قطار التوظيف الحكومى الذى قد لا يأتى، وإن أتى فربما لا يمكنه اللحاق به لعدم حصوله على التقدير المطلوب للتقدم للوظيفة، أو لتجاوزه سن التوظيف المعلن عنها، فتجدهم يقررون طرق أبواب القطاع الخاص الذى يكون فى الغالب أكثر دخلًا من العمل الحكومى، وبعضهم يسلك طريقًا آخر، وهو إنشاء مشروع صغير أو حتى متناهى الصغر يناسب مواهبه وقدراته، ويقرر أن يكون رئيس نفسه ومدير مشروعه. وبعض هؤلاء الشباب قد يعاب عليه من أقرانه، لأن بعضهم يمر به قطار التوظيف حاملًا فرصة يصعب رفضها، كمعيد فى الجامعة أو معاون نيابة مثلًا، إلا أنه يأخذ قراره عن قناعة وينطلق بمشروعه واصلًا الليل بالنهار، ليجد نفسه بعد فترة من العمل الدؤوب صاحب مشروع كبير وربما مشروعات، وقد يجد زملاءه الذين التحقوا بالوظائف الحكومية يعملون عنده بعد فراغهم من أعمالهم الحكومية لتحسين دخولهم.
 
وهذ الفريق الذى وفِّق فى اختياره ونجح فى عمله الخاص يمتاز عن زملائه الذين التحقوا بالوظائف الحكومية فى أمرين: أولهما أن أصحاب المشروعات الخاصة كلما مرت بهم السنون تحسنت أوضاعهم وكبرت مشروعاتهم، بخلاف الموظف الذى لا تتناسب زيادة راتبه مع ما يزيد من أعبائه كلما أمضى سنوات فى عمله، وثانيهما أن أصحاب المشروعات الخاصة لا يمرون بالمحطة التى لا يحبها ولا يتمناها معظم الموظفين، وهى محطة المعاش؛ لأن تقاعد أصحاب الأعمال الخاصة يكون اختياريًّا بقرارهم هم وليس إجباريًّا بحكم القانون، ثم إن أصحاب الأعمال الخاصة حتى إن تقاعدوا، فإن مشروعاتهم تكون تحت نظرهم تكفل لهم استمرار حياتهم الكريمة دون لطمة جنيهات المعاش!
 
ولعل المطالع للسطور الماضية يتوقع أننى أزهد الشباب فى الوظائف الحكومية، وأننى سأطالبهم برفضها والبحث عن عمل بالقطاع الخاص، أو الاجتهاد فى إنشاء مشروع صغير خاص بهم، وهذا ما لم أقصده؛ فما أنا إلا واحد من الموظفين الحكوميين، فرحت حين عُينت معيدًا بالجامعة فى بداية توظيفى، ولكننى عرضت لواقع لا يمكن إنكاره فى أحوال الناس مع التوظيف، وغاية ما قصدته أننى أطالب الشباب فى ظل قلة فرص التوظيف الحكومى، وعدم توافر فرص عمل مناسبة لجميع الراغبين فى التوظيف، بعدم تضييع سنوات عمرهم فى انتظار فرصة عمل حكومى قد لا تأتى أصلًا، بل عليهم فور تخرجهم - أو حتى قبله إن لم يكن ذلك مؤثرًا على دراستهم - قبول أى فرصة تسنح لهم لتحقيق دخل يخفف العبء عن كاهل أسرهم، ويجعل منهم عناصر فاعلة فى مجتمعهم، سواء كانت هذه الفرصة فى القطاع الخاص أو فى مشروع يخصهم، فإن وفقوا فى هذا العمل فليحمدوا الله وليمضوا فى طريقهم حتى لو جاءتهم فرصة الوظيفة الحكومية، وإن لم يوفقوا وجاءتهم فرصة عمل حكومى فإن عملهم الخاص لن يمنعهم من الانتقال إلى الوظيفة الحكومية.
 
وأذكِّر الشباب الذين يتحرجون من قبول بعض الأعمال، فى حين تجدهم يقبلون مساعدة والديهم أو إخوانهم - وربما أخواتهم - الذين يعملون، بأن العمل شرف وقيمة فى حد ذاته، وأنه لا يوجد عمل مستحقر فى شريعتنا، وعليهم أن يتذكروا دائمًا هذا الموقف المعبر؛ فقد مر الأصمعى على فتى فى مقتبل عمره ينظف حمامًا صحراويًّا كان يسمى قديمًا بالكنيف، فسمع الفتى ينشد قول فارس مشهور يعيب قومه الذين دافع عنهم حتى وقع فى الأسر، فتركوه ولم يهبوا لتحريره، فأنشد قصيدة يرثى فيها نفسه وهو يكاد يموت، فقال: 
 
«أضاعونى وأى فتى أضاعوا .. ليوم كريهة وسداد ثغر»، فقال له الأصمعى: يا فتى، ما لك والثغور! إن كنت تقصد أنك تصلح لسداد الكُنف فهو لك. فقال الفتى: أصون نفسى أن تهان. فتعجب الأصمعى، وقال: يا فتى، إن كانت نفسك عزيزة عليك، أما وجدت لها مكانًا غير ما وضعتها فيه؟! وهل يوجد أحقر منه يمكن أن تضعها فيه؟! فقال الفتى: نعم يوجد. فقال الأصمعى: فأين هو؟ قال الفتى: الحاجة إليك وإلى أمثالك! فسكت الأصمعى، وهو مَن هو بيانًا وفصاحة!









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة