أكرم القصاص - علا الشافعي

عباس شومان

بين الخُلع والتطليق للضرر

الخميس، 07 فبراير 2019 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شرع الله عز وجل الزواج سكنًا ومودة ورحمة بين الزوجين، ورسمت شريعتنا الغراء طريقًا واضحًا يحقق المقاصد المرجوة من بناء الأسرة، بداية من الخطبة والمواصفات المثلى للمخطوبين، مرورًا بالزوجية وحقوق وواجبات طرفيها، ونهاية بالنصيب المستحق فى تركة مَن مات منهما أولًا، لكن سفينة الزوجية قد تصادفها أمواج المشكلات والخلافات بين الزوجين، فهى تتغلب عليها تارة وتعجز عن مواجهتها أخرى، وعندئذ يكون إنهاء الزوجية أفضل من بقاء سفينتها تتلاعب بها الأمواج وتتقاذفها يمينًا وشمالًا!
 
ومن الحلول المشروعة لإنهاء الزوجية الطلاق الذى جعله الله بيد الزوج ليس تفضيلًا له ولا إيثارًا كما يظن بعض الناس، ولكن تضييقًا لدائرة التطليق؛ حيث إن الرجل أكثر من المرأة تأنيًا وضبطًا للنفس فى إيقاع الطلاق. ولما كان الشارع الحكيم يريد الحفاظ على الزوجية متى أمكن ذلك؛ فقد جعل الطلاق ثلاث طلقات متفرقات بين كل طلقة ثلاثة أشهر غالبًا، وربما أكثر من ذلك متى كانت الزوجة حاملًا، حتى إذا راجع الزوج والزوجة أنفسهما وندما على إنهاء الزوجية، أمكنهما استئناف الزوجية من جديد مرتين، وذلك بعد الطلقة الأولى والثانية.
 
ولم يجعل الشرع الحنيف إنهاء الزوجية بيد الزوج وحده، بل جعل للمرأة الحق فى طلب إنهاء الزوجية فسخًا إذا اكتشفت عيبًا بالزوج يصعب عليها تقبله نفسيًّا أو بدنيًّا، أو اكتشفت أنه لا يحل لها أصلًا، كما لو كان أخًا لها من الرضاعة، وهو حق يملكه الزوج أيضًا، لكن الزوجة تنفرد بنوعين من الفرقة لا يملكهما الزوج، وهما: طلب التطليق للضرر، كما لو كان الزوج سيئ العشرة، أو كان لا ينفق عليها النفقة الواجبة عليه شرعًا، أو غاب عنها زمنًا طويلًا فى سفر ونحوه، والقاضى هو الذى يوقع الطلاق فى هذه الحال وليس الزوجة، حتى يتخذ ما يلزم من إجراءات ويقوم بمحاولات الإصلاح من خلال إقناع الزوج بالكف عن الإساءة لزوجته وإلزامه بذلك، وقبول الزوجة الصفح عنه، فإن كان سبب طلب التفريق عدم الإنفاق مثلًا، وألزمه القاضى به فالتزم، فلا حاجة للتطليق، وإن كان للسفر فقبِل الزوج العودة أو أخذ زوجته برضاها لتقيم معه حيث يقيم، استمرت الزوجية، وهو مراد شرعنا الحكيم، وإلا كان ما لا بد منه، وهو التطليق للضرر رغمًا عن الزوج، مع ضمان حقوق الزوجة المالية الواجبة على الزوج.
 
أما الطريق الآخر الذى تملك به الزوجة إنهاء الزوجية، فهو الخلع، والأصل فى الخلع قول الله عز وجل: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»، وما رُوى أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبى، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس، أمَا إنى ما أعيب عليه فى خلق ولا دين، ولكنى أكره الكفر فى الإسلام. فقال رسول الله: «أتردين عليه حديقته؟». قالت: نعم. قال رسول الله: «اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة».
 
ويختلف سبب الخلع عن سبب التطليق للضرر؛ فالأخير كما يظهر من اسمه سببه وقوع ضرر على الزوجة من الزوج، أما الخلع فلا يشترط للجوء الزوجة له أن يقع عليها ضرر من الزوج، كما هو مفهوم من النصوص السابقة، بل متى لم تسترح له نفسيًّا ووصلت إلى حد كراهية العيش معه، كان لها الحق فى السعى لتختلع منه، فالخلع يكون رغبة من الزوجة فى إنهاء الزوجية من غير سبب أو تقصير من الزوج، وحُق للزوج عندئذ أن يأخذ منها مقابلًا ماليًّا لخلعها؛ حيث سيفقد زوجية أنفق أموالًا لبنائها، وبناء زوجية غيرها يحتاج إلى نفقات أخرى، بالإضافة إلى أنه لم يكن متسببًا فى هذا الخلع، فحُق له أن يعوَّض كما تعوَّض المرأة عند تطليقها.
 
وبعد هذا التأصيل الشرعى الموجز للخلع، فإن نظرة سريعة إلى دعاوى الخلع فى المحاكم تظهر أن غالبها فى الحقيقة، بالنظر إلى أسبابها، حالات تضررت فيها الزوجة من عِشرة الزوج، لكن الزوجة تلجأ إلى طلب الخلع وليس التطليق للضرر بسبب طول المدة التى يستغرقها النظر فى قضايا التطليق للضرر؛ حيث يحتاج الأمر إلى كثير من البحث والتحرى لإثبات الضرر الواقع على الزوجة من زوجها، ولا سيما أن كثيرًا من الأزواج نتيجة ضعف الوازع الدينى يتحايلون ويراوغون ويتفننون فى نفى إيقاعهم ضررًا على زوجاتهم، وحتى بعد اقتناع القاضى بتضرر الزوجة واستحقاقها الخلاص من هذا الزوج، وإصداره حكمًا بتطليقها، فإن الأمر لا ينتهى بذلك، بل يكون هناك درجات أخرى للتقاضى قد تنتهى إلى إقرار الحكم أو إلغائه، وذلك بخلاف دعاوى الخلع، فحكم القاضى فيها يكون حكمًا نهائيًّا لا يحتمل الطعن عليه، ومن ثم تلجأ الزوجات إلى هذا الطريق للخلاص من الزوجية.
 
وعلى الأزواج أن يعلموا أن كل ما كان ظاهره خلعًا وهو فى حقيقته تضرر الزوجة من تصرفات الزوج، يكون المقابل الذى يأخذه الزوج للخلع عندئذ أكلًا لمال الزوجة بالباطل، وهو مال محرم لا يحل للزوج؛ حيث إن موضوع الخلع، كما سبق بيانه، لا يكون فى حالات ضرر يوقعه الزوج على زوجته.
 
وعلى ذلك، فإن علاج هذه المشكلة يتطلب، من وجهة نظرى، إعادة النظر فى قانونى التطليق للضرر والخلع، وذلك بأن يجعل التطليق للضرر من درجة واحدة كالخلع تقصيرًا لأمد التقاضى، مع إيجاد آليات تسرع من إثبات وقوع ضرر على الزوجة أو نفيه، وهنا لن تكون الزوجة المتضررة فى حاجة للجوء إلى طلب الخلع، أو بأن يعدل التشريع الخاص بالخلع ليعطى القاضى الذى ينظر فى دعوى الخلع الحق فى أن يحولها إلى تطليق للضرر إذا ثبت فى أثناء نظر الدعوى أن الزوجة طالبة الخلع متضررة من عِشرة زوجها بسبب منه؛ حيث لا يسمح القانون الحالى بذلك، بل يحتاج الأمر ابتداءً إلى تعديل لمسار الدعوى من قِبل محامى الزوجة، وهو ما لا ترغب فيه الزوجة بسبب الإجراءات الطويلة الخاصة بالتطليق للضرر التى تفر منها الزوجة وتختار طريق الخلع الأقصر زمنًا والأيسر إجراء.
 
ولعل إعطاء القاضى هذا الحق لن يترتب عليه هذا المحظور؛ حيث إذا تبين له تضرر الزوجة بسبب من الزوج، فإنه يحكم بالتطليق للضرر وليس بالخلع، ويكون الحكم عندئذ حكمًا نهائيًّا غير قابل للطعن، وهنا يتحقق الإنصاف الحقيقى للمرأة بتخليصها من طول زمن التقاضى من ناحية، ومن ناحية أخرى بعدم لجوئها لدفع مال لا ينبغى أن تدفعه شرعًا متى كان الضرر بسبب من الزوج.
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة