أكرم القصاص - علا الشافعي

بيشوى رمزى

فى رثاء فرانكو.. حنين أوروبى للديكتاتورية

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019 11:17 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مظاهرات عدة شهدتها إسبانيا فى الأيام الماضية، انطلقت من إقليم كاتلونيا، للمطالبة بالاستقلال عن الدولة الأوروبية، بينما انتقلت "العدوى" مؤخرا، إلى قلب العاصمة مدريد، للاحتجاج على نقل رفات الزعيم السابق فرانشيسكو فرانكو، والذى يعتبره قطاع كبير من المحللين "أخر ديكتاتور أوروبى"، من مقبرة بأحد الكنائس إلى مقابر عائلته العادية، فى انعكاس صريح لانتشار حالة الغضب، كالنار فى الهشيم من جراء أداء الحكومة، برئاسة بيدرو سانشيز، لتمتد من دعاة الاستقلال إلى قطاعات أخرى داخل المجتمع الإسبانى.

إلا أن مشهد المظاهرات الداعمة لرفات "الديكتاتور" ينبغى ألا يمر دون قراءة ليس فقط المشهد الإسبانى، ولكن المشهد الأوروبى بشكل عام، فى ظل المظاهرات التى ضربت العديد من العواصم الغربية، احتجاجا على المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا، مما يعكس حالة من الحنين الغربى إلى الحقب الديكتاتورية، فى ظل فشل الديمقراطية الحديثة إلى تلبية تطلعات الشعوب، وعلى رأسها تحسين أوضاع المواطنين، ودحض التهديدات المتواترة التى تواجههم.

مظاهرات إسبانيا تحمل فى طياتها رثاء للديكتاتور، والذى ارتبط اسمه بأكثر حكام أوروبا قمعا وتنكيلا، وعلى رأسهم هتلر وموسولينى، واللذين قدما له الدعم لينتصر فى الحرب الأهلية التى شهدتها بلاده فى الفترة بين عامى 1936، 1939، ليصل بعدها إلى سدة السلطة، والتى بقى بها حتى وفاته فى السبعينات من القرن الماضى.

الاحتجاج على نقل رفات فرانكو لا تختلف كثيرا عن مطالب "السترات الصفراء" فى فرنسا بحل الجمعية الوطنية (البرلمان)، أو استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، واللذين يتمتعان بشرعية ديمقراطية، باعتبارهما نتاج انتخابات نزيهة، وهو المعيار الذى طالما استخدمه الغرب لسنوات طويلة لتقييم الأنظمة الحاكمة فى دول العالم، وبالتالى استغلاله كذريعة للتدخل فى شئونهم الداخلية، فى إطار رغبتهم فى السيطرة على العالم، وإجبار الدول الأخرى للدوران فى أفلاكهم.

وهنا يمكننا القول بأن النموذج الذى قدمه الغرب للديمقراطية الحديثة يبدو وأنه قد استنفذ رصيده تماما، أمام المواطنين الغرب، فى ظل مخاوف وتهديدات وظروف اقتصادية متراجعة، وبالتالى فقد شعروا بالحاجة إلى حكام أقوياء يمكنهم إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، عبر حماية الحدود، التى أصبحت مباحة أمام المهاجرين، والذين أصبحوا بمثابة منافس قوى لهم فى أرزاقهم، بالإضافة إلى كونهم تهديد أمنى فى ظل ارتفاع معدلات الجرائم فى العديد من المدن والعواصم حول العالم.

رمزية الاحتجاجات الأخيرة فى إسبانيا لا تقتصر على كونها نكاية فى الحكومة الإسبانية الاشتراكية، والتى سبق للمواطنين الأسبان وأن أعربوا عن رفضهم لها انتخابيا، عبر تصعيد أحزاب يمينية، وعلى رأسها حزب "فوكس" اليمينى المتطرف، والذى استطاع أن يحتل المركز الثالث بين الأحزاب السياسية فى مدريد من حيث عدد المقاعد البرلمانية، بعد عقود طويلة من الغياب البرلمانى التام، وإنما تمثل حنينا للحقب الديكتاتورية، وتعكس رغبة قوية فى نموذج جديد لـ"الديكتاتور" شريطة أن تكون الأولوية لديه للمواطن، بعيدا عن أية أجندات أو إملاءات أخرى تفرضها عليه السياسة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة